عناصر الخطبة
1/ الاعتبار بالعقوبات التي حلت بمن قبلنا ومن حولنا 2/ الاعتبار بحالنا قديما وبتقلبات الأيام 3/ تحذير القرآن من مصير أهل العصيان 4/ التحذير من معاصٍ جالبة للعقوبات في الدنيا 5/ الاعتبار بالأندلس 6/ تشجيع الخير في الأمة والدعوة للمحافظة عليه 7/ سبيل النجاةاقتباس
فلمن غرّتهم فتنةُ الحياة الدنيا واطمأنّوا لها، وجاهروا بالمعاصي، وأعلنوا بها، نقول: اتقوا الله! اتقوا الله وأسلموا له! ولا تنصبوا العداءَ والحربَ بينكم وبين الله -عز وجل- بتصرفاتكم، فَاللهُ عزيزٌ ذو انتقام، قَويٌّ عَزيزٌ، فَعّالٌ لما يُريد، شديدُ المِحال، لا يُعجزِهُ شَيءٌ في الأَرضِ ولا في السَماءِ، وَهُوَ السَميعُ العليم، (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:50-55].
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها الإخوة. يقول الله -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16].
المجاهرة بسوء الأخلاق، ومخالفة الشرع والقيم والعادات، وإهانةُ الناصحين، وارتفاعُ صوتِ المبطلين، سببٌ لعقوباتِ ربِّ العالمين.
كَثيرٌ مِن النَّاسِ بالأرضِ لاهُونَ سَادِرُون في غَيّهِم ولهوهم، وكأنَّ مَا يحدث من مَصائب وكوارث لا يَعنيهم! عقوباتُ الله تصيبُ مَنْ حَولهم، مِن فَقدٍ للأَمنِ، وفِتَنٍ وغَرقٍ، وغَلاءٍ وَوَبَاءٍ، وَغيرِ ذَلك من آياتِ الله الكُبرى وعُقُوبَاتِه العُظمَى، يُخوف بِها عِباده (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر:16].
وعقوباتٌ لأُممٍ عَصت وظنت أَنَّها بِمنجَاةٍ حتى فَاجَأها العِقَابُ على حينِ غَفْلَةٍ، مع غيابِ دَورِ المصلحينَ عما يحصل، عقوباتٌ إذا جاءت فهي تُغني عن وَعظِ الواعظين وتَذكيرِ النَّاصحين؛ لأنها رَسولٌ من ربِّ العالمين، تُحذِرُ النَّاسَ مِن غضبِه، وتُنذِرُهُم سَخَطَهُ، لكنها تأتي بعد فوات الأوان، نسأل الله السلامة والعافية!.
عقوباتٌ تدعو المؤمن لوقفةٍ طويلةٍ يُحاسِبُ فيها نفسه، ويُراجِعُ فيها أَعمَالَهُ، وقيامه بالإصلاح، وليسَ بَيننا وبين الله نسبٌ لتكونَ هذهِ العُقوبات لِمن حَولنا ونَسلَم نَحنُ مِنها ما لم نحرص على تطبيق شرعِ اللهِ، وتركِ المعاصي، واجتناب الظلم، فالعقوباتُ ليست تقعُ سُدىً، أو أَنَّها ظَواهِر طبيعية عَادية كما يقول المَخْدُوعُونَ ممَّن لُبِّسَ عَليهم بِظَاهِرٍ من العلومِ وهُم عَن الآخرةِ غَافِلون! أَلم يَسمعُوا: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:97-99].
أولم يسمعوا: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ* وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [الملك:16-18].
فلمن غرّتهم فتنةُ الحياة الدنيا واطمأنّوا لها، وجاهروا بالمعاصي، وأعلنوا بها، نقول: اتقوا الله! اتقوا الله وأسلموا له! ولا تنصبوا العداءَ والحربَ بينكم وبين الله -عز وجل- بتصرفاتكم، فَاللهُ عزيزٌ ذو انتقام، قَويٌّ عَزيزٌ، فَعّالٌ لما يُريد، شديدُ المِحال، لا يُعجزِهُ شَيءٌ في الأَرضِ ولا في السَماءِ، وَهُوَ السَميعُ العليم، (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:50-55].
كم ضرب الله من مَثلٍ في القرآن لعقوباتِ إلهية لشعوبٍ وأممٍ جانبت شرع الله وحاربته وجاهرت بالمعصية! (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
كانت أرضاً تَنعمُ بأمنٍ واستقرارٍ، ورغدٍ من العيشِ، يأَتيها رِزقُهَا من كل مكان، النِعمُ وافرة، لا يَعرفون الجوعَ والخوفَ، فَهُم في لَذَاتِهم وسَعَادتهم؛ لكنَّهم ظَنّوا أَنَّ ذلكَ بِسَبَبِ ذَكَائِهم وما حَبَا الله أرضهم من النِّعم، فَتَجَرَّؤوا عَلى اِنتهاكِ مَحَارِم اللهِ وتَجاوزِ حُدوده -سبحانه-، مغترِّين بِإِمهالِ الله لهم، وَصبرهِ عَلى اِنحرافِهم وظُلمِهِم وَبغيهم، فبدلاً من شكرِ ربهم واعترافهم بِإِحسَانِهِ إِليهم وَتَفضُّلِه عَليهم، والتزامِ حُدُودِهُ، ومعَرِفَةِ حُقُوقِهِ، إِذَا بِهم يَتَنَكَرُونَ لِلمُنعمِ العظيمِ، يتجرّؤون في سَفَهٍ وغُرُورٍ على الله، مع سكوت للناصحين المصلحين، (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
فَرَغدُ العَيشِ، وَسَعة الرزقِ، يتحولُ في طَرفَةِ عَينٍ، وَلمحةِ بَصَرٍ، جُوعاً يَذهبُ بِالعُقُولِ، وَتَتَصَدَعُ لَهُ القُلوبُ وَالأَكبَادُ، وإذا الأمنُ ينقلب رعباً وهلعاً، وإذا الصحة وباء!.
والقرآنُ حين يعرضُ مآلَ تلك القرى الظالم أهلها، فهو يُخاطبنا نحن وغيرنا، يُحذّرنا أن نقع فيما وقعوا فيه، وما سوريا والعراق عنا ببعيد! كيف كانوا وكيف أصبحوا؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
أيها المسلمون: إنَّ عقوباتِ الله ليست مبالغةً أو خيالا، ودوام الحال من المُحال، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].
ومن نشأ منذ نُعومةِ أظفارهِ في نعيمٍ وترف وأمنٍ من الله وأمان، قد يغرّه غناه وقوته وشبابه، فلن يُصدّق أن أرضنا هنا بنجد اصطلت بنار الجوع والخوف دهراً طويلاً، لن يصدق سنة الجوع عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة، أكلوا الجيف، بل جُمعت لهم التبرعات من الصومال! هربوا من الجوعِ للعراقِ والهندِ وغيرها ممن يأتي أهلها اليوم عندنا للعمل!.
هل يعرفون ما حدث في عام سبعة وثلاثين وسبعمائة وألف، سنة الرحمة، نهاية الحرب العالمية الأولى، حين انتشر الوباء، وكثر الموت، فكانت تُجهّز الجنائز وتُوضع على الأبواب لعل أحداً يرحمُ فيأخذها ليُصلّي عليها من كثرتها!.
سلوا العراق والشام، حاضرة الإسلام، ومنبع الأنهار والمزارع والغذاء والفاكهة، عن جوعٍ وخوفٍ يمر بأهلها الآن، حتى رأينا من يأكلُ الحيوان! الأطفال يموتون بالتجمد، وعظامُ الجلد بارزة من الجوع، وغيرها من بلاد كلها تحكي مآسي انقلبت في يومٍ وليلة!.
أيها المسلمون: من أَسبابِ عقوبات الدنيا المعاصي المُهلكة، والمجاهرة بها، منها إِقصاءُ الشريعة وتحريفُها على ما يريدون، (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85].
ومن أَسبابِ عُقُوبَاتِ الدنيا قبل الآخرة الجرأة على الله وعلى أحكامه الشرعية، وإِشَاعَةُ الفَاحِشة بإظهارها وإعلانها بالقنوات: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19]؛ شذوذٌ جنسيٌّ، وتطاولٌ على دين الله، وإلحادٌ يُجاهر به أصحابه، ومن لم يعرف عنه فهو بعافية، لكنه موجود، وتشتكي منه الجهات الرسميّة! قنواتٌ تعرض ما ساء من الأخلاق لا تبالي بدينٍ وقيمٍ، وإنما تريد منا ببرامجها تقليدَ ضالّين ومغضوب عليهم حذو القذة بالقذة، المرأة أشغلتهم بسترها ومحافظتها حتى أخرجوها سافرةً متبرجّةً، حتى الزكاة، حقّ الله في المال، بعضهم يبخلُ بها، أصبح البعض على حساب دينه وقيمِه ووطنه يوالي الذين كفروا ويُحبُّهم ويقدِّم رأيهم نفاقاً وخيانةً للدين والأوطان! (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138-139].
ألا نعتبر بما حدث في الأندلس التي تفرَّقت شذر مذر حتى سقطت بعد ثمانية قرون من العز والمنعة ووفرة المال ورغد العيش، فبدأ ولاتها وسفهاؤها بموالاة طوائف النصارى ومجاملتهم، فنفضوا البِسَاطَ مِن تحت أَقدامهم، وألقوا بهم في مزبلةِ التاريخ، وأَصبحت الأندلس بحضارتها حسرةً في النفوس؟! أليس تركُ الأَمرِ بِالمعروفِ والنَهي عن المنكر وإضعافهُ سببا للعقوبات وتطاولِ أهل الرذيلة والشر فتخرب البِلادُ والعبادُ وينتشر الفساد؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لـتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" رواه الترمذي.
اِنتشارُ الظُلم في المجتمعات، غِيَابُ العَدلِ فيهِا، وتسلُّط صَاحِبِ الجاهِ وَالمكَانَةِ عَلى المسكين، سببٌ للعقوبة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ النَّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
فُشُوُّ الربا وانتِشَارُهِ بحيله وطرائقه عقوبة للمجتمعات، وحربٌ مع الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278]. والربا سببُ ذهابِ بَرَكةِ المال وضعف الاقتصاد، (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276].
ظُهُورُ المعَازِفِ وَالخمُورُ والمخدرات، وانتشارُ الغِنَاءِ وحفلاته وكلامه البذيء، ونشره بَينَ النَّاسِ بالمسابقات والحفلات التي تُحييه وتصنعُ أجيالاً تافهةً من المُغنين سبب للعقوبة المهلكة.
أيها الإخوة: ليس الغريبُ أن يقعَ المنكر ويُجاهَر به، فهذا طبعُ الذين يريدون نشرَ الشهواتِ وإشاعةَ المنكرات لتكون واقعاً ومنهجاً يريدون منا تقبّله، (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء:27]، ليس غريبا أن يقعَ الانسانُ في الخطأ؛ "كلّكم خطّاؤون وخيرُ الخطّائين التوّابون"، لكن المصيبة المجاهرة بالمنكر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين" أخرجه البخاري.
إن الغرابةَ حدوثُ المنكر والمجاهرة به ثم لا تجد من يمنعهم أو من يأخذ على أيديهم إلى الحق ويحاول هدايتهم وإصلاحهم! (فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود:116].
التاريخ لايُحابي ولا يُجامل، فهو سيتحدث عن أمة أبطالها وجنودها مرابطون على الحدود للدفاع عنهم، نسأل الله أن ينصرهم، ويتهدّدُها أعداءٌ بالخارج، وبلدانٌ حولهم خائفة جائعة، بينما بعضُهم في غفلة سادرون! أبناؤهم وبناتهم مختلطون، عن الخطر حولهم غافلون، وباسم الترفيه يضحكون ويرقصون، وكأنهم بالدنيا وبهجتها دائمون! أغنياؤهم بجهلٍ يُسرفون، وبصور التبذير ومقاطعه يهايطون، بذخٌ في الزينات والحفلات، وكذلك قطع رحم القربات! أليس ذلك سبب للعقوبات؟ نسأل الله السلامة والعافية!.
إنها دعوةٌ للعقلاء من حكَّامٍ ومحكومين، وأناسٍ مؤمنين: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) [غافر:29].
جاءتهم العقوبة ?إذا نعمهم مسلوبة، وإذا الأمن خوف، واغترارٌ بحال الكفار، (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران:196-197].
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعله السفهاء منا، ولا تسلّط علينا الظلمة والطغاة، واكفنا شر العقوبات، وعُمَّنا بالخير والأمن والأعمال الصالحات. أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
إن التذكير بالعقوبات ليس يأساً من روح الله، أو تشاؤماً، وإنما حذراً منها؛ فالأمةُ فيها خيرٌ كثير -بحمد الله- ينبغي ذكره وتشجيعه وإظهاره ليعمَّ الخير، ويقصر الشر. فكم حاول أناسٌ محاربة الإسلام ودينه وتعاليمه فباؤوا بالخسران، وهو -ولله الحمد- في ازدياد ومنعة وحسن إقبال، المسلمون في أقاصي الدنيا يأتون لبلاد الحرمين وكعبة الله الشريفة مما يزيدُ هذا الدين منعة أمام المفسدين.
فلنحافظ على تميز بلاد الحرمين، والقرآن والسنة خير حافظ، والهداية تعم أرجاء الأرض، وعملُ الخيرِ والبذل له مبذولٌ، فقراءُ المسلمين رغم عوزهم رغم خوفهم متمسكون بدينهم، متعاطفون معه، يحاربهم الطغاة، ونداؤهم: (يا ألله ما لنا غيرك يا ألله)، شبابٌ يخدمون دينهم وأوطانهم ويضحُّون بالغالي والنفيس للمحافظة على قيم وتعاليم دينهم ووحدة كلمتهم وأوطانهم، بدلاً من السعي للفرقة والتحزب والتخريب والتطرف الذي يمارسه من لا يدرك معنى جمع الكلمة.
إن النجاة -إخوتي- بسماع صوت المصلحين الناصحين بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعمهم، لا بمحاربتهم وتشويههم.
ثم ملجؤنا الأول والأخير بالدعاء، لاسيما وقت النعمة، اللجوءُ إلى الله، والتضرع إليه، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62].
هذا ديننا، وتلك نجاتنا، وعلى الله التكلان! (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
اللهم يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، نسألك يا الله أن تجمع كلمتنا على الحق والدين، وأن تنجينا من غضبك وعقوبتك وعذابك إن عذابك الجدّ بالكفار مُلحق.
اللهم جنبنا الغلاء والبلاء والوباء والظلم والفرقة وشماتة الأعداء، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم