اللهُ أكبر مما نخاف ونحذر

عبداللطيف بن عبدالله التويجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية التحصين بالأدعية والأذكار الشرعية 2/من مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر 3/من معاني كلمة "الله أكبر" 4/من أسباب الشفاء 5/أهمية التوكل على الله.

اقتباس

قليلًا ما نتذكر أن اللهَ -تعالى- هو الحافظ، وهو الشافي، وهو المُحيي، وهو المميت، وهو على كل شيء قدير, قليلًا ما نتذكر أننا نعيش في كونٍ خلَقه اللهُ -عز وجل-, ولا يجري فيه شيءٌ إلا بإرادتِه وقدرتِه ومشيئته، ولا يمكنُ لأي بشرٍ مهما بلغت قوتُه، ولا حضارةٍ مهما بلغت عظمتُها؛ أن تُنازعَ الله -تعالى- في هذا الكون...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله الذي خلق فسوى، وقدَّر فهدى، أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، أَمَاتَ وَأَحْيَا، وأضحك وأبكى، السماءَ بناها، والأرضَ دحاها، والجبالَ أرساها، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الكبرياءُ في السماوات والأرض, وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

 

أيها الإخوةُ في الله: هناك في إحدى القرى الصغيرة، لا تزال ذاكرةُ الأجداد تسجلُ نبأ شيخٍ عابد زاهد، عرفه الناسُ بعبادتِه وصلاحه، وعفافِه وزهده, ورد إليهم مرَّة نبأ انتشار الحُمى المهلكة في البُلدان، وهلع الناس وخافوا وجزعوا، كان هذا الشيخُ يخرجُ مساءً وصباحًا متضرعًا إلى الله, يُكبِّر ويذكرُ الله -تعالى-، ويُحصِّنُ أهلَ قريته بالأدعية النبويةِ والأذكار الشرعية, فاجتاح الوباءُ أكثر البلدان -كما يقول المؤرخون-, ولم يُصبْ أهل قريته بسوء!؛ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل: 62].

 

نعم, قليلًا ما نتذكر عند الشدائد أن اللهَ أكبر من كل شيء، أكبر من الشدائدِ كلِّها بجنودِها وألوانِها وأنواعها.

 

وَإِذَا الشَّدَائِدُ أَقْبَلَتْ بِجُنُودِهَـــــا *** وَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِ المَسَرَّةِ أَوْجَعَــــــكْ

ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ فَفَوْقَهَـا *** رَبٌّ إِذَا نَـــادَيْــــــتَهُ مَـا ضَــــــــــــــيَّعَــــكْ

 

قليلًا ما نتذكر أن اللهَ -تعالى- هو الحافظ، وهو الشافي، وهو المُحيي، وهو المميت، وهو على كل شيء قدير.

 

قليلًا ما نتذكر أننا نعيش في كونٍ خلَقه اللهُ -عز وجل-, ولا يجري فيه شيءٌ إلا بإرادتِه وقدرتِه ومشيئته، ولا يمكنُ لأي بشرٍ مهما بلغت قوتُه، ولا حضارةٍ مهما بلغت عظمتُها؛ أن تُنازعَ الله -تعالى- في هذا الكون، في ألوهيتِه وربوبيته وكبريائه.

 

قليلًا ما نتذكر أن كلمةَ "الله أكبر" مِنْ أعظمِ الكلمات التي نرددُها في صلاتنا، ومآذنِنا وأورادنا، ويومنا وليلتِنا, فعلًا هي عظيمةٌ لو تفكرنا، عجيبةٌ لو تأملنا؛ جاء في صحيح الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟", قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ!, قَال: "عَجِبْتُ لَهَا؛ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ".

 

اللهُ أكبر, فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ!, اللهُ أكبر, يُرفعُ بها النداء!, اللهُ أكبر, يسمعُ بها الذكر والدعاء!, فاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 110- 111].

 

أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى, حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

 

عبادَ الله: إذا كانت الشريعةُ جاءت بالتدابير الوقائية قبل وقوع الأسقام، فإنها كذلك أتت بالتدابير العلاجيةِ بعد وقوعها, فشرع اللهُ -تعالى- التداوي؛ كما جاء في حديث جابر عند مسلم عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ, فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ؛ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".

 

وإنَّ أعظمَ أسبابِ شفاء القلوب والأبدان كتابُ ربِّنا -سبحانه وتعالى-، قال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء: 82].

 

ولقد صدق الإمامُ ابن القيم حين قال: "وكيف تقاومُ الأدواء كلامَ رب الأرض والسماء؟! الذي لو نَزلَ على الجبال لصدَّعها، أو على الأرض لقطَّعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان؛ إلا وفي القرآنِ سبيل الدلالة على دوائه وسببه".

 

وكذلك المحافظةُ على الأوراد الشرعية، والأدعيةِ النبوية؛ كهذا الدعاءِ الجامع الذي رواه أبو داود وغيرُه بإسناد صحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيئ الأسقام".

 

فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم، وتوكلوا على العزيز الرحيم، وأبشروا وأملوا, فمهما نزَل بعبدٍ من شدة؛ يجعَلُ اللهُ بعدها فرجًا، وإنه لن يَغْلِبَ عسرٌ يُسْرَين.

 

واعلموا أن الله -تعالى- يُحبُّ من عباده التوبةَ والإنابة؛ فتوبوا إليه وأنيبوا إليه، وأسلموا أمركم له -سبحانه وتعالى-، وحصِّنوا أنفسكم وأهليكم وأولادكم بالأذكار الشرعية والأوراد النبوية، ورددوا بثبات ويقين: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة: 51].

 

اللهم إنا نسألك يقينَ المتوكلين عليك، وتوكلَ الموقنين بك، وإخباتَ المنيبين إليك، وإنابةَ المخبتين لك.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة, وعن سائر بلاد المسلمين.

 

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من شرِّ الأوبة والأمراض والأضرار، ومن شرِّ ما ينزل من السماء، وشرِّ ما يعرج فيها، ومن شرِّ ما ذرأ في الأرض، وشرِّ ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار؛ إنك على كل شيء قدير.

 

 

 

المرفقات

اللهُ أكبر مما نخاف ونحذر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات