القلم

ناصر بن محمد الأحمد

2010-03-04 - 1431/03/18
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ معنى القلم 2/ أنواع القلم

اقتباس

مهمة هذا القلم كشف عوراهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، على تعدد ألوانها وأشكالها، وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به..

 

 

 

 

 

أما بعد: 

قال الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:1-5]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من أشراط الساعة ظهور القلم".

القلم أداة الكتابة، بها يعبر الشخص عما في نفسه، وعن طريقها يُكتب العلم ويُنشر، ويقال للشخص صاحب الكتابات الرصينة النافعة،: "فلان صاحب قلم"، ويقال لعكسه: "ألا فليكسر القلم".

أيها المسلمون: والأقلام عديدةٌ ومتنوعة، وأيضاً متفاوتة في الرتب:

فالقلم الأول: وهذه أعلاها وأجلّها قدراً ألا وهو قلم القدر الذي كتب الله به مقادير الخلائق، كما في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يارب وما أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيئ حتى تقوم الساعة".

فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها، وقد قال غير واحد من السلف: "أنه القلم الذي أقسم الله به في قوله جل شأنه: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1]

عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْعَمَلُ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ؟ قَالَ: "بَلْ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" رواه ابن ماجة.

وعنده –أيضاً- قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُول: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ نُورِهِ مَا شَاءَ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ النُّورُ مَنْ شَاءَ، أَنْ يُصِيبَهُ وَأَخْطَأَ مَنْ شَاءَ فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَ يَوْمَئِذٍ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ: "جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ".

 

القلم الثاني: قلم الوحي، وهو الذي يُكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله. وأصحاب هذا القلم هم الحكّام على العالم، والعالم خدم لهم، وإليهم الحل والعقد، والأقلام كلها خدم لأقلامهم، وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها العالم العلوي والسفلي.

 

القلم الثالث: قلم التكليف، وهو القلم الموضوع على العبد عند بلوغه، وهذا القلم بأيدي الكرام الكاتبين، وهم الملائكة الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، ويرفع هذا القلم كما نعلم عن ثلاث،: "عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق".

وبالمناسبة؛ فلهذا الحديث قصة يحسن أن تذكر في هذا المقام، رواها الإمام أحمد في مسنده،: "وهو أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَذَهَبُوا بِهَا لِيَرْجُمُوهَا فَلَقِيَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: "مَا هَذِهِ قَالُوا: زَنَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَانْتَزَعَهَا عَلِيٌّ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَرَدَّهُمْ.

 

فَرَجَعُوا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: "مَا رَدَّكُمْ قَالُوا: رَدَّنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا عَلِيٌّ إِلَّا لِشَيْءٍ قَدْ عَلِمَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ فَجَاءَ وَهُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: مَا لَكَ رَدَدْتَ هَؤُلَاءِ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ" قَالَ بَلَى: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "فَإِنَّ هَذِهِ مُبْتَلَاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَلَعَلَّهُ أَتَاهَا وَهُوَ بِهَا فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: وَأَنَا لَا أَدْرِي فَلَمْ يَرْجُمْهَا". رواه أحمد.

قال شيخ الإسلام: "والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلا بقتله قتل، بل البهيمة إذا صالت ولم يندفع صيالها إلا بقتلها قتلت، وإن كانت مملوكة لم يكن على قاتلها ضمان للمالك عند جمهور العلماء".

وحديث رفع القلم عن ثلاثة إنما يدل على رفع الإثم، ولا يدل على منع الحد إلا بمقدمة أخرى، وهي أن يقال: "من لا قلم عليه لا حد عليه"، وهذه المقدمة فيها خفاء فإن من لا قلم عليه قد يعاقب أحياناً ولا يعاقب أحياناً، والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي، ولو استكره المجنون امرأة على نفسها ولم يندفع إلا بقتله فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم". انتهى.

وهناك رفع مؤقت لهذا القلم رحمة من الله للعبد المذنب أن يرجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحب الشمال -يعني الملك الذي عن شمال العبد المختص بكتابة السيئات- ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسئ، فإن ندم واستغفر منها ألقاها، وإلا كتب واحدة".

القلم الرابع: قلم التوقيع عن الله ورسوله، وهو قلم الفقهاء والمفتين، وهذا القلم أيضاً حاكم غير محكوم عليه، فإليه التحاكم في الدماء والأموال والفروج والحقوق، وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده.

وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام، وأقلام العالم خدم لهذا القلم. إن هذا القلم ينبغي له أن لايحابي أحداً، وأن لا يداهن، لأنه قلم التوقيع عن رب العالمين، وعن سيد الأولين والآخرين، فهو القلم الذي عن طريقه يعرف الناس الحلال من الحرام، وما يجب عليهم وما لا يجب.

ولو قيّد حرية هذا القلم وأحيط بضغوط وقع الظلم والفوضى الذي لا أول له ولا آخر، وما عرف الناس مراد الله ورسوله في هذه القضية أوتلك المسألة.

فيا من حملكم الله مسئولية وأمانة هذا القلم، وهو التوقيع عنه: اتقوا الله تعالى فإنه قلم لايُأخذ إلاّ بحقه، وحقُه ألاّ يخشى صاحبه في الله لومة لائم، وإلاّ فليدع القلم. قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72].

 

القلم الخامس: قلم التوقيع عن الملوك ونوابهم، وأصحاب هذه الأقلام لهم مكانة لأنهم المشاركون للملوك في تدبير الدول، فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة، وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة، وأقلامهم هي الواسطة بين الملوك ورعاياهم.

 

أصحاب هذه الأقلام هم وزراء السلطان ونوابه، عن أقلامهم تصدر قرارات الدول، وعن طريقهم تنفذ أو تلغى، ولا يقل أهمية ومسؤلية أصحاب هذه الأقلام عن سابقهم، فأولئك يوقعون عن الله في أمور الشرع، وهؤلاء يوقعون عن السلطان في سياسة الدنيا بحسب ما أمر به الشرع، فهو قلم عظيم، ولا يعطى إلا صاحب دين متين وفقه بأحكام الشرع ليس باليسير. (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55].

 

القلم السادس: قلم الحساب، وهو القلم الذي تضبط به أموال الميزانيات، مستخرجها ومصاريفها ومقاديرها، وما دخل ومن أين؟ وما خرج وإلى أين؟ وهذا القلم مبناه على الصدق والعدل والأمانة، فإذا كذب هذا القلم وظلم، وأخفى ودلّس، فسد أمر الناس، وضاعت الحقوق، ولذا لايعطى هذا القلم إلا لضابط للحساب، ومستعدٌ ليوم الحساب.

القلم السابع: قلم الشهادة، وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق، وتصان عن الإضاعة، وتحول بين الفاجر وإنكاره، هذا القلم، يُصدّق الصادق، ويُكذّب الكاذب، ويشهد للمحق بحقه، وعلى المبطل بباطله، وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والأنساب والحقوق، ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد، وباستقامته يستقيم أمر العالم، ومبناه على العلم وعدم الكتمان. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّور".

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه" رواهما البخاري.

القلم الثامن: وهو قلم التعبير، وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أُريد منه، وهو قلم شريف جليل، مترجم للوحي المنامي، كاشف له، وهو من الأقلام التي تصلح للدين والدنيا، وهو يعتمد على طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته، وتحريه للصدق، والطرائق الحميدة، والمناهج السديدة، مع علم راسخ، وصفاء باطن، وحس مؤيد بالنور الإلهي، ومعرفةً بأحوال الخلق وهيآتهم وسيرهم، وهو من ألطف الأقلام، وأعمها جولاناً، وأوسعها تصرفاً، وأشدها تشبثاً بسائر الموجودات، فتصرف هذا القلم في المنام، هو محل ولايته، وكرسي مملكته وسلطانه.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة". رواه البخاري.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يعبّر الرؤى لأصحابه، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْم" رواه البخاري.

وعنده –أيضاً- قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ".

 

فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا: الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ: مُسَيْلِمَةُ". وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ". رواه البخاري.

وهناك باب كامل في صحيح البخاري عن الرؤى وتعبير النبي صلى الله عليه وسلم لها يمكن من أرادها أن يرجع إليها.

القلم التاسع: قلم التاريخ، يكتب تاريخ العالم ووقائعها، ميلادها ووفاتها، وهو القلم الذي تضبط به الحوادث، وينتقل من أمة إلى أمة، ومن قرنٍ إلى قرن، لايدع شيئاً من تاريخ الدول إلا سجلها، ولا حدثاً إلا حفظها، فلا يمكن أن ينافق، ولا أن يُخفي، وما فاته قلم مؤرخ، سطره قلم آخر.

إنه القلم الذي يحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال، وينقشه في النفس حتى كأن القارئ للتاريخ يرى ذلك ويشهده، إن هذا القلم قلم العجائب، لأنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك، وتشاهده ببصيرتك، والسعيد من وعظ بغيره.

يا جامعي حطب التاريخ في قلم لا تحرقون سوى الأيدي بلا حذر

هلا وعيتم دروس الأمس دامية هلا استجبتم لضم القـوس للوتـر

فالقلب إن يعرف الإيمان نبضته كان الجناحان ملئ السمع والبصر

 

القلم العاشر: قلم اللغة، وهذا القلم يشرح معاني ألفاظ اللغة وتصريفها، وأسرار تراكيبها، وما يتبع ذلك من أحوالها ووجوهها، وأنواع دلالاتها، وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ، وأعذبها وأسهلها وأوضحها، وهذا القلم واسع جداً بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها، وبحسب صاحب القلم مما أعطاه الله من ملكة واستحضار.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه..
 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

أما بعد:

القلم الحادي عشر: وكم نحن بحاجة إلى هذا القلم، إنه قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، من الفسقة والشهوانيين، وأصحاب التوجهات التحررية من الحداثيين والعلمانيين.

مهمة هذا القلم كشف عوراهم على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، على تعدد ألوانها وأشكالها، وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، إنه قلم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

إنه قلم المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف، فهم في شأن، وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن آخر، ولكل وجهة هو موليها.

إن عدد هذا القلم ما يزال في الأمة قليل، والقليل حبره ضعيف، ولا يزال الواقع يحتاج إلى أعداد من هذه الأقلام، فبعضه يكتب في توضيح دين الله بأسلوب سهل ميسر للعامة، وبعضه يكتب في الرد على المخالفين، والبعض يقوم بفضح مؤامرات المجرمين، ولا بد من تخصيص بعض الأقلام للكتابة في شئون المرأة، وأخرى يكون مناسباً للصغار والناشئة وغيره يخصص لمخاطبة غير المسلمين وغير العرب، بلغات العالم. نسأل الله تعالى أن يعجل بفرج أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

القلم الثاني عشر: وهي الأقلام الموبوءة، التي تكتب بلغتنا، وتنطق بلساننا وتحارب ديننا، أقلام أصحاب القلوب المريضة، والضمائر المستأجرة، والأفكار العفنة، أقلام تعلمت في مدارس الشرق والغرب، شربت ماء فكره، وتغذت بعفن طعامه.

وهي الآن تحاول أن تصوغ عقائد وسلوكيات وأخلاق الأرض المباركة على نحو ما عُلّمت ووُجهت، هذه الأقلام صُنعت بأيد ملتوية، ونوايا سيئة، وأفكار منحرفة، وهي تحاول أن تلبس لباس الدين، لكي تضفي على نفسها الصبغة الشرعية، ويقبلها أبناء المسلمين، لأنها تكتب في أرضه، وتستعمل حبره وورقه، ويخرج نتاجها في صحيفته ومجلته.

والذي لايمكنه أن يسطر بقلمه ما يريد مباشرة، فإنه يلتحق بالأقلام المهاجرة، ويخرج إفرازات سمه وخبثه في أحضان أسياده في الغرب، ثم يصدر ذلك بشكل مقالات أو أطروحات، تدخل من أبواب خفية، وتنشر على مرأى ومسمع، وفي وضح النهار، تدعو لتحرير المرأة، وتنادي بقيادتها للسيارة، وتحثها على أن تعمل في كل مجال، وأن تزاحم الرجال.

وتطرح هذه الأقلام أيضاً أطروحات غريبةً على مجتمعنا، تحاول أن تقنع الناس بأن ما كنتم عليه طيلة السنوات الماضية فإنه التخلف، وأن التحضر هو أن نقبل كل ما تلقي به رياح الغرب وأمواج الشرق.

 

ويركز أصحاب هذه الأقلام -أيضاً- على قضية الجهاد، محاولين تمييعه، ويصفون كل جهاد يقام في الأرض ضد أعداء الله أنه إرهاب، وقد تجرأت هذه الأقلام أحياناً فصارت تكتب كتابات تمس العقيدة، وتسخر بشئ من الدين، ويشم منها رائحة الكفر أحياناً.

 

إن هذه الأقلام إن لم يؤخذ على يدها وتوقف، فإن شرها عظيم، لأنه سينشأ جيل جديد تربى على قراءة هذه التوافه، فإذا صاحب ذلك ضعف علمي ديني كما هو الحال الآن عند أغلب ناشئة اليوم، فماذا تتوقع منه أن يقدمه لأمته.

وقد أدرك أعداء الملة وخصوم الشريعة وعرفوا كيف يقوضون أركان القوة، من غير استخدام السلاح، ومن غير إثارة القلاقل، لكن غير طريق القلم، تسخر أقلام وتستأجر أخرى ويحدد لها الهدف ثم تدعم، وتبدأ تنخر في جسم الأمة، ويكون مفعولها أقوى من رمي القنابل، وضرب المدافع، لأن الجميع مخدّر، ولا يشعر أنه مستهدف.

 

لذا ينبغي التكاتف جميعاً في إيقاف هذه الأقلام أو على الأقل التقليل من شرها، وذلك بفضح أصحابها، وتسخير قلم الدعوة في الاجتهاد في طرح البدائل الصافية، ومقاطعة المجلات التي تنشر سموم أصحاب هذه الأقلام، ومناصحة بعضنا بعضاً ليلاً ونهارا، سراً وجهارا، والتشديد على الناشئة وعدم السماح لهم بقراءة كل ما وقع تحت أيديهم، وهذه مسؤلية أولياء الأمور أن يشددوا في ما يدخل البيت وما يرد إليه، خصوصاً الجرائد والمجلات التي تصدرمن الخارج، فهذه أخبث من أختها.

 

نسأل الله السلامة والعافية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ" رواه ابن ماجة وسنده صحيح.

اللهم رحمة اهد بها قلوبنا، واجمع...
 

 

 

 

 

المرفقات

1079

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات