الفوز العظيم

مركز حصين للدراسات والبحوث

2023-10-20 - 1445/04/05 2023-10-30 - 1445/04/15
عناصر الخطبة
1/ مقصد الجهاد الأعظم2/ معيار الفوز في الجهاد بين أهل الإيمان وأهل الدنيا 3/ فضل الشهادة في سبيل الله 4/ هل يتألم الشهيد عند القتل؟

اقتباس

إِنَّ لِأَهْلِ الإِيمَانِ فِي جِهَادِهِمْ مَعَايِيرَ لِلْفَوْزِ وَالرِّبْحِ لَيْسَت كَمَعَايِيرِ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَمَرجِعُ المُؤْمِنِينَ فِي تَحْدِيدِ الرِّبْحِ وَالفَوْزِ إِلى إِيمَانِهِمْ بِاللهِ -جَلَّ جَلَالُه-، وَابْتِغَائِهِمْ ثَوَابَهُ وَفَضْلَه...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَعَ لِلْمُؤْمِنِينَ الجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ إِعْلَاءً لِكَلِمَتِه، وَأَكْرَمَ الشُّهَدَاءَ بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي جِوَارِهِ وَدَارِ كَرَامَتِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِه، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ القَائِد، الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ نُصْرَةً لَهُ وَإِظْهَارًا لِمِلَّتِه، وَرَضِيَ اللهُ عَنِ الصَّحَابَةِ السَّابِقِينَ إِلَى مَرْضَاتِه.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ -عبَادَ الله-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

 

عِبَادَ الله: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَات، فَهُوَ التِّجَارَةُ الرَّابِحَة، وَالصَّفْقَةُ النَّاجِحَة، أَفْضَلُ الأَعْمَالِ بَعْدَ الإِيمَان، وَذُرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلَام، شَرَعَهُ اللهُ لِيَكُونَ سَبِيلًا لِلدَّعْوَةِ إِلَى الله، وَطَرِيقًا لِإِعْلَاءِ الدِّينِ وَرَفْعِ كَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؛ فَعَلَى أَبْوَابِهِ تَتَحَقَّقُ العِزَّةُ وَالنَّصْر، وَتَتَبَدَّدُ بِفُتُوحِهِ ظُلُمَاتُ الشِّرْكِ وَالكُفْر، فَضَّلَ اللهُ أَهْلَهُ وَرَفَعَهُمْ دَرَجَات، وَأَعَدَّ لَهُمُ النَّعِيمَ المُقِيمَ فِي أَعَالِي الجَنَّات، قَالَ تَعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ).

 

إِخْوةَ الإِسْلَام: إِنَّ لِأَهْلِ الإِيمَانِ فِي جِهَادِهِمْ مَعَايِيرَ لِلْفَوْزِ وَالرِّبْحِ لَيْسَت كَمَعَايِيرِ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَمَرجِعُ المُؤْمِنِينَ فِي تَحْدِيدِ الرِّبْحِ وَالفَوْزِ إِلى إِيمَانِهِمْ بِاللهِ -جَلَّ جَلَالُه-، وَابْتِغَائِهِمْ ثَوَابَهُ وَفَضْلَه.

 

أَمّا أَهْلُ الدُّنْيَا فَالفَوْزُ عِنْدَهُمْ مَادِّيٌّ بَحْت، وَالغَايَةُ عِنْدَهُمْ دُنْيَوِيَّةٌ مَحْضَة، فَلَا هُمُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَ الله، وَلَا هُمُ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ فِيمَا عِنْدَه.

 

فَجِهَادُ أَهْلِ الإِيمَانِ أَكْرَمُ الجِهَادِ غَايَةً وَهَدَفًا، وَأَنْبَلُهُ سَبِيلًا وَشَرَفًا، فَهُمْ يُقَاتِلُونَ كَيْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، لَا لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالعُلُوِّ فِيهَا، وَلَا لِنَيْلِ شَهَوَاتِهَا، أَوِ الإِفْسَادِ فِيهَا وَاسْتِرْقَاقِ أَهْلِهَا.

 

أَمَّا القِتَالُ الحَاصِلُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ فَهُوَ لِأَجْلِ السَّطْوَةِ وَالإِفْسَاد، وَالعُلُوِّ فِي الأَرْضِ وَالِاسْتِبْدَاد، هَدَفُهُمْ اسْتِرْقَاقُ النَّاسِ وَالِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِم، وَاغْتِصَابُ أَرْضِهِمْ وَعِرْضِهِم.

 

أَهْلُ الإِيمَانِ يَسْعَوْنَ لِهِدَايَةِ الخَلْقِ حَتَّى فِي قِتَالِهِم، فَفَوْزُهُمْ يَكْمُلُ بِدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ رَبِّهِم، هَا هُوَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْطِي الرَّايَةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَر، ثُمَّ يُوصِيهِ قَائِلًا: “انْفُذْ عَلَى رِسْلِك، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَام، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيه؛ فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ”(أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِم).

 

وَلَمَّا وَقَفَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَمَامَ قَائِدِ الفُرْسِ الَّذِي سَأَلَه: مَا جَاءَ بِكُم؟ قَال: “اللهُ ابْتَعَثَنَا لِنَخْرُجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ الله، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسْلَام، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْه، فَمَنْ قَبِلَ مِنَّا ذَلِكَ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْه، وَتَرَكْنَاهُ وَأَرْضَهُ يَلِيهَا دُونَنَا، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَدًا، حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ الله”. قَال: وَمَا مَوْعُودُ اللهِ؟ قَال: “الجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِي”.

 

أَهْلُ الإِيمَانِ فَائِزُونَ فِي جِهَادِهِمْ أَبَدًا لَا يَخْسَرُون؛ لِأَنَّ مُنْتَهَاهُمْ فِي ذَلِكَ إِحْدَى الـحُسْنَيينِ النَّصْرُ أَوِ الشَهَادَة، قَالَ الله: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).

 

فَلَوْ لَمْ يُدْرِكُوا فَوْزًا بِمَقَايِيسِ البَشَر، لَقَدْ فَازُوا فِي مِعْيَارِ اللهِ بِخَيْرِ نَصْر، حَيْثُ اسْتَجَابُوا للهِ وَحَقَّقُوا مُرَادَه، فَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَه، لَا يَبْغُونَ إِلَّا رِضْوَانَهُ وَالحَيَاةَ فِي جِوَارِهِ بِجَنَّتِه، وَتِلْكَ وَاللهِ التِّجَارَةُ الرَّابِحَة، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ).

 

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: إِنَّ مَنْ آمَنَ وَأَيْقَنَ أَنَّ الشَّهِيدَ حَقًّا لَمْ يَمُت، بَلْ هُوَ حَيٌّ يُرْزَقُ مَسْرُورًا بِفَضْلِ الله، هَانَ عَلَيْهِ المَوْتُ فِي سَبِيلِ الله، بَلْ طَلَبَهُ فِي مَظَانِّهِ وَفَرِحَ وَاسْتَبْشَرَ بِه.

 

وَكَيْفَ لَا يَفْرَح، وَالشُّهَدَاءُ -كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-:”أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْر، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْش، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَت، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ”(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْء، غَيْرُ الشَّهِيد، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِع، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّات، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ”(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

وَأَيُّ كَرَامَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الخِصَالِ الَّتِي جَمَعَهَا اللهُ لِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِهِ؟ يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَال: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَة، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْر، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَر، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَار، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الـحُورِ العِين، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ”(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ).

 

أَخْبِرْنِي بِرَبِّك: مَاذَا جَمَعَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْهَا حَتَّى يُسَاوِيَ قُلَامَةَ ظُفُرٍ مِنْ مِسْكِ الجَنَّةِ؟ أَوَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا سُبْحَانَه: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ

 

أَوَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم-: “لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ”(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ).

 

وَلِأَجْلِ هَذَا الفَضْلِ كَانَ أَصْحَابُ الأَعْذَار، مِمَّنْ عَذَرَهُمُ اللهُ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمُ القِتَال، أَحْرَصَ مَا يَكُونُونَ عَلَى الجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- -مَعَ عُذْرِهِمْ- طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ وَفَوْزًا بِالجَنَّة.

 

فَهَذَا عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ مَعْذُورًا، إِلَّا أَنَّهُ تَاقَتْ نَفْسُهُ لِلْجِهَادِ قَائِلًا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُد: “وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الجَنَّةِ”. فَصَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ اللهُ وَرَزَقَهُ الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِه.

 

وَلَمَّا سَمِعَ عُمَيْرُ بْنُ الحُمَامِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي سَاحَةِ المَعْرَكَةِ يَقُول: “قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْض”، فَأَلْقَى التَّمَرَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِه قَائِلًا: لَئِنْ أَنَا حَيِيْتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَة! ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. (أَخْرَجَهُ مُسْلِم).

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيم، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيم، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوه، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ لله، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاه، وَبَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى.

 

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: إِنَّ الشَّهِيدَ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ قَدْ يَكُونُ مَاتَ مِيتَةً شَنِيعَةً مُؤْلِمَة، إِلَّا أَنَّ الحَقِيقَةَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِالأَلَمِ إِلَّا كَمَا يَشْعُرُ أَحَدُنَا بِأَلَمِ القَرْصَة، هَذَا حَدِيثُ نَبِيّنَا -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي نُؤْمِنُ بِه، فَقَدْ قَال: “مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ”(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ).

 

فَهِنِيئًا لِمَنْ ذَادَ عَنْ دِينِهِ، وَجَاهَدَ أَعداءَ اللهِ رَاجِيًا فَضْلَ ربِّه، فَإِمَّا قُتِلَ في سَبِيلِه، وإِمَّا غَلَبَ بِإذْنِه: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).

 

ثُمّ صَلَّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْه: اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

 

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي فِلَسْطِين، اللهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنًا وَنَصِيرًا، وَمُؤَيِّدًا وَظَهِيرًا، اللهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِك، وَاكْلَأْهُمْ بِعِنَايَتِك، وَتَقَبَّلْ شُهَدَاءَهُم، وَاشْفِ جَرْحَاهُم، وَاجْبُرْ مُصَابَهُم، وَثَبِّتْ قُلُوبَهُم.

 

اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَك، اللهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ مِنْ أَهْلِ الكِتَاب، الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك، وَيُكَذّبُونَ رُسُلَك، وَيُعَادُونَ دِينَك، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ عَذَابَكَ وَرِجْزَكَ إِلَهَ الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِين.

 

اللهُمَّ أَرِنَا فِيهِمْ يَوْمًا أَسْوَد، وَأَذِقْهُمُ الخِزْيَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَة، وَخَالِفْ كَلِمَتَهُم، وَأَبْطِلْ مَكْرَهُم، وَاجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي نَحْرِهِم.

 

اللهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَاب، وَمُجْرِيَ السَّحَاب، وَهَازِمَ الأَحْزَاب، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم.

 

عِبَادَ الله: اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَآخَرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين.

 

المرفقات

الفوز العظيم.doc

الفوز العظيم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات