عناصر الخطبة
1/ من علامة الخيرية الفقه في دين خير البرية 2/ من صور يسر الإسلام في الطهارة والوضوء 3/ حكم المسح على الخفين 4/ لماذا ذُكر المسح على الخفين في كتب العقائد؟! 5/ أحكام المسح على الجوربين والخفين وأحوالهما 6/ مدة المسح ونواقضه 7/ كل ممسوح لا يُكرر 8/ من أسباب زعزعة الأمن وإخلاله 9/ عوامل توقي الفتن 10/ ما ضوابط العلم النافع؟اقتباس
الفتن إذا حلت عمت، وإذا وقعت دمرت، وعلى الإنسان أن يتحصن بالعلم والعمل والاعتصام بالكتاب والسنة، ويتحلى بالأخلاق الجميلة والآداب السامية، وجمع الكلمة ووحدة الأمة، وتقديم المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان حماية وصيانة واجتنابًا.. فاحرص على الاجتماع، وزرع الأمن، والبعد عن مواطن الفتن، وتحصن بالعلم والعمل، وتفقه في أمور دينك، وابنِ عليه أمورك تسعد في دنياك وآخرتك..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل في ديننا تيسيرا وجعله هدى ونورا وتبشيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرار به وتوحيدا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أرسله الله بشيرا وميسرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما مزيدًا.
أما بعد: فاتقوا ربكم ولا تعصوه.
أيها المسلمون، يقول ربنا جل في علاه: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]، وقال عز شأنه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78]، فديننا دين اليسر والسماحة، والتسهيل واللطافة على وفق الشريعة من الكتاب والسنة، فمن تيسيره وتسهيله ورحمته ولطفه بعباده أن يسَّر لهم الخفاف والجوارب حماية عن البرد من الألم والرهائب، ولمنع ولدفع البرد، أو لألم ومرض وجد.
من علامة الخيرية الفقه في دين خير البرية ففي الصحيح: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، ولهذا اسمعوا باختصار مسائل وتذكار، الفتح في مسائل المسح فتح الله علينا وهو خير الفاتحين.
الخفين بالأصل تسمى الجوارب، وهي الشراب والخفين الكنادر، والمسح على الخفين من سماحة الشريعة، ولا خلاف بين الأمة في جوازه، دل عليه القرآن: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)[المائدة: 6] على قراءة الجر، وهي قراءة سبعية، والسنة متواترة بذلك كما في مسلم ".. يمسح المقيم"، وفيهما "ومسح على خفيه".
مما تواترَ حديثُ مَنْ كَذَبْ *** وَمَنْ بَنَى للهِ بيتاً واحْتَسَبْ
ورؤيةٌ شَفَاعَةٌ والْحَوضُ *** وَمْسُحُ خُفَّيْنِ وَهذى بَعْضُ
ولم يخالف في المسح إلا الشيعة والخوارج والرافضة، فالخوارج يرون تحريم المسح على الخفين، والرافضة يرون مشروعية المسح دون الغسل، وهذا مذهب باطل مخالف للكتاب والسنة.
ولهذا ذُكر المسح في كتب العقائد، كما قال الطحاوي في عقيدته: "ونرى المسح على الخفين في الحضر والسفر؛ كما جاء به الأثر"، فذكره لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة والرد على الفرق المبتدعة الضالة.
والرِّجل تجمع فرضين؛ المسح أو الغسل، ولا يجتمع المسح والغسل في آنٍ واحد؛ إما غسلها أو مسحها، فهو العضو الوحيد الذي يجمع فرضين، وليس في المسح بالنفس منه شيء، وقد جُمع رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة؛ رضي الله عن الصحابة البررة.
والخف -أيها المسلمون- ما يُلبس على الرِّجل من جِلد رقيق، والمراد الساتر للكعبين من جلد أو قطن، أو صوف أو خرق، أو نحو ذلك، مما يُستفاد منه تسخين الرجلين، ودفع الضرر والضررين، والأفضل في حق الإنسان هو الموافق لحاله، فإن كان لابسًا الخفين مسح، وإن كانت قدماه مكشوفتين غسلهما، ولا يتكلف ضد حاله.
وأما خلعهما عند كل وضوء فبدعة محدثة، ولا بأس بلبس الخفين والمسح عليها، ولو لغير حاجة، ولو للزينة.
ومدة المسح -أيها المسلمون- للمقيم يوم وليلة أي: أربع وعشرون ساعة، وليست العبرة أن يصلي بها خمس صلوات، فالعبرة باليوم والليلة، فقد يصلي يومًا كاملاً و لا تحتسب له، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها أي: 72 ساعة.
ولا يدخل رجليه إلا بعد طهارة كاملة، ومدة ابتداء المسح عليها من أول مسح، فإذا لبس الخف الفجر، ومسح عليها عند صلاة الظهر، فابتداؤه من المسح عند صلاة الظهر، ولا تبتدئ المدة من لبسهما، أو من الحدث.
ومن تمت مدة مسحه؛ فإن أحدث بعده فلا يجوز له المسح، ولو مسح ناسيا أو عامدًا، أعاد الوضوء والصلاة، ومن تمت مدة مسحه، ولم يُحدِث، فله أن يصلي بالوضوء الأخير ما شاء حتى يُحدِث على الصحيح.
وأما صفة المسح فكيفما مسح أجزأه بيده أو بيديه أو غيرهما، فيمسح من أعلى الخف من أصابعه إلى أول ساقه، ولا يمسح أسفل الخف ولا عقبه ولا جوانبه.
والمسح -عباد الله- مرة واحدة فلا يُقاس على غسل الرجلين كما يفعله بعضهم.
وخذ قاعدة -أيها المستمع اللبيب-: كل ممسوح لا يكرر؛ كالرأس والجبيرة، والخفين والعمامة، وللمرء أن يمسح على الكنادر شريطة ألا يخلعها من قدميه، فإن خلعها فلا يمسح عليها.
هذا، ومن لبس خفًّا، ثم أضاف إليه ثانيًا، فإن كان مسح على الأول، فالحكم للأول، وإن مسح على الثاني، فالحكم للثاني، فالحكم لما مُسح عليه، وإذا لبس خفًّا، ثم أحدث، ثم لبس آخر، فالحكم للأول، ولا يمسح المقيم والمسافر إلا في الحدث الأصغر، أما الأكبر كالجنابة والحيض والاحتلام فيجب خلعها.
ويجوز أن يمسح على الخف المخرَّق والمشقوق، والمرقع والمفتوق، ما دام اسم الخف به عالقًا، وأما النعلان والخفان المقطوعان دون الكعب كنصف النعل من مداس أو كنادر فلا يجوز المسح عليها، ولا يجوز المسح على شفّاف تُرى لون الرِّجل منه.
ويُشترط للمسح: أن يكون طاهرًا فلا يمسح على خف نجس.
وعلى ساتر للعضو، فلا يمسح على ما لا يستر الرِّجل.
وعلى مباح فلا يمسح على مغصوب أو مسروق أو محرم كحرير.
ومن شرطها أن يلبسها على طهارة.
فالشروط المعتبرة أربعة: الطهارة لهما، ولبسهما على طهارة، وأن يمسح عليهما في الحدث الأصغر، وأن يكون المسح في الوقت المحدد، ولا يشترط تمام المدة في المسح، فله أن يخلعهما قبل تمام المدة، ويبطل المسح إذا أحدث بعد تمام المدة، ويبطل إذا وجب عليه الغسل كجنابة واحتلام وحيض، وإذا خلع خفّيه بعد الحدث، فلا يعيدهما إلا بعد طهارة إلا إذا خلعهما قبل المسح.
ويجوز المسح على ما يُلبس في هذا العصر من بوت أو بستار أو كنادر أو جزمات أو لفائف طبية، إذا كانت تغطّي الكعبين، ومن مسح مسافرًا ثم أقام أتم مسح مقيم، ومن مسح مقيمًا ثم سافر أتم مسح مسافر، ولا بأس أن يلبس خفًّا أو خفين أو أكثر.
وإذا شك في ابتداء المدة فلا يدري متى مسح عليهما؛ بنى على اليقين، فإذا شك هل مسح لصلاة الظهر أو العصر يجعل المدة من صلاة العصر؛ لأن الأصل عدم المسح.
والمرأة والرجل سيان في الأحكام.
هذا، ومن أدخل يده ليحك قدمه أو يزيل حجرًا ونحوه، فلا بأس إذا لم يخلعهما، هذا ومما ينبغي التنبيه عليه: تفقُّد الجوارب والخفين من الروائح المتعفنة من طول اللبس، أو من لبس الكنادر عليها، فينبغي ملاحظة هذا والعناية به؛ وذلك أن الرائحة الكريهة تؤذي المصلين، وتضر المسلمين خصوصًا أصحاب الأعمال والأشغال، وإذا كان آكل الثوم والبصل قد نُهي عن قرب المسجد، فما بالك بغيرهما؟!
وأنتم أيها الآباء الفضلاء نبّهوا وعلموا أبناءكم بهذه التنبيهات، فكثير من الأبناء والبنات والزوجات لا يعرف أحكام المسح على الخفين، وما يصح ويبطل المسح على الجوربين، وهذا يترتب عليه الصلاة بالطهارة المأمور بها وصحة الصلاة، فهذه 36 مسألة في المسح على الخفين؛ فكن منها على بينة.
اللهم فقهنا في الدين يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الإيمان موصلاً للجنان، أحمده سبحانه جعل الأمن محط للاطمئنان، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الرحمن، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد عدنان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم قيام الأبدان.
أيها المؤمنون: اتقوا الله حق تقاته، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وكونوا عباد الله إخوانًا.
أيها الناس: من أسباب زعزعة الأمن وإخلاله وفشو الفساد وانتشاره: معصية الله ورسوله (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
والأمن والإيمان قرينان لا ينفكان: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش:4].
ومن أسباب الأمن الإيمان: دعاء الخليل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، ومما يضر بالأمن النزاعات والاختلافات والمظاهرات والشعارات تورد الفساد، وتشتت الشمل وتضر المجتمعات.
ومما يزعزع الأمن التفرق والاختلاف، والاجتماع والائتلاف ونبذ التفرق والاختلاف هو العصمة والسلامة بلا خلاف: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران: 103]، وفي صحيح السنة عن نبي الرحمة "إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
ومن الأسباب المحبوبة للشيطان: التفرق والاختلاف والشنآن، ومما يجمع الكلمة ويوحد الصف: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون المنكِر عالما فقيها رفيقا صابرا حليما، وألا يكون إنكاره يجر منكرا أكبر منه أو يوازيه، فمن شرطه أن ينكر المنكر بلا منكر.
ومما يجمع الكلمة: العدل والإنصاف، ورفع الظلم والإجحاف، ومما يجمع الكلمة البعد عن مواطن الفتن وإثارة المحن، والمؤمن يفتتن بالدنيا ابتلاء وامتحانًا، يفتتن بالسراء والضراء فما عليه إلا الصبر والاحتساب وسؤال العافية ورجاء الثواب، والصبر منهج نبوي وهدي تربوي "اصبروا حتى تلقوني على الحوض".
وعندها يجب على العبد الدعاء والعبادة والذكر والصلاة والإنابة، فعند مسلم: "بادروا بالأعمال فتنًا.." والنهي عنها، والبعد عن مواطنها أمر مطلوب وبالشرع مرغوب، فلما ذكر الدجال قال: "من سمع به فلينأ عنه"، وقال عند حدوثها: "من وجد معاذًا أو ملجأ فليلجأ إليه".
وفي السنة المطهرة: "إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن".
فالفتن إذا حلت عمت، وإذا وقعت دمرت، وعلى الإنسان أن يتحصن بالعلم والعمل والاعتصام بالكتاب والسنة، ويتحلى بالأخلاق الجميلة والآداب السامية، وجمع الكلمة ووحدة الأمة، وتقديم المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان حماية وصيانة واجتنابًا.
الدين مبني على المصالح في جلبها، والدرء للقبائح، وعدم السعي إلى زعزعة الأمن والاختلاف، وإثارة الفتن والاقتراف، ومما ينير الطريق ويسعد الرفيق العلم؛ فالعلم درع متين، وحصن حصين، فلا يحكم العواطف، ولا يؤثر في المواقف إلا العلم الصحيح والمنهج الصريح..
والعلم هو معرفة الحكم بالدليل الصحيح كما قال ابن القيم:
العلم قال الله قال رسوله *** قال صحابته أولى العرفان
العلم معرفة الهدى بدليله *** ما ذاك والتقليـد يستويــانِ
فمن أعظم السبل الوقائية والطرق*** النقائية اعلم هديت أن أفضل المنن
علم يزيل الشك عنك والدرن *** ويكشف الحق لذي القلوب
وخذ علمك من بطون الكتب الموثوقة، ومن علماء أهل السنة وإياك أخذه من منتديات أو مواقع مجهولات أو تغريدات أو شبكات، "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
فخذه من العلماء الموثقين والدعاة الصالحين الصادقين، فمن تأصل تمكن، ومن تعلم تدرع فيصونه علمه عن كل خُلق ذميم وفعل وخيم، ويبني تصرفاته على نور من الله، ويعبد الله على بصيرة لا على أهواء ولا آراء.
وخلاصة الطريق: احرص على الاجتماع، وزرع الأمن، والبعد عن مواطن الفتن، وتحصن بالعلم والعمل، وتفقه في أمور دينك، وابنِ عليه أمورك تسعد في دنياك وآخرتك.
هذا، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين يا رب العالمين، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا.
اللهم وما قضيت لنا من أمر فاجعل عاقبته لنا فيه رشدا، اللهم أحسن لنا الخاتمة والعاقبة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أغننا بالعلم وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية، اللهم أغننا من فضلك واكفنا شر خلقك واحفظ علينا ديننا وصحة أبداننا .
اللهم اجعل أيامنا القادمة خيرًا من أيامنا الماضية أُنسًا وانشراحًا، أمنًا وإيمانًا، صحة وعافية وتقى يا ذا الفضل والمن والجود والعطا.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واجمع شملهم على الهدى والدين، اللهم أصلح أمورهم، اللهم هيئ لهم من أمرهم رشدا، اللهم وحّد صفوفهم على الكتاب والسنة.
اللهم اشفِ مرضاهم وارحم موتاهم، وتولى أمورهم، وداوِ جرحاهم، وفك أسيرهم، وانصر مجاهدهم، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا من عبادك الصالحين، وحزبك المفلحين وأوليائك المتقين يا رب العالمين، اللهم أمّنا في الأوطان والدور وأصلح اللهم لنا الأئمة والأمور يا غفور يا شكور يا ذا الجلال والإكرام..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم