عناصر الخطبة
1/أعمال الفائزين في شهر رمضان 2/تعمد الإساءة لقبلة المسلمين 3/فضائل العشر الأواخر والأعمال الصالحة فيها.اقتباس
اعلموا أنّ الأيامَ صحائفُ الأعمارِ، والسّعيدُ مَنْ يُخَلّدها بأحسنِ الأعمالِ، ومنْ عرفَ ربّهُ اشتغلَ بهِ عن هوى نفسِهِ، وخاصةً في هذا الشهرِ المباركِ الذي تنوّعتْ فيهِ أنواعُ الطاعاتِ وأسبابُ المغفرةِ.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ على نعمةِ الصّيامِ والقيامِ والبذل ِوالإحسانِ وتلاوةِ القرآنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].
عبادَ الله: شرعَ اللهُ -جلّ وعلَا- في هذا الشهرِ المباركِ عباداتٍ وأعمالاً صالحةً تجعلُ النفوسَ تُقبلُ على خالقِهَا، وتنقادُ إلى طاعتِهِ، فتزكُو، وتطهُر، ويعيشُ أصحابُها في أجواءٍ إيمانيةٍ مفعمةٍ بالرّحَمَاتِ.
أيها المؤمنونَ: اعلموا أنّ الأيامَ صحائفُ الأعمارِ، والسّعيدُ مَنْ يُخَلّدها بأحسنِ الأعمالِ، ومنْ عرفَ ربّهُ اشتغلَ بهِ عن هوى نفسِهِ، وخاصةً في هذا الشهرِ المباركِ الذي تنوّعتْ فيهِ أنواعُ الطاعاتِ وأسبابُ المغفرةِ.
عبادَ اللهِ: ومنْ رحمةِ اللهِ بعبادِهِ في رمضان أنْ فتحَ لهمْ بابَ الإعانَةِ على الطَاعاتِ، وهيّأَ لهمْ الوسائلَ الموصلةَ إلى ذلك، فبادروا إلى استغلالِ أيّامِهِ ولياليِهِ، وأقبلوا بحبٍّ وانقيادٍ إلى طاعةِ ربّهم، راغبينَ في تحصيلِ رضاهُ وجنّتَهُ.
وهؤلاءِ هم الفائزونَ في هذا الشهرِ الكريمِ؛ لأنهمْ استجابوا لأمر ربهم -جلّ وعلَا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)[البقرة:183]، وكذلكَ أمرُ رسولِهِ -صلى الله عليه وسلّم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(متفق عليه).
فأخلَصُوا أعمالهُم؛ طلبًا لرضاهُ وجنّتَه، وصدقَ اللهُ العظيمُ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[البينة:5].
وكذلكَ هم المحبُّونَ لربِّهِمْ، المُتَلذِّذُونَ بقربِهِ ومناجَاتِهِ، وَدُعَائِهِ، وعبادتِهِ فلا يَأْلُوا جُهدًا في بذلِ مُهَجِهِمْ مِنْ أَجْلِ مَرْضَاتِهِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)[البقرة:165].
وهم الرحماءُ بأنفسهِم؛ فيُجَاهِدُونَهَا من أجلِ إصلاحِهَا وتهذيبِهَا والأخذِ بها إلى طريقِ الهُدى والرّشَاد، وهم الرُّحَمَاءُ بالخلقِ في بذلِ الخيرِ والمعروفِ لهم، وقضاءِ حوائجهِمْ، وتفريجِ كرُبَاتِهِمْ، وإدخالِ السّرُورِ عليهِمْ.
وهمْ أصحابُ الهِمَمِ العَاليةِ والمراتبِ السنيّةِ، الصُوَّامُ القُوَّامُ المنفقونَ المجتهدونَ في طاعةِ مولاهم، طلبًا لمرافقةِ نبيّهِ -صلى الله عليه وسلّم- في الجنانِ العاليةِ.
وهمْ عُمّارُ بيوتِهِ، القائمونَ، الرّاكعونَ، السّاجدونَ، التّالونَ لكتابِهِ، المتقربونَ إليه بالأعمالِ التي يُحبُّهَا ويرتَضِيهَا لهمْ طلبًا للجزاءِ الحسنِ منه -جلَّ وعَلَا-.
وهم المنفقونَ في سبيلهِ بأنواعِ البذلِ والعطاءِ، فمَا يُفتَحُ عليهمْ بابُ خيرٍ إلّا ولجوه، وسارعوا إليهِ، وما عُرِضَ عليهم بابٌ فيهِ منفعةٌ للمسلمينَ إلّا بادروا إلى سدِّ حاجةِ أهلِهِ، وما تعلّقَتْ قلوبُهُمْ بما يملكونَ، بلْ جعلوا كلَّ مَا فِي أيديهمْ سبيلًا إلى مرضاتِ خالِقِهِمْ ورازقِهِمْ ومولاهُم.
وهم الملحُّونَ عليهِ في الدُّعاءِ؛ فمَا تركُوا موضعًا يُسْتَجَابُ فيهِ إلّا طَرَقُوهُ، ليَقِينِهِمْ بِقُرْبِهِ وبجزيلِ فضلِهِ.
وهم المشتاقونَ للقاءِ ربّهم والجنّةِ، لأنهم تَلَذّذُوا بطاعتِهِ وقُرْبِهِ ومُنَاجَاتِهِ في الدُّنْيا، وأغلى أمانِيهِمْ أنْ يَرَوا وَجْهَهُ الكريمَ في الآخرةِ.
وهم الذين يبشَّرُونَ صباحَ يومِ العيدِ بأعظمِ بشرى منْ ربهمْ بعدَ أنْ بذلُوا أسبابَ طلبِ رِضَاهُ، فيُقَالُ لهمْ عودُوا مغفورًا لَكْمْ.
عبادَ اللهِ: وفي هذهِ الأجواءِ الإيمانيةِ والناسُ مقبلونَ على طاعةِ ربّهمْ وعبادتِهِ، يُكَدِّرُ الأعداءُ الصفوَ ويتعمدونَ الإساءةَ للرّاكِعِينَ السّاجِدِينَ، وهَا هُمْ يُطْلِقُونَ الصّواريخَ باتّجَاهِ قِبْلَةِ المسلمينَ ومهوَى أفئدتِهِمْ، أليسَ هذا هوَ الإجرامُ بكلِّ معانيهِ؟ أليستْ هذهِ هي العداوةُ للمسلمينَ؟ أيصدرُ مثلُ هذا الفعلِ ممّنْ يدّعِي الإسلامُ؟ فمالِ هؤلاءِ لا يعقلونَ؟ بلْ مَا لَهُمْ لا يُدْرِكُونَ عواقِبَ أفعالِهِمْ.
ومعَ يقينِنَا بأنّ اللهَ حافظٌ بلدَهُ الحرامَ، وأنّهُ يُدَافِعُ عن الذينَ آمنوا إِلّا أَنّنَا وبقلوبٍ مطمئنةٍ واثقةٍ نُشِيدُ بقدراتِنَا الدّفَاعِيّةِ، ونُجْزِمُ أنّ اللهَ -جلَّ وعلَا- يُسَدّدهم ويعينُهم، وأنّه وحدَه القادرُ على ردعِ الظّالِمِ وردِّ كيدِه في نحرِه.
فحمداً للهِ على مَا أنعمَ بِهِ وتفضّلَ مِنْ كَفَاءَةِ جنودِنا الأشاوِسِ، ونسألُهُ -سبحانَه- أنْ يردّ كيدَ الكائدِينَ وعُدوانَ المعتدينَ، وأنْ يُرِينا فيهم عجائبَ قدرتِه.
كمَا نسألُه سبحانَه أنْ يحفظَ البلادَ والعبادَ من شرِّ هؤلاءِ المجرمينَ المعتدينَ.
اللهمَّ فرّقْ شملَهُمْ، واقطع دابِرَهُمْ، وردّ تدبيرَهُمْ تدميرًا عليهِمْ، وزِدْ بَلَدَنَا أمْنًا وأمانًا وطمأنينةً يا ربَّ العالمينَ.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)[الكهف:30-31].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على الرّسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَهُ كلَّ خيرٍ، وحذَّرهمْ من كلِّ شرٍّ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
أمّا بعدُ: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أنّ شهرَكُم هذا قد قارَبَ على الانتهاءِ، وهَا هي أيامُ العشرِ الأواخرِ منهُ قد أقبلتْ، وهذا هو موسمُ المتسابقينَ، وسوقُ العابدينَ، وفرصةُ المجتهدينَ، فاحرصوا على صلاةِ القيامِ، فقدْ كانَ نبيُّكم -صلى الله عليه وسلّم- إذا دخلتْ العشرُ، أحيَا ليلَهُ وشدَّ مِئْزَرَهُ وأيْقَظَ أهْلَهُ.
ويُسَنُّ الاعتكافُ في هذهِ الأيامِ لتفريغِ القلبِ من العوالِقِ وتركِ الخلطةِ والإقباِل على عبادةِ اللهِ -جلّ وعَلَا-؛ فقدْ كانَ نبيُّنَا -صلى الله عليه وسلّم- يعتكفُ في هذهِ العشرِ للعبادةِ لعلمِهِ بفضلِهَا واعتكفَ أزواجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وفيهَا ليلةُ القدرِ التي يقولُ عنْهَا -صلى الله عليه وسلّم-: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، ولا يُحْرَمُ خَيْرُهَا إِلّا مَحْرُومٌ"(رواه ابن ماجه وحسنه الألباني)، العبادةُ فيهَا أَفْضَلُ مِنَ العبادةِ في ألفِ شهر.
وينبغي على كلَّ مسلمٍ أنْ يَتَحَرّى هذهِ اللّيْلَةَ، وأنْ يجتهدَ فِي العبادَةِ فِي جميعِ ليالِي العشرِ، لعلّهُ أنْ يُصِيبَهَا.
ولا ينبغِي الجزمُ بليلةِ القدرِ عن طريقِ رسائلِ الجوّالاتِ بأنّهَا ليلةُ كذا أو كذا، فيُصِيبُ إخوانَهُ المسلمينَ بالإحباطِ، ويُقْعِدُهُم عن العبادةِ والاجتهادِ.
أسألُ اللهَ تعالى بمنِّهِ وكَرَمِهِ أنْ يُعِينَنَا على قيامِ هذهِ العشرِ، وأنْ يَرْزُقَنَا قيامَ ليلةِ القدرِ، وأنْ يكتبَ لنَا فِيهَا أوسعَ الحظِّ منَ الرّزْقِ والخيرِ.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى؛ محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك فقال -جل من قائل عليماً-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم