الغضب وما يترتب عليه من الأضرار

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الغضب جماع الشر كله 2/ تدريب المسلم نفسه على الأخلاق الفاضلة 3/ عدم الاندفاع وقت الغضب 4/ علاج الغضب 5/ الغضب سبيل للشتم واللعن والبذاءة 6/ إحدى عواقب الغضب

اقتباس

تأمّل -رعاك الله- ما يجنيه الغضب على الإنسان من تصرفات هوجاء، وأعمال شنيعة، وأقوال بذيئة، يندم على فعلها غاية الندم؛ لأنه -حال غضبه- يكون في جنون، وبعد غضبه يكون في غاية الندم، ولهذا قيل: بل هو من أحسن ما قيل في وصف الغضب، قيل: أوله جنون، ونهايته ندم...

 

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

معاشر المؤمنين: لقد جاء الإسلام بتوجيهاته السمحة، وإرشاداته القويمة، هاديًا لكل فضيلة، داعيًا إلى كل خير، مسدِّدًا الناس في الأقوال والأعمال، مبعدًا نفس الإنسان عن رعونتها والتصرفات الهوجاء، والأفعال النكراء، والأقوال الشنيعة الفظيعة، وهذا من كمال هذا الدين وجمال بيانه وحسن دلالته؛ حيث أرشد إلى كمال الأخلاق، ومجامع الخير، وأصول البر في أحوال الناس كلها، وشؤونهم جميعها، وفي كل ما يأتون ويذرون.

عباد الله: وعندما نتأمل وصايا الإسلام في جانب الأخلاق، نجد أجمل الأخلاق وأزكاها، وأطيب الآداب وأرفعها، متمثلة فيما يدعو إليه الإسلام، وهذه -عباد الله- وقفة مع خلق عظيم، دعا إليه دين الإسلام، هو في الحقيقة من مجامع الخير، ومن أصول البر، وأسس الفضيلة؛ جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه، قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردّد الرجل عليه ذلك مرارًا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تغضب".

تأمَّل ذلك -رعاك الله-، جاء في مسند الإمام أحمد في رواية ثابتة لهذا الحديث أن الرجل قال: تفكرت فيما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجدت أن الغضب جماعُ الشر. تأمّل -رعاك الله- ما يجنيه الغضب على الإنسان من تصرفات هوجاء، وأعمال شنيعة، وأقوال بذيئة، يندم على فعلها غاية الندم؛ لأنه -حال غضبه- يكون في جنون، وبعد غضبه يكون في غاية الندم، ولهذا قيل: بل هو من أحسن ما قيل في وصف الغضب، قيل: أوله جنون، ونهايته ندم.

الغضب -عباد الله- هو غليان دم القلب، وازدياد خفقانه؛ طلبًا لدفع أمر مؤذٍ يتوقع الإنسان حصوله، أو طلب الانتقام ممن حصل منه الأذى، وقد يفضي بالإنسان إلى أقوال سيئة، وأفعال شنيعة، وعندما تزداد شدة الغضب ووطأته على القلب ينطلق اللسان، وعندما لا يملك الإنسان زمام نفسه ينطلق اللسان بالسب والفحش والبذاءة، وتنطلق الجوارح بالقتل والضرب والعدوان، ويأتي الإسلام داعيًا المسلم أن يملك نفسه عند الغضب؛ يقول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الوصية الجامعة: "لا تغضب"، قال أهل العلم: وهذا يتضمن أمرين عظيمين لابد منهما، الأول أن يدرب المسلم نفسه على الأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة، من الصبر والحلم والأناة، والبعد عن العجلة، إلى غير ذلك من الأخلاق، فإذا ورد عليه وارد الغضب تلقاه بجميل خلقه، وعظيم أدبه، وحسن حلمه، وطيب صبره.

والأمر الثاني -عباد الله- أنه عندما يكون الغضب على الإنسان أن يملك نفسه، فلا يندفع وقت غضبه، لا بقول ولا بفعل، وإنما يملك نفسه في أقواله وأفعاله عند الغضب، فلا يقول قولاً ولا يفعل فعلاً حتى تنطفئ جمرة الغضب، وعليه في هذا المقام أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الشيطان له نزغ عجيب، ودخول على الإنسان وقت غضبه ووقت فورة الغضب، فيدفعه إلى الأفعال الشنيعة، والأقوال الفظيعة، جاء في الصحيحين من حديث سليمان بن صرد قال: استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن جلوس، فغضب أحدهما غضبًا شديدًا، واحمرت وجنتاه، وكان يشتم صاحبه ويسبه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، قيل للرجل: أوَما سمعت ما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لست بمجنون.

تأملوا شدة وطأة الغضب وشدة تأثيره، وتأملوا -رحمكم الله- العاقبة الحميدة عندما يتعوذ المسلم بالله من الشيطان الرجيم، ليسلم من وساوسه، وليسلم من أزِّه ودفعه وتحريكه للإنسان تحريكًا أهوج حال غضبه؛ ليقول البذاءة، ويفعل الشنيع من الأعمال، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن نزغه، والله تعالى يقول: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) [الأعراف: 200].

ثم إن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجّه إلى أمرين عظيمين جدًّا، على الإنسان أن يتحلى بهما حال غضبه:

الأمر الأول -عباد الله- يتعلق باللسان، والأمر الثاني يتعلق بالجوارح، وتأملوهما جيدًا، أما الأول -عباد الله- ففي المسند للإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا غضب أحدكم فليسكت"، قالها ثلاثًا، "إذا غضب أحدكم فليسكت": أي ليمنع نفسه من الكلام حال الغضب؛ لأنه إن تكلم وهو غضبان سيتكلم بما لا تُحمد عاقبته وقت الغضب.

عباد الله: يحدث أقوال سيئة، وكلمات بذيئة، ولعن وشتم، بل لَربما بعض الناس يلعن نفسه ويلعن ولده، بل لَربما بعضهم يلعن دينه عياذًا بالله، ثم إذا هدأ الغضب ندم أشد الندم على ما كان منه من أقوال سيئة وأفعال بذيئة، ثم إنه حال غضبه وهو يهذي بكلماته البذيئة، وأقواله السيئة، يشبه المجنون فاقد العقل، ثم إذا انتهت فورة الغضب، ندم على ما قال، ولربما أيضًا تكلم بأيمان قاسية، كأن يقول: والله لأقتلنه، والله لأضربنه، والله لأقطعنه إربًا، أيمان لا يحل له أن يفعلها، ولربما طلّق زوجته، ولربما ولربما... من أقوال كثيرة تكون من الناس حال الغضب.

فتأمل هذا التوجيه المبارك: "إذا غضب أحدكم فليسكت"، أي لا يقل ولا كلمة واحدة، ليمتنع عن الكلام حال الغضب؛ لأنه حال غضبه لا يدرك ما يقول، ولا يعي ما يتكلم به، فإذا امتنع عن الكلام حتى تهدأ جمرة الغضب وتطفأ فورته، فحينئذ سيكون الكلام سديدًا، وتكون العاقبة حميدة.

وأما الأمر الثاني -عباد الله- فيتعلق بالأفعال؛ جاء في المسند بسند ثابت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليقعد، فإذا سكن غضبه وإلا فليرقد أو فليضطجع". تأمل عندما يكون الإنسان في غاية غضبه وشدة فورة الغضب حال القيام، وأمامه من أغضبه، فإنه قريب التناول للاعتداء والبطش والظلم، فإنه قريب منه، لكنه إن ملك نفسه حين الغضب فقد يكون تباعد ممن أغضبه، فإن سكن الغضب فبها ونعمت، وإن لم يسكن فإنه يضطجع، فيكون أبعد وأبعد، وهنا يأتي الشيطان الرجيم ويقول له: يغضبك وتقعد؟! يغضبك وتضطجع؟! أين الرجولة؟! أين الشهامة؟! فينفخ فيه نفخًا أعوج، ليمنعه من هذه السنة الرشيدة، والفعل العظيم المبارك، الذي أرشد إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت -رعاك الله- عندما تتأمل في هذين التوجيهين العظيمين: التوجيه الذي يتعلق بالقول، بالامتناع عن الكلام، والتوجيه المتعلق بالأفعال، بالامتناع عن الحركة، وذلك بالقعود أو الاضطجاع، يدلك ذلك أن الإنسان حال الغضب لا ينبغي أن يتصرف -لا قولاً ولا فعلاً- حتى تنطفئ جمرته، وهذه هي حقيقة الرجولة، وهذه هي حقيقة الشدة؛ لهذا يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

هدانا الله وإياكم لأقرب من هذا رشدًا، ووفقنا لكل خير، وهدانا سواء السبيل، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقوى الله -جل وعلا- عمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وترك معصية الله، على نور من الله، خيفة عذاب الله.

عباد الله: رأيت قبل خمس عشرة سنة تقريبًا في أحد المستشفيات رجلاً يحمل ابنه الصغير، وكان عمر ولده خمس سنوات تقريبًا، وكانت يد هذا الصغير ممنوعة من أصلها، منفلتة غير متماسكة العظام، وكان واقفًا ينتظر دوره عند الطبيب، فسألته ما بال ابنك وما أصابه؟! قال لي: قاتل الله الغضب، كان نائمًا، فأمرته بالقيام، فلم يستجب، فغضبت غضبًا شديدًا -وتأمل عمره خمس سنوات- يقول: فغضبت غضبًا شديدًا، فمسكت بيده وشددتها فانخلعت.

وقرأت في استفتاء وجّه لأحد أهل العلم أن امرأة تستفتي أحد العلماء تقول: إن زوجها غضب وضربها بجمع يده فهشم أسنانها. وعندما تنظر واقع الناس في تعاملاتهم في البيوت ومع الأسر وفي البيع والشراء تجد أن حال الغضب تسيطر على كثير من الناس، بتصرفات هوجاء، وأقوال شنيعة، وأفعال فظيعة، لا تليق بالمسلم، وهذا يدلنا -عباد الله- أننا بعدنا عن ديننا الحنيف، وعن آدابه الرشيدة، وأخلاقه الحميدة، يؤدي بنا إلى الهلكة -والعياذ بالله-، وإذا ذهبت إلى المحاكم ورأيت ما يأتي عند القضاة من الآثار التي تكون في البيوت -وكثير منها نتيجة الغضب- لرأيت عجبًا، ولو وقفت أيضًا على كثير من المسجونين وما حصل منهم من آثار وأفعال سيئة بسبب الغضب، من قتل أو عدوان، لرأيت عجبًا، فعلينا -عباد الله- أن نتقي الله -جل وعلا-، وأن نتحلى بآداب الإسلام الحميدة، وأقواله الرشيدة، لنُهدى إلى سواء السبيل.

واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على إمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربَّ العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأهواء والأخلاق والأدواء.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.

ربنا اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والعافية والسلامة لعموم المسلمين، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمبن، اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والمحن كلها والزلازل والفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 

المرفقات

وما يترتب عليه من الأضرار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات