العمل الخيري في الإسلام

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ دعوة الإسلام الخاتمة صالحة مصلحة لكل المجتمعات 2/ اهتمام الإسلام بالعمل الخيري 3/ نماذج من تأصيل النبي -صلى الله عليه وسلم- للعمل الخيري 4/ حاجة الأمة لسد ضرورات المحتاجين والمشردين 5/ حرص الغربيين على العمل الخيري 6/ وجوب مد يد المساعدة للمنكوبين والمشردين من المسلمين في كل مكان.

اقتباس

وإن المرء ليعجب من تلك المجتمعات الكافرة التي تعلي من شأن العمل الخيري وتشيد بأصحابه، وتمنحهم المزايا، ولا غرو في ذلك ففعل الخير وعمله فِطرة مغروسة في النفوس والفطر السوية مهما كان انحرافها عن الدين وقديمًا قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان رسول الله قبل أن يُنَبَّأ وينزل عليه جبريل بالوحي كان مثالاً -صلى الله عليه وسلم- لفعل الخير وبذله. ولهذا رابه ما رابه، وأفزعه ما أفزعه بعدما نزل الوحي عليه أقبل على خديجة -رضي الله عنها وأرضاه- فما كان منها إلا أن طمأنته، وقالت له: "كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ"، ونحو ذلك من الصفات التي كان عليها -صلى الله عليه وسلم- في فعل الخير وبذله.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله -عز وجل- وأطيعوه؛ فإن مَن اتقى الله حق التقوى جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همّ فرجًا، وحباه حياة القلب وانشراح الصدر، ورزقه السعادة في الدنيا والفوز في الأخرى، فنسأل الله -عز وجل- أن يمُنّ علينا جميعا بالتقوى، وأن يجنبنا أسباب الضلال والردى؛ إنه أكرم مسئول.

 

عباد الله: لقد كانت دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- التي ختم الله بها النبوات والرسالات كانت خلاصة دعوة الأنبياء والمرسلين قبله، ولهذا كانت الدعوة الخاتمة الدعوة الصالحة المصلحة لكل المجتمعات والأجناس والشعوب على مختلف الأزمنة وتنوع الأعراف والتقاليد والبيئات.

 

إنها دعوة تضمنت كل خير ودعت إلى كل هدًى، ما من أمرٍ من الأمور يهدي إلى الخير ويدل عليه إلا دعت إليه، وحثت على فعله ورغّبت فيه، وما من أمرٍ يتحقق به صلاح البلاد والعباد إلا حضَّت عليه.

 

لقد كانت دعوة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- دعوة شاملة في التصورات والأفكار والمفاهيم، شاملة لمجالات الحياة المختلفة الفردية والجماعية.

 

دعوة يأتي في مقدمة أولوياتها: تصحيح علاقة العبد المخلوق بالمعبود الخالق -عز وجل-، وفي الوقت ذاته دعت إلى إصلاح علاقة العبد بمن حوله من أهل وأرحام وجيران وإخوان وأصحاب، بل حتى علاقة الفرد بمن حوله في بيئته المحيطة به من حيوانات وطيور، وأشجار ومياه، وأنهار وبحار.

 

إنه دعوة الإسلام الخالدة التي جاءت لتأسس لمجتمع تسوده المحبة والمودة والتعاون، والتآلف والتآزر، والتكاتف والتعاضد، مجتمع تسوده القيم الفاضلة والمعاني السامية.

 

ولقد كان من أعظم ما جاءت به رسالة الإسلام الخالدة: الحث على عمل الخير وفعله والترغيب فيه، والحض عليه، والثناء على أربابه وأهله، والأمر بالتعاون عليه مع كل أحد حتى مع غير المسلمين، كما قال الله -عز وجل-: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، أي: لا يحملنكم بُغضكم لقوم لعداوتهم لكم أن تعتدوا عليهم، بل لو دعوكم إلى باب من أبواب الخير والبر من المشتركات الإنسانية فلا ينبغي أن يحملكم بغضكم لهم على ترك التعاون معهم على البر والخير، فكيف بما إذا كان طالب التعاون من المسلمين الذي يشتركون في عقيدة واحدة ودين واحد

أي قيمة أعلى من هذه القيمة التي حثَّ عليها  ديننا وشرع ربنا -عز وجل-.

 

إن المتأمل للقرآن الكريم والسنة المطهرة يجد في تضاعيف الآيات دعوة صريحة لعمل الخير وفعله والحث عليه، وإعلاء شأنه ومكانته، يقول الله -عز وجل- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].

 

إنها دعوة لعبادة الله -عز وجل- وإخلاصها لله التي يأتي في مقدمتها الصلاة بركوعها وسجودها ودعوة في الوقت ذاته لفعل الخير عمومًا في كل ميدان وفي كل اتجاه وعلى كل مستوى ومع كل احد (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].

 

وتأملوا أيها الإخوة الفضلاء كيف ختم الله هذه الدعوة بقوله سبحانه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، إنه لا طريق للفلاح في الدنيا والآخرة ولا سبيل إلى الفوز الحقيقي والظفر التام إلا بالعبادة الخالصة لله -عز وجل-، والسعي في نفع عباد الله، فمن وفق لذلك وجمع بينهما في دنياه حاز من السعادة والفلاح والنجاح القدح المعلى والنصيب الأوفى.

 

إنك أخي المسلم إذا تأملت ثناء الله على عباده المؤمنين في قرآنه الكريم ستجد أنه يأتي في مقدمة الصفات التي استحق بها العباد ثناء الله عليهم نفعهم للخلق وإحسانهم لعباد الله وبذلهم للمعروف (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].

 

تأمل تلك الصفة العظيمة التي جاءت في هذه الآية الكريمة في مقدمة صفات عباد الله المتقين (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء)، واستمعوا إلى قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) [الذاريات: 15- 16]، ثم فسَّر هذا الإحسان في قول الله -عز وجل- عقب هذه الآية (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 17- 19].

 

فكما استحقوا وصف المحسنين الموعودين بجنة ونعيم عظيم بإحسانهم في علاقتهم مع ربهم -عز وجل- استحقوا كذلك وصف المحسنين الموعودين بجنة الله ونعيمه بإحسانهم إلى خلق الله؛ بمواساتهم للمحرومين، بوقوفهم مع المعدمين بإغاثتهم للملهوفين والمنكوبين، إلى غير ذلك من النصوص القرآن القرآنية التي يظهر فيها بجلاء ما للإحسان وفعل الخير والسعي إليه من منزلة ومكانة عالية في دين الله -عز وجل- يتسابق المؤمنون على مختلف مسئولياتهم إلى نيلها والظفر بها.

 

وأما السنة النبوية فمليئة بالأحاديث النبوية التي تؤكد حقيقة الآيات القرآنية في إعلاء مكانة فعل الخير وبذله، والإحسان إلى عباد الله المحتاجين؛ بقوله -صلى الله عليه وسلم- تارة، وفعله تارة أخرى، وتقريره، بل وابتهاجه وفرحه سروه بفعل الخير وبذله لأمته.

 

ومن منا أيها الإخوة الفضلاء مَن لم يطرق سمعه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".

 

يا الله ما أعظمه من جزاء يوعد به كل من فعل الخير وبذل، أي أجر أعظم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجاته".

 

أي أجر أعظم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة"، أي ثواب أبلغ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة".

 

إن الجزاء الموفور والثواب الكبير الذي لا يمكن أن تعدله أموال الدنيا كله، إنها دعوة للخير وفعله، بل أي دعوة للخير وفعله، وأيّ حثّ وخير على العمل الخيري والتشرف به أعظم من هذه الدعوة النبوية الكريمة.

 

أفلا يحق لكل مسلم ومسلمة بعد سماع هذه الدعوة النبوية الكريمة أن يسعى ويجدّ لنيل هذا الشرف والفوز بهذا الأجر الوفير؟! ألا يحق لكل مسلم ومسلمة المسابقة إلى هذا الشرف والتنافس فيه؟!

 

ليس من المبالغة -أيها الإخوة في الله- أن نقول بأن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها كانت تجسيدًا لهذا المعنى الكبير وتحقيقًا لهذه القيمة الكبرى المتمثلة في فعل الخير والدعوة إليه، والحض عليه، والابتهاج والفرح بأهله والمسارعين إليه.

 

اسمعوا إلى هذا الحديث العظيم عن المنذر بن جرير عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، قَالَ: فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، قَالَ: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [سورة النساء آية 1]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء آية 1]، وَقَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [سورة الحشر آية 18]؛ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجَزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ، يَعْنِي كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ.

 

فقال -صلى الله عليه وسلم- لما رأى هذا التسابق والتسارع والتنافس في فعل الخير وبذله من عامة المسلمين قال عليه الصلاة والسلام كلمة جامعة عظيمة فيها حث وترغيب كما فيها ويل ووعيد "مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ".

 

لقد استوقفتني عبارتان أو جملتان في هذا الحديث، وأظن أن كل مسلم توقفه هاتان العبارتان؛ أولهما فرحه -صلى الله عليه وسلم- بتتابع الناس على عمل الخير وفعله؛ حتى رئي وجهه الشريف كأنه مذهبة؛ يتهلل فرحًا واستبشارًا بمسارعة الناس إلى فعل الخير ومشاركتهم فيه.

 

والأخرى ختمه -صلى الله عليه وسلم- لهذه الحملة النبوية للإغاثة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا، وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ".

 

إنه الأجر العظيم المتواصل، إنه الثواب الدائم الذي لا ينقطع في سبيل من سن في الإسلام سنة حسنة إلى يوم القيامة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

 

وبالمقابل الإثم الكبير والوزر العظيم الذي لا ينقطع لكل مَن سنَّ سُنّة سيئة في الصد عن الإنفاق وفعل الخير كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.

 

فهل سمعتم -أيها الإخوة في الله- ترحيبًا بالعمل الخير وابتهاجًا به وحثًّا به وثناء على أهله هل سمعتم حثًّا وترغيبًا عليه أفضل مما جاء في ديننا وشريعة ربنا -عز وجل-؟!

 

إنها دعوة لكل مسلم ومسلمة أن يكون من أهل الخير، والباذلين له المحبين لأهله، المشجعين لمشاريعه، ووالله إن ذلك متى ما وجد في مجتمع كان من أعظم الأسباب التي يحفظ الله بها المجتمع، ويقيه الشرور والفتن والآفات والمصائب "وصنائع المعروف تقي مصارع السوء".

 

أسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا جميعًا من أهل الخير من مفاتيح الخير ومغاليق الشر ونعوذ بالله -عز وجل- من أن نكون مغاليق للخير مفاتيح للشر، إن ربي سميع قريب.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

عباد الله: اتقوا الله في السراء والضراء وراقبوه في الشدة والرخاء، كونوا على الحق أعوانا، وفي إعلاء كلمة الله أركانًا، وفي بذل المعروف ونشره أوتادًا، راقبوا علام الغيوب، واحرصوا على طهارة وسلامة القلوب، جعلني الله وإياكم من أهل محبته وولايته؛ إن ربي سميع مجيب.

 

عباد الله: إن من محاسن أيّ مجتمع بشري تشجيعه على العمل الخيري، وحث الناس عليه، وتسابقهم إلى ميادينه المختلفة، سواء إن كان هذا العمل الخيري بإنشاء المدارس والجامعات الأهلية والمعاهد، ونشر الكتب وإقامة الدورات المؤتمرات أو دعويًّا بإعداد الدعاة، وتأهيلهم وتدريبهم وكفالتهم وأسرهم، أو كان هذا العمل إغاثيًّا بكفالة اليتامى، والسعي في حاجات الأرامل والفقراء والمساكين والمعوزين، والعمل على سد حاجاتهم، وتوفير احتاجاهم ومتطلباتها، أو كان هذا العمل صحيًّا بإنشاء المستشفيات والمصحات والعيادات، وتوفير الدواء للمحتاجين، ونحو ذلك من أبواب الخير ومجالاته.

 

ولا أظن أيها الإخوة الفضلاء: لا أظن أن الأمة مرت بظرف تحتاج معه إلى تآزر الجهود وتكاتفها كما هو الحال الذي تمر به المجتمعات الإسلامية اليوم، في أماكن كثيرة من العالم؛ حيث اليتامى والمساكين، والفقراء والمعوزون والمشردون والمطرودون، مما يحتاج معه هذا الوضع الذي تعيشه أمة الإسلام إلى جهود مضاعفة ومشاريع جبارة تستوعب القطاع الخاص والعام والرسمي والشعبي.

 

وإن المرء ليعجب من تلك المجتمعات الكافرة التي تعلي من شأن العمل الخيري وتشيد بأصحابه، وتمنحهم المزايا، ولا غرو في ذلك ففعل الخير وعمله فِطرة مغروسة في النفوس والفطر السوية مهما كان انحرافها عن الدين وقديمًا قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان رسول الله قبل أن يُنَبَّأ وينزل عليه جبريل بالوحي كان مثالاً -صلى الله عليه وسلم- لفعل الخير وبذله.

 

ولهذا رابه ما رابه، وأفزعه ما أفزعه بعدما نزل الوحي عليه أقبل على خديجة -رضي الله عنها وأرضاه- فما كان منها إلا أن طمأنته، وقالت له: "كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ"، ونحو ذلك من الصفات التي كان عليها -صلى الله عليه وسلم- في فعل الخير وبذله.

 

ونحن المسلمين الذين شرفنا الله بهذا الدين أوْلى بهذه الأمور في فعل الخير والتشجيع على الخير من تلك المجتمعات الكافرة.

 

ولهذا فإن من المتعين التشجيع على العمل الخيري بكافة السبل والوسائل التي يأتي في مقدمتها سنّ الأنظمة والتشريعات التي تضبط مساره، وتحدد بوصلته واتجاهه، وتُخضعه للمراقبة والمتابعة والمحاسبة، بل والمحاكمة عند حدوث الأخطاء والتجاوزات من القائمين عليه، ثم بعد ذلك كله تُطلق الأيدي من أهل الخير والراغبين في فعله، تطلق الأيدي للعمل والتنافس والإبداع والتسابق في ميادين العمل الخيري الموثق بالنظم والتشريعات.

 

 وإنّا على يقين من أن هذه البلاد المباركة بمؤسساتها الرسمية والشعبية ستظل -إن شاء الله- رائدة للعمل الخيري ومشاريعه، والإنفاق في سبيله في الداخل والخارج سباقة إليه.

 

وأملنا في ولاة الأمر -حفظهم الله- مواصلة الدعم والتأييد، وتشجيع الأعمال الخيرية المباركة. وفّق الله الجميع لكل خير وأعاننا على فعل الخير وبذله؛ إن ربي على كل شيء قدير.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".

 

اللهم صلّ وسلم وبارك...

 

 

 

المرفقات

الخيري في الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات