العمال ما لهم وما عليهم

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ ارتقاء التجار بجهد وتعب العُمَّال والتحذير من ذلك 2/ بعض مظاهر فساد العُمَّال وأسباب ذلك 3/ بعض صور ومظاهر ظلم الكفلاء وأصحاب العمل للعُمَّال والضعفة 4/ حث الكفلاء وأصحاب العمل على التخلق بأخلاق الإسلام 5/ نصح العمال ورفع الظلم عنهم وإصلاح أوضاعهم

اقتباس

مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَأْكُلُ مَا لَيسَ لَهُ؟! يَرْتَقِي دَرَجَاتِ الغِنَى عَلى كَدِّ وَظَهْرِ الضَّعَفَةِ وَالمَسَاكِينِ؟! لَمْ نَكُنْ نَتَصَوَّرُ أَنَّ مُسْلِمًا يَتَرَدَّدُ عَلَى المَسَاجِدِ! وَيَقْرَاُ كَلامَ اللهِ! وَيَسْمَعُ أحَادِيثَ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلمَ- ثُمَّ هُوَ يَخُونَ أخَاهُ! وَيَنْقُضُ عَهْدَهُ في لَمْحَةِ بَصَرٍ! وَجَرَّةِ قَلَمٍ!

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمدُ للهِ إليهِ تَصِيرُ الأُمُورُ، وَبِيدِهِ تَصْرِيفُ الدُّهُورِ، نَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، عمَّ الخَلائِقَ فَضْلُهُ وَإحْسَانُهُ، وَوَسِعَ المُذْنِبِينَ والمُقَصِّرِينَ عَفوُهُ وَغُفْرَانُهُ.

نَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إلِّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، عَظُمَ شَأْنُهُ وَعَزَّ سُلْطَانُهُ, وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ لِلنَّاسِ بَشِيرَاً وَنَذِيرَاً، وَدَاعِيَاً إليهِ فَكَانَ سِرَاجَاً مُنِيرَاً, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ المُطَهَّرِينَ وَأَصْحَابِهِ المُوَحِّدِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ, وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَبِالتَّقْوى تَصْلُحُ القُلُوبُ وَالعُقُولُ وَالحَيَاةُ!

 

إخْوانِي: طَرْحُ بَعْضِ مَشَاكِلِنا قَدْ يَكُونُ ثَقِيلاً على مَسَامِعِنَا! وَلَكِنَّ دِينَنَا قَائِمٌ على التَّنَاصُحِ فِيمَا بَينَنَا, لِذَا لا بُدَّ مِنْ الصَّرَاحَةِ والوُضُوحِ فِي كُلِّ مَا نَطْرَحُ وَنَقُولُ!

 

أَيُّها المُؤمِنُونَ: مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَأْكُلُ مَا لَيسَ لَهُ؟! يَرْتَقِي دَرَجَاتِ الغِنَى عَلى كَدِّ وَظَهْرِ الضَّعَفَةِ وَالمَسَاكِينِ؟! لَمْ نَكُنْ نَتَصَوَّرُ أَنَّ مُسْلِمًا يَتَرَدَّدُ عَلَى المَسَاجِدِ, وَيَقْرَاُ كَلامَ اللهِ! وَيَسْمَعُ أحَادِيثَ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلمَ- ثُمَّ هُوَ يَخُونَ أخَاهُ, وَيَنْقُضُ عَهْدَهُ في لَمْحَةِ بَصَرٍ! وَجَرَّةِ قَلَمٍ!

 

أَينَ هَؤلاءِ مِن قَولِ البَارِي -جَلَّ وَعَلا-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34]؟ أَلَمْ يَسْمَعُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ فَقَالَ: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"؟ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ".

 

مَعْذُورٌ يَا ابنَ الخَطَّابِ يَومَ أَنْ قُلْتَ: "لَا تُغُرُّنِي صَلَاةُ امْرِئٍ وَلَا صَوْمُهُ، مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ صَلَّى، لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ".

 

أيُّها الأكَارِمُ: أتَدْرُونَ مَا سَبَبُ سِيَاقِ هَذِهِ النَّصُوصِ الشَّرْعَيَّةِ؟ لأَنَّنَا وَجَدْنَا مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ فِي مُجْتَمَعِنَا فَسَادَاً دِينِيَّا وَأَخْلاقِيَّاً وَمَالِيَّاً مِنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ العَمَالَةِ الوافِدَةِ السَّائِبَةِ التي تَعْمَلُ بِدُونِ حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ! عَمَالَةٍ لَهَا عِدَّةُ سَنَوَاتٍ تَنْخَرُ فِي مُجْتَمَعِنَا بِنَشْرِ الفَسَادِ الأخْلاقِيِّ, وَتَصْنِيعِ  أَقْذَرِ أَنْوَاعِ الخُمُورِ, وَنَشْرِ مَقَاطِعِ الخَنَا والفُجُورِ! لأَجْلِ الحُصُولِ على المَالِ بِأيِّ طَرِيقٍ كَانَ! أمَّا الغِشُّ التِّجَارِيِّ وَأَنْوَاعُ النَّصْبِ والتَّزْوِيرِ فَحَدِّثْ وَلا كَرَامَةَ حتَّى الأطْعِمَةَ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ غِشِّهِمْ وَخِدَاعِهِمْ! والمُتَابِعُ لِلجِهاتِ الرَّقَابِيَّةِ يَكَادُ يُجَنُّ مِنْ هَولِ مَا يَسْمَعُ وَيَرى! مِثْلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ -يا عبادَ اللهِ-: لا نَخْتَلِفُ أنَّهَا مَوجُدَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الوَافِدِيْنَ لا كُلَّهُمْ ولا حتَّى أغْلَبَهُمْ فَأكْثَرُ مَنْ نَرى مِنْهُمْ بِحَمْدِ اللهِ مُلْتَزِمٌ بِدِينِهِ قَائِمٌ بِعَمَلِهِ على أَتَمِّ مَا يَكُونُ مُحْتَرِمٌ لأنْظِمَةِ البَلَدِ وَأهْلِهِ. فَيَسْتَحِقُ هؤلاءِ كُلَّ حُبٍّ واحْتِرَامٍ وَتَقْدِيرٍ.

 

وَلَكِنَّ مُشْكِلَتَنَا فَي القِسْمِ الفَاسِدِ المُفْسِدِ! وإذَ بَحَثْنَا عَن أَهَمِّ الأسْبَابِ نَجِدُ أنَّنَا مَعَ الأسَفِ الشَّدِيدِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأحْيَانِ: أنَّا شُرَكَاءُ مَعَهُمْ في صُنْعِ الفَسَادِ! أتَدَرُونَ كَيفَ ذَلِكَ؟

 

إنَّهُ ابتَدَأ مُنْذُ أَخْلَفَ مَعَهُم بَعْضُ الكُفَلاءِ العَهْدَ والمِيثَاقَ بَعْضُ الكُفَلاءِ نَقَضَ العَهْدَ وَالاتِّفَاقَ وَتَنَكَّرَ للعَامِلِ وَخَدَعَهُ! يَتْرُكُ العَامِلُ أهْلَهُ وَأَولادَهُ وَبَلَدَهُ وَفِي مُخَيَّلَتِهِ أنَّهُ سَيَجْمَعُ مَالاً, وَيَعْمَلُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ واحْتِرامٍ, فَإذا هُو يُفَاجَأُ: إمَّا أنْ تَقْبَلَ بِكَذَا وإلَّا سَفَّرْنَاكَ! فَيَأْخُذُ الأُجْرَةَ مُضْطَرًّا، وَهُو لا يَمْلِكُ حَولًا وَلا طَولًا.

 

فَيَا أيُّها الظَّالِمُ الجَشِعُ الغَشُومُ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حِجَابٌ".

 

وَتَذَكَّرَ قَولَ اللهِ -تَعَالى-: (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 52].

 

وَمِنْ صُورِ ظُلْمِهِمْ: تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ رَوَاتِبِهِمْ لأشْهُرٍ طِوَالٍ! وَيَغْفُلُ عَنْ أُسَرٍ هُنَاكَ تَنْتَظِرُ الرِّيَالاتِ بِفَارِغِ الصَّبْرِ وَالحَاجَةِ! أيْنَ هَذا الكَفِيلُ مِنْ تَوجِيهِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ" بِأيِّ حَقٍّ وَبِأَيِّ شَرْعٍ يَسْتَقْطِعُ الكَافِلُ مِن العَامِلِ مَبْلَغَاً شَهْرِيًّا أَوْ سَنَوِيًّا مُقَابِلَ كَفَالَتِهِ، فَإنَّ هَذَا واللهِ ظُلْمٌ صُرَاحٌ حتَّى وَإنْ رَضِيَ العَامِلُ وَوَقَّعَ على ذَلِكَ. فَإنَّهُ نَوْعُ اسْتِغْلالٍ لا مُبَرِّرَ لَهُ.

 

وواللهِ -يَاكِرَامُ-: اسْمَعُوهَا بِقُلُوبِكُمْ, وَطَبِّقُوهَا على مَنْ تَعْرِفُونَ, أنَّهُ مَا تَأَكَّلَ أَحَدٌ مِنْ كَدِّ إخْواَنِهِ وَعُمَّالِهِ إلَّا عَاقَبَهُ اللهُ عَلى ذَلِكَ! إمَّا بِخَسَارَةٍ مَادِيَّةٍ،  أو بِأمْرَاضٍ مُتَتَالِيَةٍ, أو بِنَكَدٍ لا يَعْلَمُ مَدَاهُ إلَّا اللهُ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227] هَذا كَلامُ أَصْدَقِ القَائِلِينَ, وَأحْكَمِ الحَاكِمِينَ.

 

وَيَقُولُ نَبِيُّ الهُدَى والمَرْحَمَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".

 

فاللهمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنَيا أكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا, وَأغْنِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ, وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، إلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ.

نَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَازِقُ النَّاسِ أجْمَعِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَك عَليهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ تَقْوَاهُ, وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ وَسُوءَ عُقْبَاهُ؛ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ لِمَنْ تَغَشَّاهُ! عُقُوبَاتُهُ عَاجِلَةٌ، وَآثَارُهُ مُهْلِكَةٌ، حَرَّمَهُ اللهُ على نَفْسِهِ فَقَالَ: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، وَقَالَ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"، وَقَالَ رَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "المُسْلِمُ أَخَوا المُسْلِمَ لا يَخُونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ".

 

لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْـَت مُقْتَـِدَرَا *** فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيـكَ بِالنَّدَمِ

نَامَتْ عُيُونُكَ وَالْمَظْلُـومٌ مُنْتَبِـهٌ *** يَدْعُو عَلَيكَ وَعَينُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

 

إي -واللهِ-: كَمْ مِنْ دَعْوَةِ مَظْلُومٍ سَرَتْ فَوقَ الغَمَامِ فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهَا! قَدْ سَلَبَتْ غَنِيَّا مَالَهُ، وَفَرَّقَتْ بَينَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ، أَفْقَرَتْ وَأَمْرَضَتْ وَنَكَّدَتْ!

 

مَنْ لِعَامِلٍ قَدْ سُرِقَ كَدُّهُ وَجُهْدُهُ وَمَالُهُ؟ مَنْ لِضَعِيفٍ بُخِسَ حَقَّهُ وَأُخْلِفُ عَقْدُهُ؟! مَنْ لإنْسَانٍ وَبَشَرٍ قَدْ أُهِينَتْ كَرَامَتُهُ؟! وَرُغِّمَ أَنْفُهُ؟!

 

إنَّ لَهُ القَوِيُّ القَادِرُ القَائِلُ: "لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: "وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".

 

أَلا وَإنَّ مِنْ أَبشَعِ صُوَرِ ظُلْمِ العُمَّالِ: إتْعَابُهُمْ فِي العَمَلِ، وَإجْهَادُهُمْ فَوقَ طَاقَتِهِمْ!

 

وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ" (أَيْ الذينَ يُصْلِحُونَ أُمُورَكُمْ) جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ،  وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ،  وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".

 

وَمِنْ أَوضَحِ أنْوَاعِ الظُّلْمِ: عَدَمُ دَفْعِ أُجْرَتِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".

 

نَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ انْتِشَارِ جَرَائِمِ بَعْضِ العَمَالَةِ الوَافِدَةِ! فَإذا عَرَفْتَ أنَّ بَعْضَنَا يَسْتَقْدِمُ العَشَرَاتِ مِنْهُمْ وَيَتْرُكُهُمْ هَمَلاً وَيُطَالِبُهُمْ بِدَخْلٍ شَهْرِيٍّ! فلا تَسَلْ عَنْ أَنْواعِ طُرُقٍ سَيَسْلُكُونَهَا! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [النساء: 299] إنْ لَمْ يكن هَذَا العَمَلُ بَاطِلاً فَمَا هُوَ البَاطِلُ -يَا مَعْشَرَ الكُفَلاءِ-؟!

 

إنَّنَا نُطَالِبُكُمْ -مَعْشَرَ الكُفَلاءِ- بِأَخْلاقِ الإسْلامِ عَمَلِيَّاً؛ لا نُرِيدُ إسْلامَاً مُرَقَّعَاً مَخْرُوقَاً، نَأْخُذُ مِنْهُ مَا نَشَاءُ وَنَدَعُ مَا نَشَاءُ، إذَا حَضَرَ الرِّيَالُ طَارَ الإسْلامُ وَطَارَتِ التَّقْوَى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة: 85].

 

إخْوَةَ الإسْلام: حَدِيثُنَا هَذا لا يَعْنِي الطَّعْنَ فِي سَائِرِ الكُفَلاءِ، فَعِنْدَنَا نَمَاذِجُ بِحَمْدِ اللهِ مُشَرِّفَةٌ, عِنْدَنا أُنَاسٌ صَالِحُونَ يَخَافُونَ يَومَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرَاً.

 

وَلا نُقَلِّلُ كَذَلِكَ مِنْ أَخْطَاءٍ فَادِحَةٍ لِعَمَالَةٍ قَلَّتْ أَمَانَتُهُمْ، وَفَسَدَتْ أَخْلاقُهُم، وَدَأَبُوا عَلى السَّرِقَةِ وَالغِشِّ وَالاحْتِيَالِ، فَكَانَ الهَدَفُ أنْ نَكُونَ يَدَاً وَاحِدَةً ضِدَّ تَسَيُّبِ العَمَالَةِ, وَأنْ نَكُونَ حِصْنَاً نِحْمِي مُجْتَمَعَنَا وَبَلَدَنَا, مِن أيْدٍ تُرِيدُ العَبَثَ بِأمْنِنَا وَشَعْبِنَا وَأمْوَالِنَا.

 

وَقَدْ أَعْطَتْنا الجِهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ وَقْتَاً مُحَدَّدَاً لِتَصْحِيحِ أَوضَاعِ عَمَالَتِنَا، فَلْنَكُنْ يَدَاً وَاحِدَةً مُتَعَاوِنَةً على البِرِّ والتَّقْوى, مُتَنَاهِيَةً عَن الإثْمِ والعُدْوَانِ.

 

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين،  وأن تغفر لنا وترحمنا.

 

 

المرفقات

ما لهم وما عليهم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات