العمالة السائبة المخالفة

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ تداعي الأيدي العاملة على بلادنا 2/ منطلقات شرعية مهمة في التعاطي مع العمال 3/ مظالم في جلب العمال واستخدامهم 4/ حكم بيع الفيزا للعمال 5/ حكم إيواء العمالة المتخلفين بلا إقامات 6/ ذم الجرأة على كسب الحرام 7/ مفاسد انتشار التحايل على الحرام والخداع في المجتمع.

اقتباس

ومما يخطئ فيه مكاتب الاستقدام، ويتعاونون مع بعض ضعفاء الضمائر لاستجلاب من لا حاجة له، فيأتون بهم ثم يتركونهم سائحين في الطرقات؛ ليعملوا ما شاءوا مقابل قسط من المال شهريّ يأخذونه من ذلك العامل، وهذا العامل إذا سُرِّح في الطرقات، فعجز عن المكاسب ربّما سلك الطرق المُلتوية، فما أقبحه من مكسب! وما أرذله من مال! فبأي سبيل تستحلّه؟! أنت أتيت به بستمائة ريال مثلاً، وتؤجّر الخادمة بألف أو ألفين، هذا الزائد لماذا تستحلّه؟! ليس ملكًا لك، وليس هذا رقيقًا تحتك..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده سبحانه ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، رضي الله عنهم ورضوا عنه إن الله لعليٌ حكيم.

 

أما بعد: فإن الله أسبغ علينا نِعَمًا تترادف، نعمٌ في شئون العبادات والدين. ونعم في تسخير البشر بعضهم لبعض: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف: 32].

 

ونحن نشهد في السنوات الأخيرة تداعي الأيدي العاملة على بلادنا، بشكل هائل لم نشهده من قبل. بل إن ملايين يتمنون اليوم الذي تطأ أقدامهم هذه البلاد لتحصيل لقمة العيش.

 

أيها الناس: ثمة أمور لابد من تذكّرها عند الحديث عن العمال:

الأول: أن من أعظم ما أنعم الله به على هذه البلاد أن رزقها سلامةً في المعتقد، فليس غريبًا إذًا أنّ من خرج منها يخرج بغير الفكر الذي دخل به، والحمد لله.

 

ثانيًا: أن هذا العامل مسلم فهو أخوك في الإسلام وإن كنت أغنى منه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في العبيد والأرقّاء: "إخوانُكم خَوَلكم". فكيف بالأجير الحر, بل قد يكون هو أفضل عند الله منك إن كان أتقى لله منك: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].

 

ثالثًا: ومما يخطئ فيه مكاتب الاستقدام، ويتعاونون مع بعض ضعفاء الضمائر لاستجلاب من لا حاجة له، فيأتون بهم ثم يتركونهم سائحين في الطرقات؛ ليعملوا ما شاءوا مقابل قسط من المال شهريّ يأخذونه من ذلك العامل، وهذا العامل إذا سُرِّح في الطرقات، فعجز عن المكاسب ربّما سلك الطرق المُلتوية، فما أقبحه من مكسب! وما أرذله من مال! فبأي سبيل تستحلّه؟! أنت أتيت به بستمائة ريال مثلاً، وتؤجّر الخادمة بألف أو ألفين، هذا الزائد لماذا تستحلّه؟! ليس ملكًا لك، وليس هذا رقيقًا تحتك.

 

أما الظلم والتحايل من مكاتب الاستقدام ومن يتعاون معهم ممن يتستّرون على المجرمين، ويتغاضون عن المفسدين، فهؤلاء في الحقيقة ساعون في الأرض فسادًا" (من خطبة لسماحة المفتي: عبد العزيز آل الشيخ بجامع الإمام تركي بن عبد الله).

 

رابعًا: مسألة يكثر السؤال عنها، ألا وهي إذا كان هذا العامل على كفالتك ، وسوف يعمل عندك، فما حكم بيع الفيزا له؟

الجواب: أنه قد أفتى علماؤنا في اللجنة الدائمة للإفتاء بتحريم بيع الفِيَز مطلقاً؛ "لأن في بيعها كذبًا ومخالفةً واحتيالاً على أنظمة الدولة، وأكلاً للمال بالباطل، قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) [البقرة: 188]، وثمن الفيز التي بعتها والنِّسَب التي تأخذها من العمال كسب محرم، يجب عليك التخلص منه، بأن تنفقه في وجوه البر والخير، من فقراء وإنشاء وبناء مرافق تنفع المسلمين" (فتاوى اللجنة الدائمة: 13/ 79).

 

قال الشيخ ابن عثيمين: "ومن استقدم عاملاً ووضعه في المحل ووفَّر له السكن والمعيشة، وفتح له المحل وتحمل الإيجار، وقال: اشتغل وتعطيني -مثلاً- في الشهر ألف ريال؛ فهذا لا يجوز لمخالفته النظام.. ثانياً: فيها مخالفة الشرع؛ لأن فيها جهالة وميسراً" (لقاءات الباب المفتوح 179/27).

 

أيّها المسلمون: والمسألة الخامسة مما يتعلق بالعمال: يظن بعض الجهال قليلي العلم ضعيفي الإيمان أن الحكومة لا تُطاع إلا فيما أمر الله به، وهذا ظن فاسد؛ لأن ما أمر الله به يجب علينا فعله إذا كان واجباً سواء أمرت به الحكومة أم لا؛ ولأننا لو قلنا: إن الحكومة لا تطاع إلا فيما أمر الله، لم يكن بينها وبين عامة الناس فرق في الطاعة، فكل إنسان يأمرك بما أمر الله به فهو واجب الاتباع إذا كان قد أوجب الله ذلك، لكن ولي الأمر له شأن خاص، فولي الأمر إن أمرك بما أمرك الله به صار فعلك واجباً من وجهين: من جهة أمر الله، ومن جهة أمر ولي الأمر، وإن أمرك بمحرم؛ فلا تطعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن أمرك بشيء ليس مأموراً به ولا منهياً عنه؛ فأطعه"(لقاءات الباب المفتوح 34 /9).

 

المسألة السادسة: إيواء العمالة المتخلفين بلا إقامات، أو بلا تراخيص لمزاولة التجارة، وهذا مع تحمُّل فاعله للغرامات والجزاءات؛ فهو أيضًا إعانة على الفوضى، وشيوع السرقات، وانتشار الأحياء السكنية العشوائية، إضافة إلى ضعف الرقابة الصحية والأمنية.

 

فلنحافظ على أمن واقتصاد وصحة وطننا، ولنساهم في القضاء على هذه العمالة غير النظامية، والتبليغ عنهم.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

فإن الله بيَّن لنا الحلال وبيَّن لنا الحرام، قال سبحانه وتعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157].

 

واعلموا -أيها الإخوة- أن الحرام خبيث لا يجوز إتيانه. ولكن أكثر الناس لا يفقهون ولا يتفقهون في الدين، بل بعضهم لا يبالون من حرام كان أم من حلال، ما دام أن هناك مكسباً. وهذا من علامات الساعة الصغرى، ففي صحيح البخاري أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ".(صحيح البخاري 2083).

 

ومن أعجب الأحاديث المحذِّرة حديث قَالَ فيه رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ" (مسند أحمد ط الرسالة:  3672).

 

أيها المسلمون: "إن في هذا الحديث لعبرةً وموعظةً لمن كان له قلب؛ فإنه يدل على أن كسب الحرام خسارة لا ربح فيه، فإن تصدق به لم يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه بعده كان زاده إلى النار كيف يليق بحال المؤمن أن يذهب دينه لأجل دنياه.. ألم يعلم أن المال وسيلة لقيام الدين والدنيا وأن اكتسابه بطريق محرم هدم للدين والدنيا" (الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين: 3 / 249).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ حِيَلًا وَخُدَعًا أَكْثَرَ مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ ..مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَغْنَاهُمْ عَنْهَا بِسُلُوكِ طَرِيقٍ إمَّا جَائِزٍ لَا رَيْبَ فِيهِ, أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا يَسُوغُ مَعَهُ الْأَخْذُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اجْتِهَادًا, أَوْ تَقْلِيدًا، وَهَذَا خَيْرٌ عِنْدَ مَنْ فَقِهَ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ مِنْ الْمُخَادَعَاتِ الَّتِي مَضْمُونُهَا الِاسْتِهْزَاءُ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّلَاعُبُ بِحُدُودِهِ"( إقامة الدليل على إبطال التحليل 6/ 35).

 

اللهم ألقِ على النفوس المضطربة سكينة، وأثبها فتحًا قريبًا. ربنا اهد حيارى البصائر إلى نورك، وضُلَّال المناهج إلى صراطك، والزائغين عن السبيل إلى هداك.

المرفقات

العمالة السائبة المخالفة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات