عناصر الخطبة
1/منزلة محبة الله -تعالى- 2/من أبرز علامات محبة الله لعبدهاقتباس
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: ابْتِلَاؤُهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -تَعَالَى- أَنْ يَخُصَّ عَبْدًا بِمَحَبَّتِهِ، زَادَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَاءِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِهِ؛ اصْطَفَاهُ وَأَهَّلَهُ لِمَحَبَّتِهِ، وَإِنْ كَرِهَ وَفَزِعَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى- لِعَبْدِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَزَايَا الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي يَمْنَحُهَا اللَّهُ بَعْضَ عِبَادِهِ، فَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- وَفَّقَهُ اللَّهُ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِ عِبَادِهِ إِلَيْهِ، بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ، فَفَازَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ تَسَابَقَ إِلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالْمَلَائِكَةُ، وَالْأَوْلِيَاءُ، وَالصَّالِحُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللَّهِ لَهُ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ، فَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- لِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ عَلَامَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا، فَإِذَا مَا اخْتَصَّ اللَّهُ عَبْدًا بِمَحَبَّتِهِ، وَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ؛ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ وَفِيهِ بَوَارِقُ تِلْكَ الْعَلَامَاتُ، الَّتِي تُؤَكِّدُ حُصُولَ الْمَحَبَّةِ، وَصِدْقَ مَنْ يَدَّعِيهَا، وَمِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ:
أَنْ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُعْطِي الْمَالَ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ"(صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)، فَلَيْسَتْ كَثْرَةُ الْمَالِ مِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَإِنَّمَا بِإِعْطَائِهِ الْإِيمَانَ، وَتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى الْمَمَاتِ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ -تَعَالَى- عَبْدًا، وَضَعَ لَهُ الْقَبُولَ فِي الْأَرْضِ، وَأَحْدَثَ لَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَوَدَّةً؛ فَتُحِبُّهُ الْقُلُوبُ، مِنْ غَيْرِ تَوَدُّدٍ مِنْهُ، وَلَا تَعَرُّضٍ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي تُكْسَبُ بِهَا مَوَدَّاتُ الْقُلُوبِ، مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوِ اصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا اخْتِصَاصٌ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لِأَوْلِيَائِهِ بِكَرَامَةٍ خَاصَّةٍ، وَفِي هَذَا يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مَرْيَمَ: 96]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: حِفْظُ جَوَارِحِهِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَالْمَعْنَى: كُنْتُ حَافِظَ سَمْعِهِ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يَحِلُّ اسْتِمَاعُهُ، وَحَافِظَ بَصَرِهِ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، فَلَا يُبْصِرُ إِلَّا مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ... إِلَخْ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ -تَعَالَى- يُوَفِّقُهُ وَيُسَدِّدُهُ فِيمَا يَسْمَعُ، وَيُبْصِرُ، وَيَمْشِي، وَيَبْطِشُ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: حِمَايَتُهُ مِنَ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا إِنْ كَانَتْ تُفْسِدُهُ: حُبُّ اللَّهِ، وَحُبُّ الدُّنْيَا وَالتَّعَلُّقُ بِهَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ امْرِئٍ أَحَبَّهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَالسَّعِيدُ مَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَالشَّهَوَاتِ، وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ -تَعَالَى- بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقِيَهُ الدُّنْيَا وَأَعْرَاضَهَا، وَيَصْرِفَ عَنْهُ مَشَاغِلَهَا؛ لِيَبْقَى قَلْبُهُ نَقِيًّا طَاهِرًا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ يُحِبُّهُ، كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، تَخَافُونَ عَلَيْهِ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَقَالَ أَيْضًا: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا، كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّ مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَفْقَرَهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ أَغْنَاهُ!، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ اللَّهَ يَعْصِمُهُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، وَيَصْرِفُ قَلْبَهُ عَنْ حُبِّهَا، وَالِانْشِغَالِ بِهَا؛ لِئَلَّا يَرْكَنَ إِلَيْهَا، وَيَنْسَى هَمَّ الْآخِرَةِ، فَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمْلِكَهَا، كَمَا هُوَ حَالُ سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، وَحَالُ بَعْضِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ فَقَالُوا: "مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-؟"، قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: ابْتِلَاؤُهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -تَعَالَى- أَنْ يَخُصَّ عَبْدًا بِمَحَبَّتِهِ، زَادَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلَاءِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِهِ؛ اصْطَفَاهُ وَأَهَّلَهُ لِمَحَبَّتِهِ، وَإِنْ كَرِهَ وَفَزِعَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ؛ رَجَعَ بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابِ اللَّهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: "إِذَا كُنْتَ تُحِبُّهُ وَهُوَ يَبْتَلِيكَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُصَافِيَكَ".
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"(حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَقَالَ أَيْضًا: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ، فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا"(حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِنَفْعِ النَّاسِ وَإِعَانَتِهِمْ، وَتَفْرِيجِ كُرُوبِهِمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا"(حَسَنٌ لِغَيْرِهِ، رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا).
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ...
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ:
التَّوَاضُعُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْغِلْظَةُ عَلَى الْكَافِرِينَ: فَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- وَيُحِبُّونَهُ، كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[الْمَائِدَةِ: 54]، وَقَالَ أَيْضًا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الْفَتْحِ: 29]، فَهُمْ يَرْأَفُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَيَرْحَمُونَهُمْ، وَيَلِينُونَ لَهُمْ، وَيُغْلِظُونَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَيَشْتَدُّونَ عَلَيْهِمْ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ خَاذِلُهُمْ، وَمُهْلِكُهُمْ، وَإِنِ اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ، وَظَهَرَ عُلُوُّهُمْ وَقَهْرُهُمْ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: نَصْرُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَتَأْيِيدُهُ وَإِعَانَتُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، أَيْ: أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ، فَإِنَّ مُحَارَبَةَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُهْلِكَهُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَقَدْ تَعَرَّضَ لِإِهْلَاكِي إِيَّاهُ، فَاللَّهُ -تَعَالَى- يُؤَيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي يُحِبُّهُ، وَيُعِينُهُ، وَيَنْصُرُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: إِجَابَةُ دُعَائِهِ؛ كَرَامَةً لِمَنْ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَإِظْهَارًا لِمَزِيَّتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ، وَيُحَقِّقُ سُؤْلَهُمْ، فَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: "وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَإِذَا سَأَلَ اللَّهَ أَعْطَاهُ، وَإِنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعَاذَهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، فَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ.
بَلْ إِنَّهُ لِشِدَّةِ قُرْبِهِ مِنَ اللَّهِ، وَعَظِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ سَائِلًا أَمْرًا مَّا، لَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ مَغْمُورًا فِي مُجْتَمَعِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- خَصَّهُ بِالْمَحَبَّةِ، وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالنُّصْرَةِ؛ لِصِدْقِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِلرِّفْقِ وَاللِّينِ، وَتَرْكِ الْعُنْفِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ أَهْلَ بَيْتٍ أَدْخَلَ عَلَيْهُمُ الرِّفْقَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا).
وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِعَبْدِهِ: يُوَفِّقُهُ اللَّهُ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا عَسَلَهُ"، أَيْ: وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يُتْحِفُهُ بِهِ، كَمَا يُتْحِفُ الرَّجُلُ أَخَاهُ إِذَا أَطْعَمَهُ الْعَسَلَ، قَالُوا: مَا عَسَلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ"، أَوْ قَالَ: "مَنْ حَوْلَهُ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ)، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ؟ قَالَ: "عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم