العظات والعبر من الإسراء والمعراج

محمد بن حسن المريخي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ قصة الإسراء والمعراج وأحداثها 2/ بعض العظات والعبر المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج

اقتباس

حدثت حادثة عظيمة لأهل الأرض والسموات لم يعهدوها ولم يعرفوا مثلها من قبل، في مكة البلد الحرام في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- -صلى الله عليه وسلمَ- ينفرج سقف البيت وينشق ورسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- نائم، فينزل جبريل ومعه ملكان -عليهم السلام-، ويأخذوا...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أشرفت بنور وجهه السموات والأرض، وعمّ بجوده جميع الكائنات، أحمده -سبحانه- وأستعينه وأشكره وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الهداة المهتدين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله وطاعته ومراقبته والتفكر في هذا الكون الفسيح وفي تدبير الله لكل أموره، فما يتحرك فيه متحرك ولا تسكن فيه ساكنة إلا بإذنه، فسبحان ربنا وتقدس.

 

عباد الله: في ليلة من ليالِ هذه الدنيا، وفي وقت أراد الله -سبحانه- أن يبدل مجريات الأمور في هذا الكون، حدثت حادثة عظيمة لأهل الأرض والسموات لم يعهدوها ولم يعرفوا مثلها من قبل، في مكة البلد الحرام في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- -صلى الله عليه وسلمَ- ينفرج سقف البيت وينشق ورسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- نائم، فينزل جبريل ومعه ملكان -عليهم السلام-، ويأخذوا رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- إلى زمزم، ويشق صدره الكريم، ويستخرج قلبه، وينزع منه حظ الشيطان، ويغسل بزمزم ثم يملئ القلب بإذن الله حكمة وإيماناً، ثم يطبق جبريل صدر رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- -صلى الله عليه وسلمَ-، ويؤتى له بدابة دون البغل، وأكبر من الحمار بيضاء فتحمله وجبريل إلى المسجد الأقصى، وتضع حافرها عند مدً بصرها، فيسري به إلى الأقصى وهناك يحيى الله له جميع الأنبياء والمرسلين، فيصلي بهم عليه الصلاة والسلام ركعتين إماماً، ثم يعرج به إلى السموات السبع، ويطرق جبريل باب كل سماء فتفتح بإذن الله، ويقابل الأنبياء والمرسلين فيجد آدم وإدريس وموسى وعيسى وابراهيم -صلوات الله عليهم وسلامه-، فيجد آدم -عليه السلام- في السماء الدنيا عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، فإذا نظر إلى من هم عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى الذين عن شماله بكى، فسأل جبريل عن هذا الرجل ومن عن يمينه وشماله، فقال: "هذا آدم وهؤلاء الذين عن يمينه ذريته أهل الجنة والذين عن يساره ذريته أهل النار" (رواه البخاري).

 

حتى يأتي سدرة المنتهى فيتقدم ويتأخر جبريل قائلاً: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ) [الصافات: 164]، ويناجي رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- -صلى الله عليه وسلمَ- ربه ويفرض عليه الصلوات الخمس بأجرها الخمسين، حيث تردد بين ربه وموسى حتى خففت إلى خمس صلوات بعد أن كانت خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم يرجع إلى الأرض في ليلته ويصبح فيخبر قريشاً فتكذبه وتسخر منه ويصدقه أبو بكر -رَضي الله عنه- ويسميه النبي -عليه الصلاة والسلام-: صديقاً، ويكون المسجد الأقصى قبلة للمسلمين ستة عشر شهراً وزيادة، ويموت من الصحابة بعضهم وهو يصلون إلى الأقصى، ثم يكرم الله -تعالى- رسوله فيعطيه مناه الذي تمناه بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام، يقول تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: 144]، وتصبح الكعبة أو البيت الحرام قبلة المسلمين، ويكون المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، فالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى مساجد تشد إليها الرحال، لها أفضلية وقدسية على سائر المساجد في الدنيا، أما بقية المساجد فتتساوى في الفضل والأجر.

 

هذا -عباد الله- سرد سريع لأحداث الإسراء والمعراج، ومناسبة ذكره اليوم بيان ما للمسجد الأقصى من قدسية عند الله ورسوله والمؤمنين فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين والصلاة فيه بخمسمائة صلاة، وهو مبارك وما حوله مبارك: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1].

 

والمسجد الأقصى اليوم في يد أخوة الخنازير اليهود، والذين يحاولون في كل يوم هدمه لإقامة هيكلهم المكذوب والمسلمون في هذه الأزمان المتأخرة منذ ثلاثين سنة وأكثر أو أقل وهم يحاولون تطهيره من الأرجاس اليهودية والمسلمون هناك في كل يوم يموتون أو يودعون واحداً تلو الآخر، يموتون دفاعاً عن الأقصى لا يملكون إلا أجسادهم وصدورهم العارية والحجارة، وإلى الآن لا يملك العرب المسلمون حيلة لتخليص أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

 

أيها الإخوة في الله: إن من العبر والعظات التي تؤخذ من حادثة الإسراء والمعراج هو: التفكر في ربط الله -تعالى- بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فلم يكن الربط عبثاً -تعالى- الله عن ذلك علواً كبيراً، ولكنه إشارات وتنبيهات لهذه الأمة حتى لا تفرط في الأقصى؛ فإن له من الحرمة والقدسية عند الله كما للمسجد الحرام والنبوي، كيف لا وهو قبلة الأنبياء والمرسلين، وهو قبلة لنا أول الأمر، وأشار الله -تعالى- في كتابه ورسوله في سنته إلى مكانة الأقصى، فهل يجوز أن يفرط في المسجد الحرام -لا قدر الله- أو المسجد النبوي؟

 

فإذا كان الجواب: ان أرواح المسلمين وأجسادهم في مشارق الأرض ومغاربها فداءً للحرمين، كذلك أن دماء المسلمين وأرواحهم تذهب فداءً للأقصى، وتحول أجسادهم دون مس الأقصى أو تدنيسه.

 

نعم كذلك الشعور الإيماني عند المسلمين أهل السنّة بالنسبة للمسجد الأقصى، وسائر المقدسات الشرعية الإسلامية، ولكن هو أن الأمة وما أصابها من ضعف وهزيمة نفسية وتفكيرية وقلة الإيمان وسوء الظن بالله رب العالمين، وضعف الثقة به، وما عنده من الأجور والثواب والوعد الصادق، والضعف بالمغيبات والثقة بالمحسوسات والاغترار بما عند الناس، وخاصة عند الكافرين والخوف منهم، كل ذلك وغيره وأكثر منه جعل الحال كما ترون وتسمعون، حتى جاهر الأعداء بمساندة اليهود، ومدهم بالسلاح، وإحباط المشاريع العربية والإسلامية التي تدين اليهود، والوقوف معهم بقوة وحزم، بهذا جاهر الصليبيون، ويجاهرون اليوم وفي كل وقت والأمة تسمع وترى بعيون شاخصة، وآذان صاغية، وريق يكاد يجف ولسان يكاد ييبس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ومن العبر والعظات المأخوذة من الإسراء والمعراج: صلاتكم هذه التي تصلونها، والتي قلّ وزنها عند كثيرين من أبناء الأمة وضعف الاهتمام بها إلى درجات لا يكاد يتصورها العاقل، فهي تؤجل لأدنى سبب، وتهمل لأحقر شاغل، ويمكن أن تلغى نهائياً عند البعض وما زال كبار وكهول من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- لا يصلون الصلاة نهائياً أو يأتونها على فترات عند الفراغ من الدنيا وشواغلها ينقرونها نقراً كأنهم يمنون على الله أن صلوا له ركعة، ومن وراء هؤلاء ظهرت الأجيال التي ألقت الاهتمام بالصلاة، فلا تستبعدون أن ينام الآن أبناءنا عن صلاة الجمعة فضلاً عن الصلوات الخمس.

 

والمقام ليس مقام بيان حال الصلاة في الشرع ولكن عظة تؤخذ وعبرة تستفاد من الإسراء والمعراج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- أوصى بها وهو يودع الناس والدنيا وهو على فراش الموت، ثبت أنه كان يقول: "الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم".

 

وقد عرفتم أن الله -تعالى- شرع الصلاة وفرضها على رسوله وعباده في المعراج في السموات، بينما سائر الأركان شرعت في الأرض أو جاء الأمر بها عن طريق جبريل -عليه السلام- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-، وهذا يعني أهمية الصلاة ويبين مقامها، وقد قال تعالى موصياً بها: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، وقال: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) [البقرة: 238].

 

وهمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- بإحراق بيوت على أهلها؛ لأن رجالها لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، ولولا ما في البيوت ممن لا جماعة عليهم ولم يطالبهم الله -تعالى- بشهود المساجد: "مثل النساء والذرية" لأحرق عليهم بيوتهم، وقال عليه الصلاة والسلام: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى قوم في منازلهم لا يشهدون الصلاة في جماعة فأحرقها عليهم" (متفق عليه)، وقال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وقال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".

 

لقد أظلمت قبور على أهلها بسبب إهمالهم وتركهم لأوامر ربهم وأركان دينهم، فقال صلى الله عليه وسلمَ: "إن هذه القبور مظلمة على أصحابها" (رواه مسلم).

 

ودخلت أقوام النار بسبب تركهم الصلاة: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [المدثر: 42] يعني في النار (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر: 43 - 46].

 

هذه بعض الزواجر عن ترك الصلاة، وهناك زواجر لن يصلونها، ولكنهم يخلون بأركانها ويهملون في أدائها ولا يراعونها حق رعايتها.

 

ومن العظات والعبر من الإسراء والمعراج والتي ظهرت في هذه الأيام هو: ذهاب الشعور بحال الأقصى وأسره، وتدنيس يهود له، وما يراق من دماء، وما يقتل ويذبح من أبناء المسلمين في فلسطين.

 

فالملاحظ أن الشعور مؤقت، ظننا أن الأمة استيقظت من نومها بقيام المسلمين، ونظرتهم الايمانية، وتناديهم لتحرير الأقصى، وهجران الذنوب والمعاصي، وما لبثنا حتى عاد الناس إلى سباتهم وغفلتهم يرقصون ويغنون ويلعبون ويعصون، فالشعور الذي حثهم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- في الحديث الصحيح غير موجود وهو قوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" (رواه مسلم).

 

مودتهم مؤقتة، وتراحمهم سهل مهزوز ضعيف ما يلبث أن ينقطع -نسأل الله العافية-.

 

ففي هذه الأيام نكاد ننسى أو لا نجد الاهتمام الذي كان عندنا في الأيام الفائتة، مع أن الدم الإسلامي ما زال ينزف والذبح والقتل لإخواننا لم يتوقف من قبل أخوة الخنازير، وما زال الأقصى يئن من وطأة الأرجاس، فلماذا الشعور لا يدوم؟ ولماذا لا يستمر هل هي الدنيا أم الذنوب؟

 

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله راقبوه والتفتوا إلى إخوانكم بالدعاء ومد يد العون، واعلموا أن الدعاء سلاح يجهله أكثر المسلمين لا يهتمون به ولا يطمئنون إليه لدرجة أنهم يتوقفون عنه ويتركونه، ولو خلصت النيات، وطهرت القلوب، ودعا المؤمنون ربهم، لرأيتم الحال كيف ينقلب على عدوكم؟

 

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الشعور بأخوة الإسلام والإيمان، وأن ينصر الدين الحنيف وجماعة المسلمين، ويخذل عدونا من اليهود والنصارى، ومن يقف معهم إنه سميع قريب.

 

 

المرفقات

والعبر من الإسراء والمعراج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات