العاديات

تركي بن عبدالله الميمان

2023-03-17 - 1444/08/25 2023-03-18 - 1444/08/26
عناصر الخطبة
1/تفسير سورة العاديات

اقتباس

وَمِنْ صِفَاتِ الخَيلِ: أَنَّهَا تَقُوْمُ بِالإِغَارَةِ عَلَى الأَعْدَاءِ في وَقْتِ الصَّبَاحِ؛ لِمُفَاجَأَةِ العَدُوِّ؛ وَهَذَا أَفْضَلُ الأَوْقَاتِ؛ لِبَدْءِ الغَارَات؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الغَفَلَاتِ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه؛ واتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا مِنْ خَيْرِ الدَّوَاب، وَأَشْرَفِ الآلات، وَعَلَى ظَهْرِهَا فُتِحَتْ الفُتُوْحُ، وَانْتَشَرَ الإِسْلَامُ؛ إِنَّهَا الخَيْل.

 

وَأَقْسَمَ اللهُ بِالخَيلِ؛ لِمَا فِيْهَا مِنْ آيَاتِهِ البَاهِرَةِ، وَنِعَمِهِ الظَاهِرَةِ؛ فقال سبحانه وتعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا): وَسُمِّيَتْ الخَيْلُ بِـ(العَادِيَاتِ)؛ لِأَنَّهَا تَعْدُو عَدْوًا سَرِيْعًا؛ يَصْدُرُ عَنْهُ الضَّبْح: وَهُوَ صَوْتُ نَفَسِهَا في صَدْرِهَا.

 

وَلِسُرْعَةِ الخَيْلِ، وَصَلَابَةِ حَوَافِرِهَا، وَاحْتِكَاكِ أَقْدَامِهَا بِالحَصَى؛ تَقْدَحُ مِنْهُا النَّار.

 

(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا): قَالَ المُفَسِّرُوْنَ: “هِيَ الْخَيْلُ تُورِي النَّارَ بِحَوَافِرِهَا إِذَا سَارَتْ فِي الْحِجَارَةِ”.

وَمِنْ صِفَاتِ الخَيلِ: أَنَّهَا تَقُوْمُ بِالإِغَارَةِ عَلَى الأَعْدَاءِ في وَقْتِ الصَّبَاحِ؛ لِمُفَاجَأَةِ العَدُوِّ؛ وَهَذَا أَفْضَلُ الأَوْقَاتِ؛ لِبَدْءِ الغَارَات؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الغَفَلَاتِ! (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا): وَهَذَا أَمْرٌ أَغْلَبِي؛ أَنَّ الغَارَةَ تَكُوْنُ صَبَاحًا.

 

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا)؛ أَيْ أَنَّ هَذِهِ الخَيْل؛ تُثِيرُ الغُبَارَ والتُّرَابَ بِحَوَافِرِهَا.

 

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)؛ أَيْ تَتَوَسَّطُ الخَيْلُ بِرَاكِبِهَا جُمُوْعَ الأَعْدَاءِ، عَلَى حِيْنِ غِرَّةٍ، وَتُثِيرُ الرُّعْبَ في صُفُوْفِ العدو.

 

وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِن الخَيْلِ: صِفَاتٌ حَمِيدَةٌ يُحِبُّهَا اللهُ؛ وَلِهَذَا أَقْسَمَ بِهَا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهَا وَنَفْعِهَا وَبَرَكَتِهَا! قال البِقَاعِي: “وَإِنَّمَا أَقْسَمَ بِهَا؛ لِيُتَأَمَّلَ مَا فِيْهَا مِنْ الأَسْرَارِ الكِبَارِ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّ الَّذِي خَصَّهَا بِذَلِكَ: فَاعِلٌ مُخْتَار، وَاحِدٌ قَهَّار!”.

 

قال -صلى الله عليه وسلم-: “الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيْهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ!”(رواه البخاري ومسلم). قال ابنُ عَبْد البَرّ: “الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِلْجِهَادِ: هِيَ الَّتِي فِي نَوَاصِيها الْخَيْرُ! وَمَا كَانَ مُعَدًّا لِلْفِتَنِ وَسَلْبِ الْمُسْلِمِينَ؛ فِتِلْكَ: خَيْلُ الشَّيْطَانِ!”.

 

وَأَقْسَمَ اللهُ بِالخَيْلِ: على (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)؛ أَيْ طُبِعَ عَلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ وَجَحُودِهَا، وَتُنْسِيْهِ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِسَاءَةِ: الْخِصَالَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْإِحْسَانِ؛ كما أَنَّهُ يُنْفِقُ نِعَمَ اللهِ في مَعَاصِي اللهِ! وَيَزْدَرِي القَلِيْلَ، وَلَا يَشْكُرُ الكَثِير! وَيَنْسَى كَثِيرَ النِّعْمَةِ: بِقَلِيلِ المِحْنَةِ، وَيَلُومُ رَبَّهُ في أَيْسَرِ نِقْمَةٍ! قال الْحَسَنُ: “لَوَّامٌ لِرَبِّهِ، يَعُدُّ الْمَصَائِبَ، وَيَنْسَى النِّعَمَ!”.

 

وَالإِنْسَانُ يَعْرِفُ هَذِهِ الصِّفَةَ من نَفْسِهِ، وَلا يُنْكِرُهَا؛ بَلْ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَنُودٌ! (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ).

 

ويَشْهَدُ العَاصِي عَلَى نَفْسِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ بِالكُنُودِ وَالجُحُودِ! (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النُّورِ: 24].

 

واللهُ سبحانه وتعالى شَهِيْدٌ وَمُطَّلِعٌ عَلَى مَا في قَلْبِ الإِنْسَانِ: مِنْ الجُحُودِ والكُفْرَانِ! وَمَا يَعْمَلُهُ مِن الفُسُوقِ والعِصْيَانِ! وهَذَا تحْذِيرٌ وَوَعِيدٌ، لِمَنْ يَعْصِ اللهَ في السِّرِّ والعَلَنِ؛ وأَنَّ اللهَ سَيُحَاسِبُهُ عَلَى ذَلِكَ! (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النِّسَاءِ: 123].

 

وَحُبُّ الْمالِ والدُّنْيَا؛ هُوَ مَنْشَأُ الصِّفَاتِ الذَّمِيْمَةِ؛ قال سبحانه: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدُ)؛ أَيْ شَدِيْدُ التَّعَلُّقِ بِالمَالِ، حَرِيْصٌ في طَلَبِهِ، مُتَهَالِكٌ عَلَيْهِ.

 

وَحُبُّ المَالِ؛ جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوْس، وَلِكَنَّ المَذْمُوْم: أَنْ يَكُوْنَ عَبْدًا لِهَذَا المَال، مُتَعَلِّقًا بِالدُّنْيا الفَانِيَةِ، غَافِلاً عَن الآخِرَةِ البَاقِيَةِ.

 

وَمِنْ أَعْظَمِ الأَدْوِيَةِ: لِأَمْرَاضِ الكُنُودِ والجُحُوْدِ، والغَفْلَةِ والجُمُوْدِ: التَّذْكِيرُ بِمَشْهَدِ الآخِرَةِ! يَقُولُ تعالى-مُذَكِّرًا بِأَوَّلِ مَنَازِلِهَا-: (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ)؛ أَيْ أَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا الغَافِل: أَنَّ مَآلَهُ إلى القُبُورِ، ثُمَّ يُبْعَثُ لِلْحَشْرِ والنُّشُوْر (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [المعارج: 43].

 

وَبَعْدَ بَعْثَرَةِ القُبُوْرِ: وَإِخْرَاجِ مَا فِيْهَا مِنْ الأَجْسَادِ؛ تُبَعْثَرُ مَا في الصُدُوْرِ، وَيُخْرَجُ مَا فِيْهَا مِنْ الأَسْرَار! يَقُولُ ﷻ: (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)؛ أَيْ ظَهَرَ وَبَانَ مَا في القُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ! وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ سَلَامَةَ القَلْبِ: أَوْلَى مِنْ سَلَاَمَةِ القَالَب؛ فَالأَيَّامُ تَفْنَى، وَالأَبْدَانُ تَبْلَى، وَلا تَبْقَى إِلَّا الأَعْمَالُ الجَمِيْلَةُ، وَالْقُلُوْبُ السَّلِيْمَةُ! (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 87-89]. قال ابْنُ القَيِّم: “هُوَ الَّذِي سَلِمَ مِن الشِّرْكِ، وَالْغِلِّ، وَالْحِقْدِ، وَالْحَسَدِ، وَالْكِبْرِ!”.

 

وَأَعْظَمُ النَّجَاةِ: عِنْدَ بَعْثَرَةِ القُبُوْرِ، وَإِبْرَازِ مَا تُكِنُّ الصُدُوْرِ: هُوَ تَوْحِيدُ الرَّحْمَن، ونَبْذُ الشِّرْكِ وَالعِصْيَان، قال أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي: “لَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ الكَافِر، مَا لَهُ في ذَلِكَ اليَوْم؛ لَبَادَرَ إِلَى الإِسْلَامِ!”.

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

عِبَادَ الله: قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ)؛ أَيْ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِم الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، وَمُجَازِيْهِم عَلَيْهَا.

 

وَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ، والاِسْتِقَامَةِ على طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ في هَذِهِ الدُّنْيا: سَتَلْقَى جَزَاءَهُ في الآخِرَةِ، جَاءَ في الأَثَرِ: “عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ!”(رواه الطبراني وحسنه الألباني).

 

اِعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا *** الْجَارُ أَحْمَدُ وَالرَّحْمَنُ بَانِيهَا

أَرْضٌ لَهَا ذَهَبٌ وَالْمِسْكُ طِينَتُهَا *** وَالزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فِيهَا

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].

 

 فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات

العاديات.doc

العاديات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات