الطهارة

محمد بن سليمان المهنا

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الطهارة
عناصر الخطبة
1/ عدم اعتناء الجاهليين بالنظافة 2/ منزلة الطهارة في الإسلام 3/ بعض أحكام الطهارة 4/ المسح على الخفين

اقتباس

وينبغي للمسلم في وضوئه أن يعمل بالسنن التي تكمل وضوءه؛ فمنها أن يستاك عند الوضوء، ومنها لا يتجاوز مقدار الماء الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ به، فقد جاء في الصحيحين أنه كان يتوضأ بالمد، ولو تأملت -يا أخي- هذا الحديث لأصابتك الدهشة مما يفعله بعض الناس اليوم، فقد يفتح أحدهم الماء بقوة ثم يبدأ في وضوئه، فإذا انتهى من وضوئه إذا به قد استنفد أرطالاً وأسطالاً من الماء ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: فإن الله تبارك وتعالى بعث نبيه -صلى الله عليه وسلم- بشريعة الإسلام، شريعةٍ شاملةٍ عامةٍ، كاملةٍ تامةٍ، ليس فيها نقصٌ ولا غلط، ولا وكسٌ ولا شطط، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].

ولقد جاء الله بهذا الشريعة عظيمة المزايا، كريمة الصفات، فمن أراد حصر فضائل هذا الدين فقد رام المستحيل، ولكن حسبنا الآن أن نتحدث عن فضيلة واحدة من فضائله وشمائله.

إنها خصلة طيبة كريمة دعت إليها الشريعة، وجبَل الله النفوس على حبها، وحب من اتصف بها وحافظ عليها؛ إنها النظافة، نعم! النظافة والطهارة في الظاهر والباطن.

أما نظافة الباطن فعنوان عريض لن نخوض الآن غماره، وأما نظافة الظاهر فموضوع حديثنا، وعلى الله التكلان.

أيها المسلمون: كان الناس في الجاهلية على حال مزرية من الجهالة والفساد والسوء، حتى شمل ذلك انحطاطهم في شأن أبدانهم، فلا يُعْنون بتطهيرها ولا إكرامها.

ولنكتف في التمثيل على ذلك بما حدثتنا به أمنا الكريمة أم المؤمنين زينب -رضي الله عنها-، فقد أخرج البخاري ومسلم عنها -رضي الله عنها- أنها وصفت حال المرأة في الجاهلية إذا مات عنها زوجها، فأخبرت أن المرأة كانت إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً، أي بيتاً صغيراً حقيراً، ومكثت فيه سنةً كاملةً، لابسةً شرَّ ثيابها، ولم تمس طيباً ولا ماء ولا شيئاً. فما ظنكم بما يتراكم عليها من الأوساخ والأقذار وهي في ذلك الحفش وتلك الثياب؟.

ثم إذا أكملت سنة على تلك الحال أُذن لها في الخروج، وقبل ذلك يأتونها بشيء تتمسح به وتنقي به وسخها ودرنها، ولكن ما هذا الشيء الذي يؤتى به؟ أيأتونها بالمناديل أو الرقاع؟ كلا؛ بل كانوا يعطونها دابةً من الدواب الحية كحمار أو شاة أو طير لتتمسح بها، قالت زينب -رضي الله عنها-: فقلما تفتض (أي تتمسح) بشيء إلا مات. يعني أنها إذا تمسحت بتلك الشاة أو الطير مات ذلك الذي تمسحت به لقذارتها ودرنها.

فانظر إلى هذا النقل الصحيح عن زينب -رضي الله عنها- يتبينْ لك مقدار ذلك المجتمع الذي فيه بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فلما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء الله بالإسلام تغير القوم، فتحولوا من الغلظة والجفاء إلى اللين والنقاء والصفاء، أصبح ذلك الأعرابي الذي يمضي الأيام لا يمس الماء أصبح يتوضأ بالماء خمس مرات كل يوم، وأصبح الغسل محل عناية الشرع، فهو واجب أحياناً، ومندوب أحياناً أخرى، بصفات غاية في الطهر والنقاء.

ولم يكن التطهر أمراً يسيراً عند المسلمين، بل كان أمراً مهماً أشد الأهمية، فمن لم يتطهر لم تصح صلاته، ومن لم يصل فليس بمسلم؛ ولقد رتب الله على التطهر عظيم الثواب، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب".

أيها المسلمون: إنه لينبغي على المسلم أن يحرص أشد الحرص على هذا الأمر الشريف ما دام من الشرع بهذه المكانة.

فاستمع الآن -يا أخي في الله- إلى شيء من أحكام الطهارة، علَّك أن تعرف سنة نبيك فيها، فتتطهر طهارة تحُتُّ عنك الذنوب، وتدخل فيها في عداد الذي اتبعوا سنة رسول الله فقال الله فيهم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ? وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].

فمن أحكام الطهارة أن يستتر الإنسان عند قضاء حاجته عن الأنظار، وإن كان في البر فلا يجوز له أن يستقبل القبلة ولا يستدبرها كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.

ثم يستنجي بالماء، وإن شاء استجمر بالحجارة، غير أنه في ذلك لا يمس ذكره بيمينه.
فإذا أراد أن يتوضأ، فليبدأ بالبسملة فيقول: بسم الله؛ فإن ذلك مستحبٌّ، وإن تركها فلا شيء عليه.

ثم يبدأ فيغسل يديه ثلاثاً، وهذا الغسل مستحبٌّ وليس بواجب، ثم يبدأ بالواجبات فيتمضمضُ ويستنشقُ ثلاثاً، والملاحظ أن كثيراً من الناس يتمضمضون ثلاث مرات، ثم يستنشقون ثلاث مرات، وهذا خلاف الأولى، لأن السنة أن يأخذ الإنسان في كفه ماءً فيتمضمض ويستنشق بذلك الكف نفسه.

إذن فالأفضل أن يأخذ ثلاثة أكف من الماء، يتمضمض ويستنشق من الكف الأول ثم الثاني كذلك ثم الثالث كذلك.

ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه ثلاث مرات من أطراف الأصابع حتى المرفقين، ثم يمسح برأسه مرة واحدة مع أذنيه، ثم يغسل رجليه إلى المرفقين ثلاثاً.

ولْيَعْلَم المسلم أنَّ غسله لأعضائه ثلاث مرات إنما هو الأفضل، ويجوز غسل الأعضاء مرة، ويجوز مرتين، والثلاث أفضل، فإن زاد على الثلاث فقد أخطأ ويخشى عليه من الإثم، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فمن زاد على ذلك -يعني على الثلاث- فقد أساء وتعدى وظلم".

وينبغي للمسلم إذا مسح برأسه أن يمسح أذنيه بنفس الماء الذي مسح به رأسه، فإذا مسحتَ رأسك فامسح أذنيك بالماء المتبقي من مسح الرأس، ولا تأخذ للأذنين ماءً جديداً.

وينبغي للمسلم في وضوئه أن يعمل بالسنن التي تكمل وضوءه؛ فمنها أن يستاك عند الوضوء، ومنها لا يتجاوز مقدار الماء الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ به، فقد جاء في الصحيحين أنه كان يتوضأ بالمد، ولو تأملت -يا أخي- هذا الحديث لأصابتك الدهشة مما يفعله بعض الناس اليوم، فقد يفتح أحدهم الماء بقوة ثم يبدأ في وضوئه، فإذا انتهى من وضوئه إذا به قد استنفد أرطالاً وأسطالاً من الماء!.

ومما يجب على المسلم أن يتأكد من وصول الماء إلى أعضائه، ففي الصحيحين مرفوعاً: "ويل للأعقاب من النار".

ومن الناس من ابتلي بالوسواس، فلا يطمئن في طهارته، فربما كرر غسل أعضائه، وربما أعاد وضوءه، وربما شك أحياناً كثيرة في انتقاضه، فليتق الله من وجد ذلك، فإن ذلك من الشيطان وهو عدو لابن آدم، فلا يزال يوسوس له ليؤذيه ويفسد عليه عبادته، فتذكر أيها المؤمن أن ذلك من الشيطان، فهو الذي يلقي في قلبه الوساوس والشكوك، فإن تماديت معه استمر بك حتى يوصلك إلى أسوأ الأحوال، حتى لقد يترك الإنسان الصلاة من أجل ذلك.

والحل لهذه المشكلة أن يعزم الإنسان عزمةً قوية، عزمة رجلٍ حازم، فيتطهر كما يتطهر المسلمون، فإن أتاه الشيطان بالشك فليطرده أشد الطرد، وهو في ذلك مستعين بربه ومولاه، وليعد المحاولة مرة ومرات، فسينجو ويشفى بإذن الله.

أيها المسلمون: ما تقدم إنما هو حديث عن أحكام الحدث الأصغر، أما من عليه حدث أكبر وهو الجنابة فعليه الغسل، والغسل واجب في أحوال، فمنها إذا خرج منه المني في ليل أو نهار، ومنها إذا جامع الرجل امرأته في الفرج ولو لم ينزل فإنه يجب عليه الغسل، أما إذا باشرها ولم يجامعها فلا غسل عليه حينئذ إلا إن أنزل.

وللغسل صفتان:
فالأولى المجزئة وهي أن يغسل رأسه وجميع بدنه، يعم ذلك كله بالماء.
والصفة الثانية، وهي الكاملة، وهي أن يغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغسل شعره جيداً ثلاث مرات، ثم يغسل سائر جسده يبدأ بشقه الأيمن، ثم يغسل رجليه.

واعلموا -أيها المسلمون- أن الغسل والوضوء أمانة بين العبد وربه، فمن يدري عن الإنسان إذا لم يتطهر؟ لذا وجب على المسلم أن يحرص عليه، فمن أتقنه وتحرى في ذلك اتباع السنة كان ذلك دليلاً على إيمانه وتقواه.

 

 

الخطبة الثانية:

أما بعد، أيها المسلمون: يكثر السؤال لاسيما في الشتاء عن أحكام المسح على الخفين لكثرة استعمالها، فهاك يا أخي في الله أهمَّ أحكام المسح على الخفين ملخصة مختصرة.

إذا أردت أن تلبس الخفين فإن كنت تريد أن تمسح عليهما فالبسهما وأنت على طهارة، فإن لبستهما وأنت على غير طهارة، فلا يجوز المسح حينئذ.

واعلم أن مدة المسح يومٌ وليلةٌ للمقيم، وثلاثةُ أيام بلياليهن للمسافر. ولكن متى يبدأ وقت المسح؟ استمع إلى هذا المثال: لنفرض أنك توضأت قبل صلاة العصر ولبست الشراب، ثم لما جاء المغرب توضأت لصلاة المغرب في الساعة الخامسة ومسحت عليه، فهنا بدأ وقت المسح من تلك الساعة وهي الخامسة قبل المغرب، فإذا بدأ وقت المسح من تلك الساعة فامسح عليه العشاء والفجر والظهر والعصر، فإذا جاء الساعة الخامسة من عصر اليوم التالي فقد انتهى وقت المسح عندها فلا يجوز لك المسح بعد ذلك إلا أن تلبسه بعد الوضوء من جديد.

ويجوز المسح على الشراب الخفيف، وعلى المخرَّق ما دام أنه يُسمّى شراباً، فإن كان الخروق كبيرة بحيث أصبح خرقة بالية ولم يعد يسمى شراباً فلا يجوز المسح عليه.

اللهم فقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا...
 

المرفقات

1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات