الطفولة

تركي بن عبدالله الميمان

2023-01-27 - 1444/07/05 2023-02-01 - 1444/07/10
عناصر الخطبة
1/أهمية العناية بمرحلة الطفولة 2/من الأمور المطلوبة من الولي تجاه الطفل 3/طريقة التعامل مع أخطاء الطفل 4/خطر إهمال الطفل وفضل استثماره

اقتباس

وَقَصَصُ البُطُوْلاتِ والقُدُوَاتِ تَرْفَعُ هِمَّةَ الطِّفْلِ، وَتَصْنَعُ فِيْهِ الشَّجَاعَة، وَتَصْرِفهُ عَن التَّفَاهَة! قالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٌ: “كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -جل جلاله-، فَهِيَ سَبَبُ لِلْأَجْرِ العَظِيْم، والخَيْرِ العَمِيْم! (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 179].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا أَهَمُّ مَرَاحِلِ الإِنْسَانِ؛ وَكُلُّ مَا بَعْدَهَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا؛ إِنَّهَا مَرْحَلَةُ الطُّفُوْلَة.

 

والأَطْفَالُ مَخْلُوْقَاتٌ وَدِيْعَةٌ، وَأَمَانَةٌ عَظِيْمَةٌ؛ فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ، قال -جل جلاله-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)[النساء:11]. قال السِّعْدِي: “أي يا معشر الوالِدِين؛ عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم؛ فتعلمونهم وتؤدبونهم؛ وهذا يدل على أن الله أرحم بعباده من الوالدين!”.

 

والطِّفْلُ عَجِيْنَةٌ لَيِّنَةٌ، في يَدِ الآبَاءِ والمُرَبِّيْن، قال -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَتَبْدَأُ تَرْبِيَّةُ الطِّفْلِ قَبْلَ وُجُوْدِهِ! وَذَلِكَ بِحُسْنِ اخْتِيَارِ أُمِّهِ؛ فَأَكْثَرُ العُظَمَاءِ: خَرَجُوْا مِنْ أَحْضَانِ الأُمَّهَاتِ الصَّالِحَات! “فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَت يَدَاكَ!”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَتَرْبِيَةُ الطِّفْلِ تَحْتَاجُ إِلَى نَفَسٍ طَوِيْلٍ، وَصَبْرٍ جَمِيْلٍ، قال -عز وجل-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].

 

وَمَرْحَلَةُ الطُّفَوْلَةِ أَهَمُّ مَرْحَلَةٍ في غَرْسِ العَقِيْدَةِ، والأَخْلَاقِ الحَمِيْدَةِ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: “كُنْتُ خَلْفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا؛ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ”(رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

 

والرَّحْمَةُ بِالأَطْفَالِ مِنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ، قالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ كَانَ يَنْطَلِقُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، فَيَأْخُذُ ابْنَهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ!”(رواه مسلم).

 

وَإِحْضَارُ الطِّفْلِ إلى مَجَالِسِ العُلَمَاءِ والعُقَلاءِ، يَزِيْدُ مِنْ عَقْلِهِ وَأَدَبِهِ، وَيَحْفَظُهُ مِنْ مُخَالَطِةِ الجُهَّالِ والسُّفَهَاءِ؛ فـ(الطَّبْعُ لِصٌّ يَسْرِقُ مِن المُخَالِط!).

 

وَتَوْكِيْلُ الطِّفْلِ بِالمَهَامِ، وَمُنَادَاته بِالكُنْيَةِ، يَغْرِسُ فِيْهِ الرُّجُوْلَة وَالمَسْؤُوْلِيَّة! قالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: “كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَقَصَصُ البُطُوْلاتِ والقُدُوَاتِ تَرْفَعُ هِمَّةَ الطِّفْلِ، وَتَصْنَعُ فِيْهِ الشَّجَاعَة، وَتَصْرِفهُ عَن التَّفَاهَة، قالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٌ: “كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ”.

 

وَتَرْبِيَةُ الطِّفْلِ بِالأَفْعَالِ أَبْلَغُ تَأْثِيْرًا مِنَ الأَقْوَال، قالَ العُلَمَاء: “يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ ألَّا يَرَى مِنْه ابْنُهُ مَعْصِيَةً قطُّ؛ فَإِنَّهُ يَزْرَعُ ذلكَ في قَلْبِه!”.

 

وَمِنْ أُصُولِ التَّرْبِيَةِ: تَعْظِيمُ اللهِ في قَلْبِ الطِّفْلِ (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)[لقمان: 16].

 

وَيَنْبَغِي تَعْوِيْدُ الطِّفْل على العِبَادَةِ؛ كَيْ يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا، وَلا يَتْرُكَهَا عِنْدَ البُلُوْغ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ”(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وَتَعْلِيْمُ القُرْآنِ لِلأَطْفَالِ شِعَارُ الدِّيْن، وأَسَاسُ اليَقِيْن، قالَ ابنُ الجَوْزِيّ: “كانَ السَّلَفُ إذا نَشَأَ لأَحَدِهم وَلَد؛ شَغَلُوه بِحفظِ القرآنِ وسماعِ الحديث؛ فَيَثْبُتُ الإِيمانُ في قَلْبِه! فالحفظ في الصبا: أصل عظيم”.

 

وَتَحْفِيْزُ الطِّفْلِ بِالثَّنَاءِ والمُكَافَأَةِ؛ يَقَعُ في قَلْبِهِ مَوْقِعًا عَظِيْمًا؛ فَهَذَا الإِمَامُ الذَّهَبِي صَارَ إِمَامًا في الحَدِيْثِ، بِسَبَبِ كَلِمَةٍ سَمِعَهَا وَهُوَ صَغِيْر! فَقَالَ -وهو يثني على شيخه-: “وَهُوَ الَّذِي حبب إِلَيّ طلب الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ رأى خطي؛ فَقَالَ: خطك يشبه خطّ الْمُحدثين؛ فأثر قَوْلُهُ فِيّ!”.

 

وَرَفَعُ اللهُ عَنْ الطِّفْلِ التَّكْلِيْفَ فَارْفَعُوا عَنْهُ التَّعْنِيْفَ، يَقُوْلُ أَنَسٌ -رضي الله عنه- -وكانَ غُلَامًا صَغِيْرًا-: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟”(رواه مسلم). قال ابنُ حَجَر: “يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا: تَرْكُ الْعِتَابِ عَلَى مَا فَاتَ؛ فِي الْأُمُور الَّتِي تتَعَلَّق بحظ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ اللَّازِمَةُ شَرْعًا؛ فَلَا يُتَسَامَحُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَن الْمُنكر”.

 

وَتَصْحِيْحُ خَطَأِ الطِّفْلِ، يَكُوْنُ بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ وَاضِحَةٍ، يَفْهَمُهَا الصَّغِيْرُ بِلَا تَجْرِيحٍ ولا تَوْبِيْخ، قال عُمَرُ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ -رضي الله عنه-: “كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”. حَتَّى قَالَ الصَحَابِيُّ: “فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ”(رواه البخاري ومسلم).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: إِهْمَالُ التَّرْبِيَةِ جِنَايةٌ على الطِّفِلِ، قالَ ابْنُ القَيِّم: “أكْثرُ الأَوْلَادِ: جَاءَ فسادُهم مِنْ قِبَلِ الآبَاء، وَترْكُ تعليمِهم الدِّينِ! والصبي وإن لم يكن مكلفًا: فوليُّه مكلَّف، لا يحل له تمكينه من المحرَّم: فإنه يعتاده، ويعسر فطامه عنه!”.

 

وَمِنْ أَعْظَمِ الاسْتِثْمَار: إِصْلَاحُ الأَطْفَالِ الصِّغَارِ؛ فَهِيَ تِجَارَةٌ لا تَنْقَطِعُ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ؛ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له”(أخرجه مسلم).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات

الطفولة.pdf

الطفولة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات