الصين ومسلمو الايغور

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/الأمة المسلمة أمة واحدة 2/السبب المباشر وراء الاعتداء على مسلمي الايغور 3/تجاهل وسائل الإعلام الغربية لمذابح مسلمي الايغور 4/نبذة مختصرة عن تركستان الشرقية 5/أسباب الحديث عن مآسي المسلمين في تركستان الشرقية 6/وسائل نصرة المسلمين

اقتباس

تركستان الشرقية -يا إخوة- تعادل ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وتشكل خمس المساحة الاجمالية في الصين، بعدد ستة عشر مليون مسلم، وهي بلاد واسعة في أسيا الوسطي، مليئة بالكنوز والثروات.
وقد دخل الإسلام تلك الأرض على يد القائد الإسلامي المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي في عهد الخليفة...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

هناك آيات في القرآن، وعدة أحاديث في السنة، تؤكد على ترابط المسلمين برابط العقيدة دون أن يعيق هذا الرابط اختلاف عرق ولا لغة ولا لون، قال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)[التوبة: 71].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعض".

 

وفي السنة في سنن أبي داود وغيره بسند صحيح، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم".

 

قال بعض العلماء في قوله: "وهم يد على من سواهم" أي المسلمون لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان والملل.

 

وقال آخرون: أي هم مجتمعون على أعدائهم، لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضا؛ كأنهم جعلوا أيديهم يدا واحدة، وفعلهم فعلَ واحدٍ: "كلهم يد على من سواهم".

 

المشكلة في "سينكيانج"، أو ما كانت تسمى "تركستان الشرقية" قبل احتلال الصين لها، المشكلة التي تابعها الجميع في أخبار الأسابيع الماضية في مدينة "أورومتشي" بمقاطعة "سينكيانج" ذات الأغلبية الإسلامية التركية، هي مشكلة إسلامية.

 

كان السبب المباشر وراء الأحداث، أو السبب السطحي: أن عمالا من قومية الهان الصينية، قاموا بالاعتداء على عمال مسلمين.

 

وتلك الأحداث لها جذور أعمق من مجرد خصومات بين عمال؛ إنها لم تنبع من نزاعات إسلامية انشقاقية؛ كما تقول السلطات في بكين، ولكنها في حقيقة الأمر نتيجة حتمية لسياسة القهر التي كان آخرها عملية استيطان منهجية تتبعها الدولة الصينية، طوال العقدين الماضيين، لتحويل "سينكيانج" لمقاطعة أكثرية إسلامية تركية، إلى أكثرية من الصينيين الهان.

 

وبالرغم من أن بكين أعطت "سينكيانج" الحق في الحكم الذاتي بوعد من رئيسهم الكبير ماو منذ أكثر من ستين عاما، فقد ظل هذا الوعد حبرا على ورق، ولذلك فإن الذي حرك أولئك المسلمين لا يتعلق بإطاحة الدولة الصينية، ولا تهديد استقرارها، وإنما يتعلق بمطالبة بسيطة، بالمعاملة العادلة، ورفع الاضطهاد، وبتطبيق فعلي للحكم الذاتي، وبوضع نهاية لسياسة الاستيطان المخطط لها، والتي سبق ذكرها، والتي تستهدف تحويلهم إلى أقلية في أرضهم ووطنهم التاريخي.

 

ولكن الحدث الصيني هذا، بالرغم من أهميته وضخامته لم يستدع إلا جزءًا صغيراً من الاهتمام السياسي، والإعلامي الغربي، إلا من كان من الدول الكبرى، من دأبها الاصطياد في الماء العكر، لتحقيق مصالحها الاقتصادية، وقطع يد الاقتصاد الصيني المنافس لها، دون مناطق النفوذ، عن طريق إشغاله بشأنه الداخلي، ومشاكله السياسية، إما بتأجيج تلك المشاكل، أو بتدويلها مع الأخذ بعين الاعتبار العنصر الاسلامي في القضية، والحرص على الموازنة بين هذا الهدف، وبين هدف إبقاء المسلمين ضعفاء محتاجين.

 

تركستان الشرقية -يا إخوة- تعادل ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وتشكل خمس المساحة الاجمالية في الصين، بعدد ستة عشر مليون مسلم، وهي بلاد واسعة في أسيا الوسطي، مليئة بالكنوز والثروات.

 

وقد دخل الإسلام تلك الأرض على يد القائد الإسلامي المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، بعد ما يقارب التسعين عاما من الهجرة النبوية، أي من 1340سنة.

 

واستمر الاسلام في تلك النواحي البعيدة من بلاد آسيا الوسطى عبر مئات السنين، بالرغم من الصعوبات الكبيرة، والاضطهاد العظيم الذي مر على أهلها، حتى هذه الساعة، فقد تقاسمتها الصين وروسيا قرونا طويلة، بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، فاحتل الروس قسمها الغربي الذي يضمن دول كرغستان، كازاخيستان، أوزباكستان.

 

وتحررت هذه الدول، واستقلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

 

أما الصين فمنذ ستين عاما، وحتى الآن، وهي تحتل قسمها الشرقي المعروف تركستان الشرقية، أو "سينكيانج" بلغة الصينيين، وتعني المستعمرة الجديدة.

 

قد أطلق عليها الصينيون هذا الاسم، لطمس هويتها الإسلامية، وأصولها التركية.

 

أيها الإخوة: أنا وأنتم ندرك أن مآسي المسلمين كثيرة ومتنوعة، ولو استعرضناها لطال المقام، وكما قال القائل:

 

فلو كان سهما واحدا لاتقيته *** ولكنه سهم وثانٍ وثالث

 

والغرض من كلامي ليس عرضا تاريخيا، ولا رأيا سياسيا، وإنما الغرض ثلاثة أمور:

 

الأول: مراجعة لعقيدة لا ينجو مسلم بدونها؛ إنها عقيدة الولاء والبراء.

 

والثاني: هو التذكير بمواطن الخلل التي أوصلت المسلمين إلى هذا المنحدر؛ حيث أصبح اضطهادهم متعة هذا العصر.

 

والثالث: هو التفاؤل، ثم التفاؤل، ثم التفاؤل.

 

أما الأول الذي هو الولاء والبراء: فالولاء كما قال شيخ الإسلام: من الولاية، أي ضد العداوة التي هي البغض والبعد، والولي هو القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي يقرب منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" أي لأولى رجل إلى الميت.

قال: "فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معادي له"؛  كما قال تعالى: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)[الممتحنة: 1].

 

ولما عقد الله الإخوة والمحبة والموالاة والنصرة بين المؤمنين، ونهى عن موالاة الكفرين كلهم من يهود ونصارى، وملحدين ومشركين، وغيرهم، كان من الأصول المتفق عليها بين المسلمين أن كل مؤمن موحد، تاركا جميع المكفرات الشرعية؛ تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان بخلاف ذلك وجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد؛ بحسب القدرة والإمكان.

 

أقول: من منا دعا لإخوانه المسلمين في تركستان: أن يكشف محنتهم، وأن ينصرهم على أعدائهم في تلك المحنة.

 

هذا أضعف الإيمان -أيها الإخوة-: الدعاء هو أقل علامة من علامات الولاء لإخواننا هناك، أو في أي مكان يهان فيه مسلم أو مسلمة، في عصرنا الحاضر -أيها الإخوة- عصر المادة والدنيا، وانشغال الناس بها أصبحت محبة الناس في الأغلب على أمر الدنيا: المال، المصلحة، النسب.

 

أما الدين، فليس له اعتبار في الميل القلبي، والموالاة في الكثير عند الناس.

 

ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالرجوع إلى الله، والاجتماع على الحب فيه، والبغض فيه، والولاء له، والبراء ممن أمرنا الله بالبراء منه، ويومئذ يفرح المؤمنين بنصرهم.

 

الأمر الثاني: سبب الخلل: ما الذي أوصل المسلمين الذين ينتمون إلى الدين الحق إلى هذا المستوى المحزن؟

 

يمكن -أيها الإخوة-: أن نختصر الخلل بكل فروعها وتداعياته في سبب واحد كبير، إنه البعد عن الله.

 

وقد يستنكر البعض هذا المبدأ، فيقول أحدهم: نحن ولله الحمد لم نبتعد عن الله، نحن نصوم ونصلي ونجتنب الموبقات.

 

فأقول: لا تقصر نظرك –أخي- على بيتك وأسرتك، فأنت -إن شاء الله- بخير، ارفع رأسك قليلا، وانظر في الأفق البعيد، فبلاد المسلمين شاسعة، وأحوالهم متنوعة، ومقياس البعد عن الله، أو القرب منه لا يقف عند عائلة واحدة في الأمة، ولا حتى مجتمع واحد، بل يقاس بالأمة كلها، وما يعد ظاهرة فيها بشكل عام.

 

ولذلك قال سبحانه: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)[الأنفال: 25].

 

هناك من يظلم، بعضكم يظلم: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ -أي ابتلاء وأذى- لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

 

والمعنى احذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة منكم، بل تتعدى إليكم جميعا، وتصل إلى الصالح والطالح.

 

فالمهانة والهزيمة الحربية، والاضطهاد السياسي، وغيرها من صور البلاء والفتن؛ إنما تحل بالأمم إذا ما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحُوربت السنة، وأعيدت البدعة، وأعلن المعاصي جهارا نهارا، وحورب الله ورسوله بالربا، وتبايع الناس بالعينة، وشاع الكذب والغش، وقدمت المصالح الشخصية على مصالح الأمة.

 

وكان هذا المظهر هو الدارج، وهو المشتهر بين المسلمين، فهل يكفي بعد هذا كله: أن يعز الله الأمة كلها بصلاح فرد واحد، أو عائلة واحدة، أو مجتمع واحد.

 

ولذلك لما سألت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلة: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحين؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث" أي الفسوق والفجور.

 

وفي سنن أبي داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا حتى ترجعوا إلى دينكم".

 

فالعودة إلى الله بصدق ولو تدريجيا يفتح باب الأمل -بإذن الله-، وهو ما يقودنا إلى الأمر الثالث: الذي هو: التفاؤل.

 

بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم.

 

واستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، ولا إله إلا الله ولي المتقين الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فقد صح في مسلم من حديث أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى، ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح".

 

والتطير والتشاؤم من وسائل الشيطان في إحباط العزائم، والفتك في العضد، ولذلك قال موسى -عليه السلام- في أحلك الظروف، وأقلها فرصة في النجاة، قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62].

 

قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].

 

لمدركون: عبارة يأس وقنوط واستسلام؛ بثها الشيطان في نفوسهم، فبماذا بادرهم موسى؟

 

بادرهم بقوله: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62].

 

هذا هو التفاؤل الذي نريده عند كل مسلم، تفاؤل لكن مع عمل، تفاؤل لكن مع توبة ودعاء ورجاء.

 

لابد -أيها الإخوة-: أن نغير الطريقة التي نتعامل بها مع الأحداث، لابد أن نفعل شيئا تجاه ما يجري حولنا.

 

عندما نتفاءل لابد أن ننصح، وأن ننهى عن المنكر، وأن نأمر بالمعروف، وأن نأخذ بأسباب القوة، جميع أنواع القوة.

 

معاشر الإخوة: إن حال إخواننا المسلمين المضطهدين في تركستان، أو أفغانستان، أو فلسطين، أو في أي مكان، في السودان، أو غير السودان، فسيتغير -بإذن الله تعالى- متى ما بدأنا في التمهيد لذلك التغيير، بماذا؟

 

بإصلاح أنفسنا وأهلينا، ونصح من حولنا، والشعور الفاعل بالمسؤولية تجاه الدين والدولة، وقد قال تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)[محمد: 4].

 

فهل نحن أهل لهذا البلاء؟

 

اللهم أصلح حال أمتنا...

 

 

 

المرفقات

ومسلمو الايغور

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات