الصلاة الوسطى

الشيخ هلال الهاجري

2024-10-04 - 1446/04/01 2024-10-13 - 1446/04/10
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/حال من فرط في صلاة العصر 2/عقوبة من ترك صلاة العصر 3/الحث على صلاة العصر وبيان فضلها

اقتباس

خَرجَ عُمرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- يَومًا إلى حِائطٍ لَهُ -أَيْ: بُستانٍ-، فَرَجَعَ وَقَد صَلَّى النَّاسُ العَصرَ، فَقَالَ عُمرُ: "إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ؛ فَاتَتني صَلاةُ العَصرِ في الجَمَاعةِ، أُشهِدُكم أنَّ حَائطي عَلى المَساكينِ صَدَقَةٌ"، فاللهَ اللهَ في صَلاةِ العَصرِ، قَبلَ أَن تَوَسَّدَ فِي القَبرِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد: رَجَعَ إلى أَهلِهِ بَعدَ غِيَابِ سِنينَ، مُشتَاقٌ لِزَوجَتِهِ وبَنَاتِهِ والبَنينَ، فَلا بُدَّ يَوماً مِنَ الرُّجوعِ إلى الأَهلِ والمَالِ، والعَيشِ مَعَ الأحبابِ فِي رَاحةِ بَالٍ، فَكم قَد اغتَربَ كَثيراً لِجَمعِ المَالِ الحَلالِ، حَتى بَنى مَنزِلاً جَميلاً يَأوي الزَّوجةَ والعِيَالِ، فَمَا أَجمَلَها مِن لَحظَاتٍ وَهو قَادِمٌ إلى البِلادِ!، وَكَانَ رُجُوعُهُ مُفَاجَأةً مَعَ هَدَايا الأَولادِ، وَلَكِنْ لِلأَسفِ، عِندَمَا وَصَلَ إلى مَسكَنِهِ وَجدَ البَيتَ مَهدُوماً وقَد أَصبَحَ رُكَاماً، وَوجَدَ الأَهلَ قَد مَاتُوا جَميعاً، فَلا يَسمَعُ لَهُم حِسَّاً ولا كَلامَاً، فَيَا خَسَارةَ غُربَةِ السِّنينَ، ويَا مُنتَهَى الشَّوقِ والحَنينِ!.

     

أَيُّها الأحبَّةُ: تَأَمَلوا هَذَا المَوقِفَ لِمَنْ خَسَرَ مَالَهُ وَأَهلَهُ، واسمَعُوا لِحَديثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصْرِ، كَأَنَّما ‌وُتِرَ ‌أَهْلُهُ ‌وَمالُهُ"؛ فَيَا اللهُ! هَل أَحسَسنَا بِهَذَا الإحسَاسِ الذي يَكَادُ يَقتَلِعُ القَلبُ مِنَ الضُّلوعِ، عِندَمَا تَفُوتُنَا صَلاةُ العَصرِ فِي جَمَاعةِ أو فِي وَقتِها المَشروعِ؟!.

 

وَهَذَا فِيمَنْ تَرَكَها نَاسيَّاً مَعذُوراً لا يَعلَمُ، وأَمَا مَن تَرَكَها مُتَعَمِّدَاً فَالأمرُ أَعظَمُ، كَمَا قَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ؛ فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ"، فَكَم هِيَ صَلاةٌ عَظيمةٌ، لَهَا مَكَانَةٌ كَريمَةٌ!.

 

صَلاةُ العَصرِ هِيَ الصَّلاةُ الوُسطَى التي أَكَّدَ اللهُ -تَعَالى- بِالمُحَافَظَةِ عَليهَا خَاصَّةً، فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)[البقرة: 238]، وَقَد دَعَا النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ- عَلى مَن شَغَلَهُ عَنهَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَالَ: "مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ"، فَمَا عُذرُ مَن يُفَرِّطُ بِهَا وَهو فِي أَمنٍ فِي الوَطَنِ، وعَافيَّةٍ فِي البَدَنِ؟.

 

في كُلِّ صَلاةِ عَصرٍ يَحضُرُ مَلائكَةٌ كِرامٌ، ثُمَّ يَعرُجُونَ إلى ذِي الجَلالِ والإكرامِ، فَمَاذا يَسألُهُم؟ ومَاذا يُجِيبُونَ؟ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"، فَهَل كُنتَ فِي صُفُوفِ المُصلِّينَ؟ أَم كُنتَ مِنَ الغَائبينَ المَحرُومينَ؟.

 

المحَافظةُ عَلى صَلاةِ العَصرِ مَعَ صَلاةِ الفَجرِ سَببٌ لِلنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، ودُخولِ الجَنَّةِ دَارِ الأَبرارِ، يَقُولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لَنْ يَلجَ النَّارَ أَحدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها"، يَعْني: الفَجْرَ والعَصْرَ، وقَالَ فِي الحَديثِ الآخَرِ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ"، وَالبَرْدَانِ: الصُّبحُ والعَصْرُ، فَمَنْ حَافَظَ عَليهِمَا فِي الأَوقَاتِ، فَازَ فِي يَومٍ تَكثُرُ فِيهِ الخَسَاراتُ؛ (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)[آل عمران: 185].

 

مَعَ صَلاةُ العَصرِ والفَجرِ دُخُولُ الجَنَّةِ لَيسَ نِهَايةَ المَطَافِ، وَإنَّمَا هُو بِدَايةُ النَّعيمِ والأَلطَافِ، نَظَرَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ ‌سَتَرَوْنَ ‌رَبَّكُمْ ‌كَمَا ‌تَرَوْنَ ‌هَذَا ‌الْقَمَرَ، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، فَمَا هِيَ تِلكَ العَلاقُةُ الغَريبةُ بَينَ المحَافظةِ عَلى صَلاةِ العَصرِ والفَجرِ، وبَينَ رُؤيةُ وَجهِ اللهِ -تَعالى- فِي الحَنَّةِ كَرؤيةِ البَدرِ؟.

 

أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه، أمَا بَعدُ:

 

أيُّها الأحبَّةُ: هُنَاكَ مَن يَأتي مِن عَملِهِ فَيَنامُ إلى قَبلِ المَغربِ، ثُمَّ يَقُومُ يُصلي العَصرَ خَفيفةً سَريعَةً، فَهَل تَعلَمونَ مَا هو اسمُ هَذِهِ الصَّلاةِ فِي أَحكَامِ الشَّريعةِ؟ إنَّهَا صَلاةُ المُنَافقِينَ كَمَا أَخبَرَ بِذَلِكَ سَيِّدُ المُرسَلينَ، فَعَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، ‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، ‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا"، فَيَا مَنْ أَرادَ السَّلامَةَ في الدِّينِ: إيَّاكَ وَعمَلَ المُنَافقينَ.

 

صَلاةُ العَصرِ قَد أَضَاعتْهَا الأُمَمُ الخَاليَةُ، فَضَاعَفَ اللهُ أَجرَها لِهَذِهِ الأُمَّةِ العَاليَةِ، يَقُولُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِد"، قَالَ: وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ، يَعني بَعدَهَا وَقتُ نَهيٍّ عَن الصَّلاةِ حَتى تَغيبَ الشَّمسِ.

 

خَرجَ عُمرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- يَومًا إلى حِائطٍ لَهُ -أَيْ: بُستانٍ-، فَرَجَعَ وَقَد صَلَّى النَّاسُ العَصرَ، فَقَالَ عُمرُ: "إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ؛ فَاتَتني صَلاةُ العَصرِ في الجَمَاعةِ، أُشهِدُكم أنَّ حَائطي عَلى المَساكينِ صَدَقَةٌ"، فاللهَ اللهَ في صَلاةِ العَصرِ، قَبلَ أَن تَوَسَّدَ فِي القَبرِ، فَمَنْ فَرَّطَ فِيها فَمَا هُو العُذرُ؟ ما هُوَ العُذرُ؟.

 

رَبَّنا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرياتِنا رَبَّنا وتَقبلَ دُعاء، ربَّنا أَصلحْ أَعمالَنا وأَحوالَنا وقُلوبَنا وذُرياتِنا، اللهمَّ إنا نَعوذُ بِكَ من زَوالِ نِعمتِك، وتَحولِّ عَافيتِكَ، وفُجاءةِ نِقمتِك، وجَميعِ سَخطِك، اللهمَّ إنا نَعوذُ بِكَ من جَهدِ البلاءِ، ودَركِ الشقاءِ، وسوءِ القضاءِ، وشَماتةِ الأعداءِ، اللهمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ ورُدَهم إليك رَداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتَهم على الحقِ والهُدى، وألّْف بينَ قلوبِهم وَوَحدْ صفوفَهم، وارزقهم العملَ بكتابِكَ وسنةِ نبيكَ، اللهمَّ طهِّرْ المسجدَ الأقصى من رِجسِ يَهودٍ، اللهمَّ عليكَ باليَهودِ الغَاصبينَ، والصهاينةِ الغَادِرينَ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم وانتصر لعبادِكَ المستضعفينَ في كلِّ مَكانٍ، اللهم نَسألُكَ رَحمةً تَهدِ بها قُلوبَنا، وتَجمعُ بها شَملَنا، وتُلِمُّ بها شَعثَنا، وتَصرِفُ بها الفِتنَ عَنَّا، رَبَّنا آتنا في الدنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عَذابَ النَّارِ.

المرفقات

الصلاة الوسطى.doc

الصلاة الوسطى.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات