عناصر الخطبة
1/الصحة من رؤوس النعم 2/سؤال المرء يوم القيامة عن صحته 3/الأمراض كفارة ورفعة للدرجات 4/بشارات نبوية للمرضى 5/الحث على أخذ اللقاحات وقاية من الأمراضاقتباس
فإن من لم يقم بحق هذه النعمة فهو مغبون، والمراد بذلك الخسارة، فتجد أن البعض من الناس لا يقدر هذه النعمة؛ فيضيعون أوقاتهم بما لا فائدة فيه، ويفنون أجسادهم بما يضرهم، والمسلم مسؤول عن صحة بدنه؛ ولذلك سوف يسأل عن ذلك فيما أفناه وأتلفه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ أما بعدُ:
أيها المسلمون: إن من النعم التي أنعم الله -تعالى- بها علينا نعمة الصحة والعافية في الأبدان، ولا نشعر بقيمتها حتى نفقدها، قال -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل: 53]، قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "مِنْ نِعْمَةٍ" أَيْ: صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ وَوَلَدٍ فَمِنَ اللَّهِ"، قال وهب بن منبه: "رؤوس النعم ثلاثة: فأولها نعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها، والثانية: نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها، والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا به".
أيها المسلمون: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفه إلا أهل المرض، والصحة واحدة من النعم الثلاث التي تمثل الحياة بحذافيرها؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(سنن الترمذي)، وإن من يزور المستشفيات ودور الصحة يلحظ ذلك، اللهم اشفهم وعافهم.
أيها المسلمون: إن مما يجب على من أنعم الله -تعالى- عليه بالصحة والعافية في البدن أن يشكر الله -تعالى- على ما أنعم الله به عليه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-؛ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ"، ذلك أن من أنعم الله -تعالى- عليه بالصحة، فإن عليه أن يقوم بحق المنعم المتفضل بها عليه، ومن ذلك الشكر والقيام بالواجبات، والتوبة الصادقة.
وقد أوصانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باغتنام الصحة في الطاعات قبل أن ينزل بنا ضدها، وهو المرض والسقم والابتلاءات، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".
وعلى العكس فإن من لم يقم بحق هذه النعمة فهو مغبون، والمراد بذلك الخسارة، فتجد أن البعض من الناس لا يقدر هذه النعمة؛ فيضيعون أوقاتهم بما لا فائدة فيه، ويفنون أجسادهم بما يضرهم، والمسلم مسؤول عن صحة بدنه؛ ولذلك سوف يسأل عن ذلك فيما أفناه وأتلفه، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ -يَعْنِي: العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ البَارِدِ؟"(سنن الترمذي).
أيها المسلمون: إن المغبون هو الصحيح المعافى المتنعم بنعم الله -تعالى-، ولكنه مضيع للصلوات، ينام عن الفجر، ويتكاسل في صلاته، ويعق والديه، ويؤذي جيرانه، ويتناول المحرمات، ومفرط ومضيع للأوقات في غير ما يعد عليه بالنفع، ولربما سهر وقضى الأوقات في المنكرات، هذا هو المغبون الخاسر في الدنيا والآخرة؛ فإنه سيندم على ما فرط أشد الندم، ويتحسر على ذلك يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر: 23 - 24]، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "(يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) يَعْنِي: يَنْدَمُ عَلَى مَا كَانَ سَلَفَ مِنْهُ مِنَ الْمَعَاصِي إِنْ كَانَ عَاصِيًا، وَيَوَدُّ لَوْ كَانَ ازْدَادَ مِنَ الطَّاعَاتِ إِنْ كَانَ طَائِعًا".
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أقول هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأعوانه، وسلَّم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها المسلمون: اعلموا أن الله -تعالى- لا يقضي شيئًا إلا وفيه الخير والرحمة لعبادة، والأمراض والأسقام التي يصاب بها المسلم من الابتلاءات، التي إذا صبر عليها المسلم واحتسب الأجر من الله كانت له كفارة ورفعة للدرجات؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ؛ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"(صحيح مسلم)
ثم أبشر -أيها المسلم- الذي منعه المرض وحبسه عن الطاعات التي كان يعملها في صحته، فإن أجرك جارٍ وعملك مستمر، حتى وأنت في مرضك ولم تستطع أن تقوم بما كنت تقوم به في صحتك، فعليك بصدق النية وأبشر بفضل الله -تعالى-؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"(صحيح البخاري)
أيها المسلمون: إن الله -تعالى- جعل لكل داء دواء، عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ -عز وجل-"(صحيح مسلم).
وإن على المسلم إذا أصيب بمرض أن يتطبب ويتعالج بكل علاج حلال مباح، فعلى المؤمن أن يتوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء وطلب الشفاء؛ فإنه -جل وعلا- هو الشافي والمعافي، قال -تعالى-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 80]، وأيضا له أن يُرقى بالرقية الشرعية، وله أن يتطبب لدى الأطباء المختصين في مجال المرض، ولله الحمد والفضل والمنة أن دولتنا المباركة وفرت المستشفيات والمراكز الصحية والعلاج المجاني.
أيها المسلمون: إن من الوقاية من الأمراض الموسمية أخذ لقاح الإنفلونزا الموسمية والتي تنتشر في هذه الفترة؛ لما في ذلك من حفظ النفس والصحة، والواجب على الإنسان أن يحافظ على صحته وصحة من يعولهم بحثهم على ذلك.
اللهم ادفع عنا البلاء والأمراض والأسقام، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، اللهم اشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين.
هذا، وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم