الصحابة والتسليم لأمر الله

إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

2024-09-06 - 1446/03/03 2024-09-19 - 1446/03/16
عناصر الخطبة
1/أهمية زيارة القبور 2/حكم زيارة القبور 3/لماذا نزور القبور؟ 4/فوائد زيارة القبور 5/ أغلى أماني أهل القبور.

اقتباس

لم يكن الاقتناع العقلي هو المحرِّك للتسليم عند الصحابة، كما نسمع كثيرًا في مجالسنا: أقتنع أولاً، أو التنطع في السؤال عن الحكمة، لم يكن ذلك المحرّك هو المحرك للتسليم، لم يكن الاقتناع العقلي هو المحرك للتسليم عند أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، أرسل رُسُلَه حُجَّة على العالمين؛ ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلِك من هَلَكَ عن بينة.

 

وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على الْمَحَجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره، واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.

 

أما بعد -عباد الله- فاتقوا الله؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2، 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

 

أيها المبارك: إن أولى ما يجب عليك العناية به في هذه الدنيا السعي الحثيث لرضا الله -جَلَّ جلاله-، والبُعد كل البعد عن مساخطه؛ لتفوز برضاه، وتسْعَدَ في حياتك، وتنال جَنَّةَ ربك.

 

والنموذج الفذُّ الفريد هم ذلك الجيل الذي ربَّاهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأعظم مَيزة مَيَّزت ذلك الجيل الذي يجب أن تكون تصرفاته نُصب أعيننا؛ ليحصل لنا اقتفاء الأثر – أنهم كانوا معظِّمين للنص الشرعي، ومع التعظيم للنص يحصل كمال الإذعان والتسليم.

 

فمنهجنا بحمد الله واضح، فمن الله -جَلَّ جلاله- الرسالة، وعلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- البلاغ والبيان، وعلينا التسليم؛ ممتثلين بهذا قولَ ربنا -تبارك وتعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

 

ليس لأحدٍ خِيارٌ مع أمر الله -تبارك وتعالى-؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا)[الأحزاب: 36].

 

عبد الله: مكوِّنُ التسليم هو الذي جعل إيمان الصحابة شديدَ الرِّفعة والقوة، وأدعوك إلى أن نتأمل معًا قصةَ الإسراء والمعراج، التي رأى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- آياتٍ عظيمة من آيات الله؛ كلمه ربه -جَلَّ جلاله- بلا واسطة.

 

وبعد العودة من تلك الرحلة العظيمة -التي فيها من السُّلوان الشيءُ العظيم-، التقى بأبي جهل، فقال: يا محمد، هل كان من شيء؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، قال: وما ذاك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أُسْرِيَ بي الليلة إلى بيت المقدس"، فقال أبو جهل: وأصبحت بين ظهرانينا؟! فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، فجمع أبو جهل قريشًا، فحدَّثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما حدَّث به أبو جهل، ولك أن تتخيل في ذلك الزمان أن تذهب من مكة إلى بيت المقدس في ليلة وتعود.

 

فحدَّثهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما حدَّث به أبا جهل، فقال الراوي: "فمن بين ضارب كفٍّ بكفٍّ، وما بين واضع كفيه على رأسه، فمنهم من اتهم بالجنون، ومنهم من اتهم بالكذب".

 

وجاءت في هذا معجزات كثيرة، فتسارع جَمْع من الناس إلى أبي بكر -رضي الله عنه- قائلين له: هل علمت ما يقول صاحبك؟ فنطق الصِّدِّيق بمنهجية شديدة التعبير عن دين الإسلام، وكيفية التعاطي مع النص الشرعي، فقال عبارة تُكتب بماء الذهب بل بماء العينين: "إن كان قاله فقد صدَق"، فقالوا له متعجبين: عجبًا لك يا أبا بكر، تُصدّقه في مثل هذا؟ فقال: "إني أُصدّقه بأعظم من ذلك؛ أُصدّقه بخبر السماء يأتيه ليلاً ونهارًا".

 

فالشق الأول من مقولة الصديق: "فإن كان قاله فقد صدَق"، يعني أن قُصارى تعاطي المسلم مع خطاب الله، وخطاب رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو ثبوته عندهم، فإن ثبت الخبر، وجب التصديق، ووجب العمل بمقتضى الدليل بحسب حُكْمِهِ، فالصِّدِّيق متى ثبت عنده الخبر، لا يسأل عن تفصيل، فهو مصدِّق مباشرة.

 

والشق الثاني من كلمة الصديق -رضي الله عنه- تحمل عمقًا آخر في المنهج الذي يجب أن يكون عليه المسلم؛ وهو عقلانية ومنهجية التسليم، فالصِّدِّيق يقول: أصدقه بخبر السماء يأتيه في لحظة، فلسان الحال إن كان محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، فهو متصف بالعصمة، وأوجه دخول الخلل على الخبر من جهتين:

1- من جهة الوهم والغلط، وهو معصوم لا يخطئ فيما يُبلِّغ عن الله -تبارك وتعالى-.

2- أو من جهة تعمُّد الكذب، وكلاهما مُنْتَفٍ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقد عبَّر ابن القيم -رحمه الله، في حديثه عن منزلة التسليم- عن اقتران التسليم بالصِّدِّيقية التي هي أرفع مراتب العبودية، بعد الرسالة والنبوة، وأكمل الناس صديقية، أكملهم تسليمًا؛ ولذا كان الصديق صديقًا؛ لذا يجب أن يجمع المسلم في دينه بين كمال التسليم والانقياد والالتزام، بإحسان العمل، ومتابعة السنة.

 

ولقد ضرب الرعيل الأول من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الاستسلام لله ورسوله، وتمام الانقياد؛ فمن ذلك: اجتنابهم لشرب الخمر، والخمر -عباد الله- في زمانهم مفهوم ثقافي ومزاجي، هم يذكرون الخمر في أشعارهم، ولما جاء الأمر بتحريمها واجتنابها؛ قال -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90، 91]؛ فيقول عمر: "انتهينا... انتهينا".

 

ولما نادى منادي المدينة: "ألَا إن الخمر قد حُرِّمت"، سارع الناس إلى الخمر في بيوتهم فسكبوها، وأراقوا ما بقِيَ منها، حتى جَرَت في سِكَكِ المدينة وطُرُقها.

 

وانظر إلى مظهر من مظاهر الإذعان لأمر الله ورسوله، وهي رسالة إلى أختي وابنتي، لما نزلت آية الحجاب تخاطب المؤمنات؛ (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور: 31]، فما كان من نساء الأنصار والمهاجرات إلا أن شَقَقْنَ مِروطهن فاختمرن بها.

 

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "لما نزل قول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية".

 

وإن تعجب فاعجب لسرعة استجابة الصحابة بتحوُّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فاستداروا وهم يُصلُّون، لما جاءهم أمر نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

 

ومرة صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بصحابته بنعليه، فخلعها في الصلاة فخلعوها.

 وفي الحديبية لما شقَّ عليهم الأمر، وشاهدوا رسولهم -عليه الصلاة والسلام- حَلَقَ رأسه، فحلقوا.

 

تتغير العادات تبعًا لأمر الله ورسوله؛ فعن جابر -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اعهد إليَّ"، فقال: "لا تَسُبَّنَّ أحدًا"، قال: فما سَبَبْتُ بعده حرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاة.

 

رسالة لمن يتساهل بالسباب والشتم وأفظعه اللعن، متى ننتهي واللعَّانون لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة، ولعن المؤمن كقتله؟

 

ومثل ذلك ابن عمر -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه- لما سمع حديث: "ما حق امرئ مسلم له شيء يُوصَى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"؛ قال: فما مرَّت ليلة إلا ووصيته عندي.

 

تتغير القرارات، ويُتَّهم الرأي، ويُخالف هوى النفس تبعًا لأمر الله ورسوله، وأصعب القرارات على الإطلاق أن تُحمَل النفس على خلاف العادة والأحوال الاجتماعية، هل سمعت بقصة معقل بن يسار وتزويج أخته؟ زوَّج أخته لرجلٍ فطلَّقها، ثم انتهت العِدة، فبانت منه، ثم ندِم، وجاء يخطبها مع الخُطَّاب، فقال له: يا لُكَعُ، زوَّجْتُك بها، وأكرمتك بها، ثم طلقتها، والله لا ترجع إليك آخر ما عليك، قال معقل -رضي الله عنه-: فعلِم الله حاجتها إلى زوجها، وحاجة زوجها إليها؛ فأنزل الله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 232]، والعجب -ولا عجب- أن معقلاً -رضي الله عنه- لا ينتظر الخاطب يخطب مرة أخرى، بل يذهب إليه ويزوِّجه ويُكْرِمه.

 

أيها المبارك: لم يكن الاقتناع العقلي هو المحرِّك للتسليم عند الصحابة، كما نسمع كثيرًا في مجالسنا: أقتنع أولاً، أو التنطع في السؤال عن الحكمة، لم يكن ذلك المحرّك هو المحرك للتسليم، لم يكن الاقتناع العقلي هو المحرك للتسليم عند أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما هي شبهة الناس اليوم: أقنعني بالحكمة والعقل وإلا... إلا ماذا؟!

 تخالف كلام رسول الله؛ لأنك لم تقتنع به، سبحان الله!!

 

بل كان المحرك لأصحاب رسول الله هو ثبوت النص عندهم؛ يقول عليّ -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله يمسح على ظاهر خُفَّيه".

 

بل إن تعجب، فاعجب لابن مسعود -رضي الله عنه-؛ يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: "لما استوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة قال: اجلسوا، فسمِع ذلك ابن مسعود، فجلس على باب المسجد".

 

عباد الله: إن التسليم لأمر الله ورسوله مقام إيماني رفيع، يجب العمل به، فما معنى أنك مسلم؟

 

المسلم هو المستسلم لأمر الله -تبارك وتعالى-، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.

 

أيها المبارك: لقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخالفون أهواءهم، إذا جاء أمر الله ورسوله؛ فهذا الصِّدِّيق -رضي الله عنه-، لما ابتُليت عائشة بما ابتُليت به، وتكلَّم الناس في عِرْضِها، تكلم فيمن تكلم مِسْطَح بن أُثاثة -رضي الله عنه-، ومسطح قريب من أبي بكر الصديق، وكان الصديق ينفق عليه، فلما ظهرت براءتها بآيات في سورة النور، حَلَفَ ألَّا ينفق عليه.

 

فتأتي الآيات لتتغير القرارات: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور: 22]، فيقول الصِّدِّيق: "بلى، أحب أن يغفر الله لي"، فيُكفِّر عن يمينه، ويعود للنفقة عليه.

 

أيها المبارك: من علامات تعظيم النص الشرعي والاستسلام له: عدم الاختيار أو المشورة في حكم الله -تعالى-، بل التسليم الكامل المطلق، دون تردد أو شك أو ريب.

 

ومن علامات تعظيم النص: عدم التنطُّع في البحث عن الحكمة أو العلة، والتعمق في ذلك، فمقتضى إيمانك بأن الله حكيم، فكلّ أمرٍ يأمر الله به ففيه الحكمة، علِمها من علِمها، وجهِلها من جهِلها، وبعض الأحكام استأثر الله بعلمها، فما علِمتَ من حِكْمَةٍ لِحُكْمٍ من الأحكام، فاستدلَّ بها على ما لم تعلم، فالتنطع في البحث عن الحكمة ينافي كمال التسليم والانقياد، وعدم وجود الحرج في النفس عند سماع النص، ويتأكد هذا عند التطبيق.

 

ومن علامات تعظيم النص: الغضب لله إذا انتُهِكَتْ محارمه، وأن يتقبل الحكم تعبُّدًا لله، واستسلامًا لأمره.

 

ومن أعظم ما يدل على تعظيمك للنص الشرعي: إمساكُك عن الكلام فيما لا تعلم، فليس الكلام في العلم الشرعي متاحًا لكل أحد، فالكلام الشرعي لأهل العلم؛ الذين قال الله فيهم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43]، وأن يحذر الإنسان غاية الحذر من الخوض في ذلك؛ فليست أوامر الله ورسوله خاضعة لتقبل الآراء، الله يأمر وأنت تسلِّم؛ ولنتذكر على الدوام قول الله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)[النحل: 116].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفي أثره، وانتهج بنهجه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فمنهجنا -أيها الأحبة- في التسليم كمنهج الصِّدِّيق -رضي الله عنه-: "لئن كان قال، فقد صدق، فإني أصدّقه بما هو أعظم من ذلك".

 

ومن أعظم ما تميز به الإسلام ثبوته واستقراره؛ لأنه مربوط بالوحي؛ الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 42].

 

اللهم اجعلنا معظِّمين لأمرك مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لِما نهيتَ عنه منتهين عنه.

 

اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تُعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوتك يا جبار السماوات والأرض.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ثبِّتهم على قولك الثابت يا رب العالمين، وجازِهم عنا خير الجزاء، اللهم رُدَّ كيد الحوثي في نَحْرِه، اللهم رد كيد الحوثي في نحره، اللهم رد كيد الحوثي في نحره يا رب العالمين.

 

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

 

اللهم ثبِّتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تَصْمُد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك، وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازِهم عنا خير ما جازيت والدًا عن والده، اللهم من كان منهم حيًّا، فأطِلْ عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا، فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء، وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلحنا وأصلح ذرياتنا وأزواجنا، وإخواننا وأخواتنا، ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]، وصلِّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

المرفقات

الصحابة والتسليم لأمر الله.doc

الصحابة والتسليم لأمر الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات