عناصر الخطبة
1/ حقيقة شهود الدنيا وشهود الآخرة 2/ أنواع الشهود على الإنسان 3/ وجوب محاسبة النفس واستشعار شهود الإنسان عليهاقتباس
أيها المسلمون: شهود كُثر، الله يشهد، والرسل والأنبياء تشهد، والملائكة تشهد، والأرض والليل والنهار تشهد، فإذا ما لجَّ العبدُ في الخصومة، وكذّب ربه، وكذّب هؤلاء الشهود الذين شهدوا عليه؛ عندها أقام الله -تعالى- له شاهدًا من نفسه، أتدرون ما هو؟! ومن هم؟! إنهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الحمد لله الملك القدوس السلام، المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الرقيب الحسيب الشهيد، الشديد الفعّال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور، سبحانه عالم الغيب والشهادة، يعلم السر وأخفى، لا يحتجب عن المحتجبين، ولا يستتر عن المستترين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحقُّ من عُبد، وأحق من ذُكر، وأحقّ من شُكر، وأحق من خُشي ورُجي.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى والنور شفيعًا وشهيدًا على أمته، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
إن الشهود في الدنيا على أي قضية من القضايا، أو حادثة من الحوادث، قد يكذبون، وقد يبالغون ويزيدون، وقد يكونوا شهود زور، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة على وجهها، إما خوفًا من مهدّد، أو طمعًا في مرغّب؛ هذا حال كثير من شهود الدنيا.
ولا ضير؛ فالأمر أمر دنيا، ولكن القضية الأهم والأمر الأكبر، هو عن حال شهود يوم القيامة، شهود الآخرة.
أما شهود يوم القيامة، فيختلفون عن شهود الدنيا أيّما اختلاف، فهم شهود كلفهم ربهم -عز وجل- بالشهادة، وأمرهم بها، فلا يعصون خالقهم، وينطقون من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير كذب ولا امتناع، فشهاداتهم واضحة، وعباراتهم صريحة.
فلنستعرض -أيها الإخوة- هؤلاء الشهداء على كل واحد منا، من هم؟! وكيف هي شهاداتهم؟! ومتى؟! وعلى من يشهدون؟!علّنا من هذه الوقفة هذه الليلة نستيقيظ من غفلتنا، وننتبه لأنفسنا.
أيها الإخوة في الله: وأول هؤلاء الشهود، هو: النفس، فكل واحد منّا ذكرًا أو أنثى، أو ما يشهد عليه نفسه التي بين جنبيه.
وهذه الشهادةتكون عند الاحتضار، حيث لا ينفع الندم، ولايجدي الأسف في تلك اللحظات التي يكون الواحد منا في ذروة الحسرة، وشدة الألم، تقفل عندها أبواب التوبة، ويعترف الإنسان، ويشهد على نفسه بالتقصير والتفريط، فأغلى أمانيه أن يقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون: 99 - 100] ولكن الله -تعالى-، العليم الخبير، يعلم كذبه وخبثه وتسويفه: (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الأنعام: 28].
(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون: 99] هربًا من الموت وسكرته! والعذاب وشدّته!َ.
ففاجأه بالكلمة المؤثرة المزعجة: (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 100].
عندها لا يجد مفرًّا ولا هربًا من الاعترافات والشهادة على نفسه أنه كان في الدنيا، عبدًا للدرهم والدينار عبدًا للشهوة والمتاع، عبدًا للطعام واللذة والشراب، قال تعالى: (وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [الأنعام: 130].
هذه -أيها الإخوة- هي قيامة كل واحد منا.
فإذا ما أذن الله -تعالى- بقيام الساعة، واضطربت الأرض، وطمست النجوم، وكوّرت الشمس، وسيّرت الجبال، واهتز نظام الكون كلّه، عندها يبدأ الشهود يتتابعون بعضهم وراء بعض، ويظهر للعبد ما لم يكن يعهده من قبل، وما لم يكن يحسب حسابه.
لما خلق الله آدم، ونفخ فيه الروح، عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم! اذهب إلى أولئك الملائكة، إلى ملأ منهم جُلوس، فقل: السلام عليكم، قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه، فقال: إنَّ هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم، فقال الله له: ويداه مقبوضتان: اختر أيهما شئت: قال: اخترتُ يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ثم بسط فإذا فيها آدم وذريته، فقال: أي ربِّ ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه، فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم، قال: يا رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، وقد كتبتُ له عمر أربعين سنة. قال: يا ربِّ زد في عمره، قال: ذاك الذي كتبتُ له، قال: أي ربِّ فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة، قال: أنت وذاك، ثم أسكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، فكان آدمُ يُعدُّ لنفسه، فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد تعجلت، قد كُتب لي ألف سنة. قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة، فجحد، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، فمن يومئذ أُمر بالكتاب والشهود. [صحيح].
أيها الإخوة في الله: وأعظم الشهود في يوم المعاد على العباد، هو: ربهم وخالقهم وفاطرهم -عز وجل- الذي خلقهم، ولا تخفى عليه خافية من أحوالهم، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) [يونس: 61].
وقال: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) [النساء: 33].
وروى البخاري عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يجاء بالكافر يوم القيامة، فيقول له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا كنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقال له: كذبت قد سُئلت ما هو أيسر من ذلك".
وأي شهادة أعظم من شهادة الله على عبده وأمته؟!
(كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الإسراء: 96].
ومن أصدق من الله قيلاً وحديثًا سبحانه.
ولكن الله -تعالى- يحب الإعذار إلى خلقه، ويحب أن يقيم عليهم الحجة البينة، فيبعث سبحانه شهودًا على المكذبين الجاحدين، حتى لا يكون لأحد عذر: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء) [الزمر: 69].
وأول من يشهد على الأمم: رسلها، فيشهد كل رسول على أمته بالبلاغ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) [النساء: 41].
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ) [النحل: 89].
فقوله تعالى: (شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ) [النحل: 89].
هم الرسل -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأن كل أمة رسولها منها.
وهؤلاء الرسل كما يشهدون على أممهم بالبلاغ، فهم أيضًا يشهدون عليهم بالتكذيب: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 6].
ثم إن الأمم تكذّب رسلها، وتقول كلّ أمة: ما جاءنا من نذير.
فتأتي هذه الأمة، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتشهد للرسل -عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه- تشهد لهم بالبلاغ، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143].
روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول الله: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيدًا، فذلك قوله جل ذكره: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].
وفي روايةأخرى: "يُدعى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة .. دلالة على الشهادة على جميع الأمم" [رواه البخاري].
هكذا -أيها الإخوة-: كل رسول شهيدٌ على أمته.
ونحن شهداء على الناس ورسول الله محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام-، هذا النبي الكريم، هذا النبي الحبيب الذي طالما أنذرنا وحذرنا من الغي والفساد، وأمرنا وحثنا على الهدى والرشاد، يشهد على المكذبين العصاة من أمته عليه الصلاة والسلام، قال الله -تعالى-: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا) [النساء: 41- 42].
هذا المشهد الفاضح للعاصين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسلمين، المراؤون بأعمالهم، الذين لم يتبعوا هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، يظهر عليهم يوم القيامة حين شهادة رسول الله عليهم الصغار والشنار.
تأملوا ساعة العرض، وقد انتُدب الرسول -صلى الله عليه وسلم- للشهادة عليهم، ونخشى أن نكون نحن منهم، هؤلاء الذين نسأل الله ألا نكون منهم.
هاهم في حضرة الخالق الرازق -سبحانه-، الذي كتموا فضله، هاهم في مواجهة مع من؟! مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي طالما عصوه، وطالما خالفوا أمره.
أمر بتقوى الله فما أطاعوه، أمر بالحجاب والستر والحياء فما أطاعوه.
هاهم هذه حالتهم: إنها الخزي والمهانة والحسرة والندامة!.
عندها تتمنى قوافل العصاة من المرابين والديوثين والمتبرجات السافرات، المضيعات للحجاب والحياء، والعفاف والستر، يتمنى الظالمون والمنحرفون، وغيرهم، يتمنون لو أن تبتلعهم الأرض، ويُهال عليهم التراب، حتى تسوّى بهم الأرض: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا) [النساء: 42].
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء) [النحل: 89].
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا وإياكم ممن أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من نفسه وماله وولده والناس أجمعين، وأن يوفقنا لاتباع سنته، والسير على منهجه، واجتناب ما نهى عنه، وحذر منه: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
ونعوذ بالله من موقف يشهد علينا فيه الرسل بقبح أعمالنا.
أيها المؤمنون: ومن الشهود على العباد يوم المعاد: ملائكة الرحمن، الكرام الكاتبون الذين: (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الإنفطار: 12].
وما هم عنا بغائبين، يرونا من حيث لا نراهم، يسجلون على كل واحد منا صالح أعماله وفاسدها، ملائكة لا وظيفة لهم إلا كتابة أعمال العباد، صغيرها وكبيرها، وجليلها وحقيرها.
ويكفي تصويرًا لهذه الأعمال المكتوبة على كل واحد منا والتي نسيناها: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم: 64].
يكفي مذكرًا لنا حديثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ذكر فيه الرجل الذي تنشر له صحائفه وسجلاته، ينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مدّ البصر، مسجل بها أعماله وأقواله: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
وقال تعالى: (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق: 21].
قال ابن كثير -رحمه الله-: أي ملك يسوقها إلى المحشر وملك يشهد عليها بأعمالها.
هذا القرين الذي لازمه طيلة حياته قرين الملائكة المقربين، طالما غفلنا عنه وعن كتابته، هاهو اليوم يوم القيامة شهيد على العبد، قال تعالى: (وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) [النساء: 166].
أيها الإخوة: ووقفة مع شاهد آخر، أغلبنا لا يتذكره، وإن تذكره فسرعان ما ينساه: إنها هذه الأرض التي نمشي عليها، ونسير فوقها، ونأكل من خيراتها، هذه الأرض التي نطيع الله عليها، ونعصيه فوقها، إنها من الأشهاد يوم القيامة، تشهد بكل ما عُمل عليها من خير أو شرّ من كل صالح أو سيء؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: خلت البقاع حول المسجد -أي مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لهم: بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: بني سلمة دياركم -أي الزموها وابقوا فيها- تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم، فقالوا: "ما يسرّنا أنا كنا تحولنا" [رواه مسلم].
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أن آثار المشي إلى الصلاة مكتوبة للعبد يوم القيامة، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يــس: 12].
بل والمؤذن يشهد له في ذلك اليوم الرهيب كل شيء سمع صوته عندما أذّن، روى البخاري في صحيحه: أن أبا سعيد الخدري قال لعبد الرحمن بن صعصعة: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت في الصلاة، فارفع بالنداء -أي بصوتك- فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".
وفي رواية: "لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة".
وعن ابن المبارك عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "من سجد في موضع عند شجر أو حجر شهد له عند الله يوم القيامة".
ولذا استُحب للمصلي أن يصلي السنة الراتبة في موضع غير موضع الفريضة يتقدم أو يتأخر، أو يمينًا أو شمالاً، لتكثر المواضع الشاهدة له بالخير يوم القيامة، والحجر الأسود الذي في الكعبة، قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليأتين هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحقٍّ".
فكل الآثار على هذه الأرض مكتوبة محفوظة، ولذا قال أهل العلم: من عصى الله -تعالى- في موضع من الأرض فليطعه في نفس الموضع، حتى يشهد له بالحسنات والسيئات، و(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
روى الترمذي في جامعه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) [الزلزلة: 4] قال: "أتدرون ما أخبارها؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها يوم تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها".
أيها الإخوة في الله: يا له -والله- من منظر مهول! هذه الأرض التي لطالما وطئتها أقدامنا، وعُملت عليها الذنوب والمعاصي والخطايا والآثام، ولم نشعر يومًا من الأيام أن الله سينطقها.
نعم، الله -تعالى- ينطقها وهي جماد، فتخبر بكل ما عُمل على ظهرها من الزنى والقتل، والظلم والجود، والكذب والسرقة، ومقارفة الحرام، والمشي إليه -والعياذ بالله-، أو تشهد بالصلاة والعبادة، والذكر والتسبيح، والسير في طاعة الرب -سبحانه- ومرضاته؟
إنها حقيقة لا خيال! ليتخيل كل واحد منا نفسه في ذلك اليوم، وقد شُّقت الأرض عن لحدك، وخرجت من قبرك، تقوم وأنت أو أنتِ الكلّ يحثوا التراب عن رأسه وجسده.
الجسد عاري، والقدم حافية، والرأس مكشوف بلا غطاء، والموتى يخرجون من قبورهم مذهلين من هول المطلع.
وإذ بك -يا عبد الله ويا أمة الله- إذا بك والأرض تنطق عليك، وتقولين: "ما لها؟ ما لها؟".
فإذا بالأصوات تضج من كل مكان من أرجائها، تتحدث بما فعلت عليها من شرّ أو خير.
فهل نتعظ -أيها الإخوة والأخوات-؟ هل نتعظ؟! هل نتذكر حينما نمشي على الأرض ألاّ نعصي الله عليها، وأن نتذكر أنها شاهدة لنا، أو علينا؟!
فليتخير كل عبد لله، وكل أمة لنفسها العمل، إما صالحًا أو سيئًا، فإننا بين يدي الله موقوفون، ولأعمالنا مشاهدون، وللشهداء علينا سامعون: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
ومن شهادة الأرض على العبد يوم القيامة: تشهد عليه أيضًا الأيام والليالي والأوقات، يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "ما من يوم تطلع شمس إلا نادى منادٍ من السماء: يا ابن آدم أنا يوم جديد، أنا خلق جديد وأنا على عملك شهيد، فاعمل خيرًا أشهد لك به غدًا فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
نعم، يشهد على الإنسان الوقت: عملت في وقت كذا وكذا، كذا وكذا من الأعمال.
نسأل الله أن يعمر أوقاتنا بطاعته ومرضاته.
أيها المسلمون: شهود كُثر، الله يشهد، والرسل والأنبياء تشهد، والملائكة تشهد، والأرض والليل والنهار تشهد، فإذا ما لجَّ العبدُ في الخصومة، وكذّب ربه وكذّب هؤلاء الشهود الذين شهدوا عليه، عندها أقام الله -تعالى- له شاهدًا من نفسه، أتدرون ما هو؟! ومن هم؟!
إنهم الأعضاء والجوارح!.
نعم، أعضاء وجوارح العبد، التي كان يتمتع بها، ويأكل ويشرب، وينظر ويتكلم، ويأخذ ويعطي، ويتحرك هذه الأعضاء، وهذه الجوارح والجلود يوم القيامة مستنطقة شاهدة إما بخير أو بشر، قال الله -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24].
فاللسان يشهد وينطق من غير إرادتك، واليد والرجل والعين والأذن تشهد بحق، وصدق أمام ربها.
سبحان الله! هذه العين أو تلك اليد أو تلك الأذن أو هذا اللسان لو أصاب أيًّا منها شيء من الأذى أو المرض أو التعب كم يألم الإنسان لذلك، وكم يجتهد في طلب العلاج والشفاء له ولما أصابه.
بل وقد يسافر آلاف الأميال، ويتغرب في ديار ليست له بديار، وقوم ليسوا له بأصحاب، أو أصهار، من أجل ماذا؟
من أجل مرض في عينه، أو داء في قدمه، أو آلام في مفاصله، أو بلاء في لسانه.
وما علم نعم من أجل جرح في يده، أو ألم في عينه، أو أذنه، يسعى إلى الطبيب رجاء الشفاء.
وما يدري لعلّ هذه اليد أو العين، أو الأذن، تكون خصمك يوم القيامة أمام الجبار.
تشهد عليك وتوردك النار -والعياذ بالله-.
نعم -أيها الإخوة- ليتخيل كل واحد منا نفسه، وقد انبعثت الأصوات من جميع جسده، والإنسان منبهر من يده التي تقول ويسمع كلامها وصوتها، تقول: يا رب أنا للحرام فعلتّ! ولذا أخذت وأعطيت!.
وسمعك، يقول: أنا للحرام استمعت! وللباطل أصغيت!.
وبصرك يا ابن آدم، هذه العين، تقول: يا رب أنا للحرام نظرت! أنا للفساد أبصرت! وبه تلذذت! وللمحارم انتهكت!.
والقدم، تقول: يا رب أنا للحرام مشيت وذهبت وقمت!.
وكل الجلود والأعضاء تشهد وتنطق؛ أنها للمعاصي اجترحت وفارفت!.
فأي هول أعظم من هول هذا الموقف؟ وأي فضيحة للعبد وللأمة أمام الخلائق أكبر من هذه الفضيحة؟!
نسأل الله -تعالى- أن يسترنا في الدنيا والآخرة، وأن يجعل جوارحنا شاهدة لنا لا علينا.
أيها المؤمنون: أين يكون المهرب؟ وما هو المنجى؟ وكيف يكون الملتجأ؟ والشهود على العبد من نفسه؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 19- 24].
الخطبة الثانية:
روى ابن ماجة في سننه، والحديث صحيح عن جابر، قال: لما رجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجرة البحر، قال: ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال الفتية منهم: بلى يا رسول الله! بينما نحن جلوس، مرت بنا عجوز من عجائز رهبانيهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها! فخرّت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت والتفتت إليه، فقالت: سوف تعلم يا غُدر -أي يا غادر- إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري، وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صدقت صدقت، كيف يقدّس الله أمّةٍ لا يقتص لضعيفهم من شديدهم".
وأخرج الإمام مسلم والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يلقى العبد ربه، فيقول الله: ألم أُكرمك وأسوّدك وأزوجك، وأسخر لك الخير والإبل وأذرك ترأس وتربع؟! فيقول: بلى أي رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني"
وفي رواية: "فيقول: آمنت بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول الله: هاهنا إذن! ثم يقول: الآن نبعث شاهدًا عليك، فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه وفمه ولحمه وعظامه بعمله ما كان، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط عليه" [رواه مسلم].
فالموقف أمام الله صعب وشديد.
لا ينفع فيه الكلام، والثناء الكاذب، بصالح الأعمال.
إن كان العبد في الدنيا يستطيع أن يخدع الناس، ويتكلّم بلسانه، أنه صاحب عمل صالح وتقوى، فيوم القيامة الأمر يختلف: "ألا نبعث عليك شهيدًا".
وانظروا كيف يتفكر في نفسه من ذا الذي يجرؤ أن يشهد علي؟
وهذا لشدة طغيانه وظلمه، يحسب أن له هيبة وجبروتًا كما كان في الدنيا ولم يكن يتوقع أن يكون الشاهد أقرب إليه من أي شاهد آخر، إنها جوارحه وجلده وأعضاؤه: (لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَاقَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ) عبودية لله -تعالى- كاملة: (الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت: 21].
إن يوم الختم على الأفواه، وتكلّم الفخوذ والأيدي والجوارح: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يــس: 65].
وفي الحديث السابق ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أول ما يتكلم من العبد فخذه.
وفي حديث آخر سنده حسن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدامُ، وأول ما يتكلم من الإنسان فخذه وكفه".
قال الإمام القرطبي -رحمه الله- إجابة عند ذلك أنه يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون كلام فخذه أولاً زيادة في الفضيحة والخزي على ما نطق به الكتاب: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ) [الجاثية: 29].
لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش ويخلو قلبه عندها من ذكر الله -تعالى-، فلا يفعل ما يفعل خائفًا مشفقًا، فيخزيه الله -تعالى- بمجاهرته بفحشه على رؤوس الأشهاد.
والوجه الثاني: أن يكون هذا فيمن يقرأ كتابه ولا يعرف بما ينطق به الكتاب، بل يجحد، فيختم الله على فيه، وتنطق جوارحه، فتشهد عليه بسيئاته، وهذا الأظهر -والله أعلم-.
وقيل: أن أول ما ينطق من جوارحه فخذه؛ لأن أعمال الجوارح من اليد والقدم واللسان والسماع، ونحو ذلك قد يكون ظاهرًا للناس غير خافٍ عليهم فعندما تنطق به لا يستغربه كثيرًا.
أما ما قارفته فخذاه من المنكرات والفواحش والزنا والفجور التي لا يعلمها في ظنه إلا هو، فيستبعد أن تظهر، فعندما ينطق أول ما ينطق فخذه بخيانته، تزداد مفاجأته ورهبته وخوف -نسأل الله السلامة واللطف بنا-.
معاشر المسلمين: روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك! فقال: "هل تدرون ممّ أضحك؟" قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم علك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، ثم يختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعدًا لكنّ وسحقًا، فعنكنّ كنت أناضل".
الله أكبر! ما أعظمها -والله- من مفاجأة وحقيقة مذهلة، سيشهدها كل واحد منا يوم القيامة، والإنسان من عادته الجحود والنسيان، وإنما جعل الله الشهود وكتبهم لقصة!..
فليتأمل العاصي المسكين أن جوارحه التي يعصي الله بها ويزود عنها أنها تأتي يوم القيامة شاهدة عليه بأعماله.
العمر ينقص والذنوب تزيد *** وتُقال عثرات الفتا فيعودُ
هل يستطيع جحود ذنب واحدٍ *** رجلٌ جوارحه عليه شهودُ
يا من استترت عن أعين الخلائق في الدنيا: ألم تعلم بأن الله يرى؟ألم تعلم بأن الملائكة الكرام الكاتبين يحصون عليك كل صغيرة وكبيرة؟: (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 22 - 23].
أيها الإخوة في الله: إن استشعار الواحد منا للشهود يوم القيامة لحريّ أن يجعل المؤمن مراقبٌ لنفسه، دائم المراقبة لربه، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم ولا الإنكار ولا الاعتذار.
أين يهرب الواحد منا: والأرض شاهدة عليه؟ والرسل والأنبياء شهود؟ والزمان والأيام والليالي شهود؟ والملائكة شهود؟ والجوارح والأعضاء والجلود شهود؟ (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا) [النساء: 166]؟
أنا من خوف الوعيد *** في قيام وقعود
كيف لا أزداد خوفًا *** وعلى النار ورودي
كيف جحدي ما تجرّم *** تُ وأعضائي شهودي
كيف إنكاري ذنوبي *** أم تُرى كيف جحودي
وعليّ القولُ يُحصى *** برقيب وعتيد
فلا يملك عصاة الجن والإنس يوم القيامة أمام هذه الشهادات المتوالية إلاّ أن يشهدوا على أنفسهم، فيقول لهم الجليل -سبحانه-: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [الأنعام: 130].
يا من قد وهى شبابه، وامتلأ بالزلل كتابه: أما بلغك أن الجلود إذا استشهدت نطقت؟ أما علمت أن النار للعصاة خلقت؟
إنها لتُحرق كل من يُلقى فيها، والتوبة تحجب عنها والدمعة تطغيها.
يا أسفا للعصاة في مآبها إذا قلقت لقطع أسبابها وغابت في الأسى عند حضور عتابها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) [الجاثية: 28].
قامت الأمم على أقدامها فأقامت تبكي على إقدامها، وسالت عيون من عيون غرامها ندمًا على آثامها في أيامها وأحقابها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) [الجاثية: 28].
ظهرت في ذلك اليوم أهوال لا توصف، وبدت أمور لا تعرف، وكُشفت حالاتٌ لم تكن تكشف.
يا لهمن يوم لا كالأيام، تيقظ فيه من غفل ونام، ويحزن كل من فرح بالآثام، وتيقن أن ما كان فيه من لذة أحلام.
فواعجبًا لضحك نفسٍ البكاء أولى بها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) [الجاثية 28].
والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم