الشرح

تركي بن عبدالله الميمان

2022-02-04 - 1443/07/03 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/شرح سورة الشرح

اقتباس

وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ أَنَّ أَعْظَمَ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْر هُوَ اسْتِقْرَارُ الإِيْمان في قَلْبِ الإِنْسَان (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

               

أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللَه وَقَاه، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْه كَفَاه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:2-3].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا العِنَايَةُ الإِلَهِيَّة، والرِّعَايَةُ الرَّبَّانِيَّة، وَفِيْهَا البُشْرَى بِالْفَرَجِ والتَّيْسِيْر، مِنَ العَلِيِّ الكَبِير؛ إِنَّهَا سُوْرَةُ الشَّرْح.

 

يَقُوْلُ تَعَالى -مُمْتَنًّا عَلَى رَسُوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم--: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشرح:1]؛ أَيْ أَلَمْ نُوَسِّعْ قَلْبَكَ بِالْإِيمَانِ وَالنُّبُوَّةِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ.

 

وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ أَنَّ أَعْظَمَ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْر هُوَ اسْتِقْرَارُ الإِيْمان في قَلْبِ الإِنْسَان (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)[الزمر:22].

 

كَمَا أَنَّ ضِيقَ الصَّدْرِ؛ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الضَّلَالِ عَن الدِّيْن، والبُعْدِ عَنْ رَبِّ العَالَمِيْن، قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)[الأنعام:125].

 

ثُمَّ قالَ تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)[الشرح:2-3]؛ أَيْ غَفَرْنَا ذَنْبَكَ الَّذِيْ أَثْقَلَ ظَهْرَك. وَإِذَا كَانَ هَذَا وِزْرُ الرَّسُوْلِ -صلى الله عليه وسلم-؛ قَدْ أَثْقَلَ كَاهِلَه؛ فَكَيْفَ بِأَوْزَارِ غَيْرِه؛ فَالمُؤْمِنُ تُتْعِبُهُ الخَطَايَا، وَتُثْقِلُهُ الذُّنُوب حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ والاِسْتِغْفَار، والفِرَارِ إِلى الوَاحِدِ القَهَّار.

 

(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشرح:4]؛ أَيْ أَعْلَيْنَا قَدْرَكَ وَشَأْنَكَ، وَجَعَلْنَا لَكَ الثَّنَاءَ الحَسَن، وَصَارَ اسْمكَ شَهِيْرًا في المَشَارِقِ والمَغَارِب؛ فَلَا يُذْكَرُ اللهُ، إِلَّا ذُكِرَ مَعَهُ رَسُوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-.

 

وَتَمُرُّ القُرُوْن، وَتَتَعَاقَبُ الأَجْيَال، وَمَلَايِينُ الشِّفَاه تَهْتِفُ بِاسْمِهِ الكَرِيم، مَعَ الصَّلَاةِ والتَّسْلِيْم، والحُبِّ العَظِيْم! إِنَّهَا مَرْتَبَةٌ لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ مِنَ العَالَمِيْن! قال قَتَادَةَ: "رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ، وَلَا مُتَشَهِّدٌ، وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ، إِلَّا يُنَادِي بِهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ".

 

(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5]؛ أَيْ إِنَّ مَعَ الضِّيْقَةِ وَالشِّدَّةِ: سَعَةً وَغِنًى.

 

وَهَذِهِ بِشَارَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَهِيَ: أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ عُسْرٌ وَصُعُوْبَة؛ فَإِنَّ اليُسْرَ يُلَازِمُهُ وَيُصَاحِبُهُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْ كَانَ الْعُسْرُ فِي جُحْرٍ؛ لَتَبِعَهُ الْيُسْرُ، حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ فَيُخْرِجَهُ".

 

قال القُرْطُبِي: "هَذَا وَعْدٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُ، أَيْ: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ؛ يُسْرًا فِي الْآخِرَةِ لَا مَحَالَةَ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ يُسْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"( رواه أحمد).

 

ثُمَّ كَرَّرَ اللهُ تِلْكَ البُشْرَى قَائلا: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:6]: وهَذَا تَأْكِيْدٌ لِلْكَلَامِ؛  لِيَكُونَ أَقْوَى لِلْأَمَلِ، وَأَبْعَثَ عَلَى الصَّبْرِ.

 

وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ (الْعُسْرَ) مُعَرَّفٌ في الآيَتَيْن: فَهُوَ مُفْرَدٌ. وَ(الْيُسْرُ) مُنَكَّرٌ: فَتَعَدَّدَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يَقُولُ تَعَالَى: خَلَقْتُ عُسْرًا وَاحِدًا، وَخَلَقْتُ يُسْرَيْنِ؛ وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".

 

(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشرح:7]؛ أَيْ إِذَا تَفَرَّغْتَ مِنْ شَوَاغِلِ الحَيَاة، فَاجْتَهِدْ في العِبَادَةِ والدُّعَاء، وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ إِذَا تَفَرَّغُوا: اشْتَغَلُوا بِالمَعْصِيَة، وَأَعْرَضُوا عَنْ رَبِّهِمْ.

 

وَهَذَا تَوْجِيهٌ عَامٌّ؛ لِلْأَخْذِ بِحَظِّ الْآخِرَةِ، بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ نَصِيْبِ الدُّنْيَا، وحَلٌّ لِمُشْكِلَةِ الْفَرَاغِ؛ حَيْثُ لَمْ تَتْرُكْ لِلْمُسْلِمِ فَرَاغًا فِي وَقْتِهِ! قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: "إِنِّي لَأَكْرَهُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا سَبَهْلَلًا، لَا فِي عَمَلِ دُنْيَا وَلَا دِينٍ".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

أَمَّا بَعْدُ: يَقُوْلُ تَعَالى: (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[الشرح:8]؛ أَيْ فَارْغَبْ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ، واجْعَلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا إِلَى غَيْرِهِ؛ فَلَا تَطْلُبْ حَاجَاتِكَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا تُعَوِّلْ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ إِلَّا عَلَيْهِ، قالَ ابْنُ عُثَيْمِيْن: "ثِقْ بِأَنَّكَ مَتَى عَلَّقْتَ رَغْبَتَكَ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلّ-؛ فَإِنَّهُ سَوْفَ يُيَسِّرُ لَكَ الأُمُوْر".

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

الشرح.pdf

الشرح.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات