عناصر الخطبة
1/ معنى الشذوذ 2/ أشكال الشذوذ 3/ وقوع الشذوذ في الرجال والنساء 4/ الحكمة من تحريم الشذوذ الجنسي 5/ أسبابه 6/ علاجهاقتباس
حديثنا اليوم عن الشذوذ الجنسي. والشذوذ الجنسي هو السلوك المنحرف من ناحية الشهوة الجنسية، وهذا التعريف يشمل جميع الشذوذ الجنسي، فكلمة سلوك تشمل السلوك النفسيّ والسلوك الظاهري، فالسلوك النفسي هو الشهوة التي تكون في داخل النفس والميول إلى ذلك (الفعل الفاحش)، وأما السلوك الظاهري فهو القيام بارتكاب هذه الفاحشة فعليّا...
الخطبة الأولى:
حديثنا اليوم عن الشذوذ الجنسي. والشذوذ الجنسي هو السلوك المنحرف من ناحية الشهوة الجنسية، وهذا التعريف يشمل جميع الشذوذ الجنسي، فكلمة سلوك تشمل السلوك النفسيّ والسلوك الظاهري، فالسلوك النفسي هو الشهوة التي تكون في داخل النفس والميولُ إلى ذلك (الفعل الفاحش)، وأما السلوك الظاهري فهو القيام بارتكاب هذه الفاحشة فعليّا.
ومعنى كلمة (شاذ) أو (منحرف) أيضا: الذي خرج عن الحدّ الفطري السليم، فهو منحرف، ولذلك يسمى: شاذًا ومنحرفًا.
وبعض المصطلحات الحديثة تسميها بالمثلية الجنسية، وهذا الاسم الآخر يراد به تلطيف هذه الفاحشة ومراعاة خاطر من يرتكبها، وهذا بحسب الأنظمة في أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا، والتي تبيح مثل هذه الأعمال، والعياذ بالله!.
وكل هذه التسميات ليست هي الاصطلاح الشرعي، فالاصطلاح الشرعي للشذوذ هو فاحشة قوم لوط، وهو من جملة الفواحش والرذائل التي حرمها الله -جل وعلا-، وهذه هي التسمية السليمة، وهي أن تسمى بالفاحشة كما سماها القرآن: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ) [الأعراف:80]. فسماها فاحشة؛ لأن الاسم لا بد أن يؤدّي الغرض من التسمية، فمعنى كونها فاحشة، أي: ذنبا متناهيا في القبح والبشاعة والقذارة.
إن هذا خير ما يتمسّك به المؤمن، وهو أن يحرص على الاصطلاحات الشرعية، ومع هذا فإن هذا المصطلح، وهو: الشذوذ الجنسيّ، شائع بين الناس، وخاصة في الأوساط الطبية.
والشذوذ الجنسي يتّخذ أشكالا كثيرة، فمنها الشذوذ السادي، وهو الحصول على المتعة من خلال القيام بضرب الطرف الآخر والتلذّذ بذلك قبل القيام بالممارسة، ومنها ارتداء الشاذ لملابس الجنس الآخر وممارسة العادة السرية أو استخدام الأدوات الصناعية، ومنها التلصّص على عورات الآخرين والتلذّذ بذلك، أو مشاهدة الأفلام الإباحيّة وخصوصًا الشاذّ منها.
ومنها ممارسة الجنس مع الصغار أو مع كبار السن أو مع النساء بطريقة شاذة حتى ولو كانت زوجة، ومنها ممارسة الجنس مع الحيوانات أو حتى مع الأموات في بعض الحالات، ومنها كتابة الألفاظ البذيئة الشاذة والدعوة إلى الشذوذ في مواقع الإنترنت أو الروايات وحتى على الجدران في دورات المياه وغيرها، ومنها إعلان الشاذ مثلا أنه يعشق ولدًا وينظم فيه قصائد الحبّ والغرام، ويحاول التقرب إليه بشتى الوسائل.
ومنها تشبّه الذكر بالأنثى أو ما يسمّى بالجنس الثالث، فيتشبّه الشاذ بالأنثى ويقلّد حركاتها ومشيتها ويلبس ويرقص ويتزيّن مثلها، وهؤلاء هم الذين ذكرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس قال: "لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء" رواه البخاري.
وهنا لا بدّ أن ننبّه إلى أنّ من يكون من هؤلاء مريضا بزيادة في الهرمونات الأنثوية فهذا إن لم يفعل الفاحشة أو يمارسها فهو ليس عاصيا لربّه؛ بل هو مبتلى بمرض كما يبتلَى غيره بأمراض أخرى، وعليه أن يسعى في علاج إصلاح الهرمونات عنده، وأن يصبر؛ فإنّ الله قد وعد الصابرين بأفضل الجزاء، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
والشذوذ الجنسي يقع في الرجال والنساء، فقد يميل الذكر إلى الذكر، وقد تميل الأنثى إلى الأنثى، وخلاصة الحاصل في هذا الأمر هو أن يشتهي الرجل الأمور الجنسية مع الرجل مثله، سواء كان فاعلا أو مفعولا به، وكذلك المرأة أن تشتهي القيام بالممارسات الجنسية بقضاء الشهوة عن طريق أنثى مثلها.
وهذا كله من أعظم المحرّمات التي حرّمها الله -عز وجل-، بل وحكم على أصحابها بأنهم قوم سوء، وبأنهم فساق، وبأنهم يعملون الخبائث، كما قال -تعالى- عن قرية قوم لوط التي كانت تعمل الخبائث: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سُوءٍ فَاسِقِينَ)، وعذبهم عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:13]، أي: من فعل فعلتهم فليس ببعيد أن يقع له ما وقع لهم، فوصفهم -جل وعلا- بالظلم، وعاقبهم عقوبة لم يعاقبها أحدا من العالمين.
ولذلك قال -تعالى- في آيات أُخَر: (وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ) [القمر:39].
وإذا أردنا أن نلتمس الحكمة من وراء تحريم الله للشذوذ الجنسيّ فعلينا أن نعلم أنّ هذه الفاحشة متى وقعت للإنسان ودخل فيها فإنها تفسد عليه دينه ودنياه، وتفسد عليه مشاعره الإنسانيّة؛ بل إن بعض هؤلاء قد يصل بهم الحال إلى حالة مغلقة شديدة، حتى يصبحوا كالسكارى من شدّة الشهوة المحرّمة للفاحشة، كما قال -تعالى-: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72]، أي: يتخبطون في سكرة العشق المحرم من الذكور إلى الذكور.
ثم إن الشذوذ مفسدة للنساء اللواتي ينصرف أزواجهن عنهن إلى الرجال، فيتجهن إما إلى رجال غرباء عنهن أو إلى الشذوذ مع نساء أخريات، فتشيع الفاحشة في المجتمع، وينقلب المجتمع إلى وكر كبير ترقص فيه الشياطين وتغني، وصدق الله -تعالى-: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) [الشعراء:166].
أيضا، الذي يقع في الشذوذ يرغب عن النكاح، بل ولا يفكر فيه؛ مما يسهم في قطع نسبه ووقف نسله، بل الحد من نسبة التوالد في المجتمع المسلم بشكل عام.
كذلكم، إفساد الناشئة من الصغار والأحداث الذين لا يعرفون مدى الجرم الواقع من هذه الرذيلة، حيث يغويهم المرضى من الكبار، فإذا ما أصبحوا رجالا أصبحت الرذيلة عادة فيهم ومرضا متحكما وخلقا ذميما لا يستطيعون منه فكاكا، ومرضا مزمنا ينزع عنهم الحياء والرجولة وما يتعلق بها من صفات وأخلاق.
ثم لا تلبث الضحية التي وقعت في الغواية أن تكرّر التجربة مع الأحداث الصغار بدافع الانتقام من المجتمع بالانحراف، ومثل هذا يتحمل وزرين: وزر العمل الشائن المستقبح، ثم وزر الإفساد للآخرين ودفعهم إليه كرها وطوعا، حتى تعم الظاهرة في المجتمع الذي يفقد بذلك مقومات استمراره وبقائه وحضارته وقوته.
كذلكم، انتشار الأمراض الفتاكة، كالمرض المخيف الإيدز، والمرض الجديد الذي اكتشف الآن لدى الشواذ وهو مرض الحبّ أو فيروس الحبّ، يقول د. كينيث مور مكتشف هذا المرض: إنّ مرض الإيدز يعد لعبة أطفال مقارنة بهذا المرض الجديد. ويقول: إن العلوم الطبية المعاصرة تقف عاجزة تماما إزاءَه. وصدق رسول الله: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا".
أما أهم الأسباب التي تؤدّي إلى الشذوذ الجنسي فهي عدم مراقبة الآباء لأبنائهم في تصرفاتهم وسلوكهم؛ مما ينتج عنه احتكاك الأولاد بآخرين قد يكونون حتى من الجيران، ولكن قد يكون لهم عادات وثقافة وقيم تختلف عن قيم وثقافة الأسرة، أو مرافقة الأولاد لمن هم أكبر منهم سنّا؛ مما قد يؤدي إلى اغتصابهم وبالتالي الوقوع في الشذوذ، إضافة إلى الإهمال وعدم المبالاة، والتطرف في إطلاق الحرية لهم، أو التعنت في كبتهم ومنعهم من كل شيء.
ومنها عدم توجيه الأولاد والبنات إلى وظيفة الجنس في الحياة أو الأساليب المشروعة لتلبية الغريزة الجنسية، والحكمة في تحريم العلاقات الجنسية بغير الطرق المشروعة، وحكم الشرع في عمليات الشذوذ، وتعارضها مع الحياة الطبيعية للإنسان.
ومنها ظن البعض أن الوقوع في الشذوذ هو الحلّ لصعوبة الحصول على الجنس الآخر، وأن صداقة الذكر للذكر والأنثى للأنثى قد لا تلفت الأنظار ولا تجلب الشكوك لأصحابها.
كذلكم الأبناء الذين يشاهدون أحد الوالدين أو كليهما لديه علاقة جنسية منحرفة أو شاذة؛ فإنهم سينشؤون نشأة انحرافية محاكاة لوالديهم.
ومن الأسباب: الغلو في العلاقة الحميمة بين الأم وابنها، فيدفعها هذا الغلو في الحب والخوف إلى إبعاده عن الأطفال الآخرين والاقتصار على الاختلاط بها أو بأخواته البنات؛ مما يجعله يتقمّص تصرفات وسلوكيات الأنثى في المعاملة والكلام واللباس.
أيضا، في حالة التوتّر الدائم بين الأم والأب أو في حالة الطلاق تقوم بعض النساء بإظهار كراهيتها لزوجها وتقوم بإسقاطها على كلّ الرجال، وتصوّر لابنها أن كلّ الرجال ظلمة ومجرمون، وهذا السلوك النفسيّ خطير جدّا؛ إذ يساهم في بناء شخصيّة الطفل بناءً غير متزن، والمحصلة هي نفور الابن من الجنس الذكوري وتقرّبه من أمّه من خلال التشبه بها ظاهرا وباطنا.
أضف إلى ذلك بعض الأسباب الأخرى، كالتربية الخشنة أو الدلال الزائد أو الصحبة السيئة أو فقدان الحنان أو التحقير والإهانة، إضافة إلى عدم تبيان ما يترتب على الفاحشة في الدنيا من أمراض جسمية ونفسية وصحية وردود أفعال على ممارسة الحياة الطبيعية، إلى جانب ما في الحياة الأخرى من عقاب عند الله وغضب منه، ثم الحكم الشرعي المترتب على ممارسة الشذوذ الجنسي ومدى استبشاع الشرع والمجتمع له.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:175].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الشذوذ الجنسي مشكلة لها علاج، ونحن نقول هذا الكلام لأنّ من دعاوى بعض أصحاب الانحراف أن ميلهم هذا أمر ولدوا به، فهو في جيناتهم وطبعهم! وهذا بالضبط ما تحاول نشره جمعيات الشواذ في العالم الغربي في أوساط الناس.
وللعلم، هذا غير صحيح على الإطلاق، بل هو الباطل بعينه؛ لأن القرآن كذب هذا الادعاء، وبين أن قوم لوط كانوا أول من اخترع هذه الفاحشة كما قال -تعالى(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) [الأعراف:81].
لو كانت أمرا طبيعيا لما ذمّهم الله -تعالى- على فعلهم، ولما لعن رسول الله من يقوم بهذا الفعل فقال: "لعن الله من عمِل عمَل قوم لوط"، وقال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرها" صحيح الترمذي.
وقال الفضيل بن عياض: "لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر"، وقال بعض السلف: "إذا سقط العبد من عين الله ابتلاه بمحبة المردان".
إذا؛ الشذوذ الجنسي ليس معصية فقط، بل هو من أشد المعاصي إثما وأقبحها جرما وأعظمها شناعة عند خالق السماوات والأرض.
يقول ابن القيم: "وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل، ولم يبتل الله -تعالى- بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعا من العقوبات من الإهلاك وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء وطمس أعينهم، وعذبهم وجعل عذابهم مستمرا، فنكل بهم نكالا لم ينكله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض إذا شهدوها؛ خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها -تبارك وتعالى- وتكاد الجبال تزول من أماكنها، وقتل المفعول به خير من وطئه".
إذا؛ الشذوذ معصية وليس مرضا كما يحاول البعض إثباته كذبا وزورا، ويؤكد ذلك أيضا بحث علمي غربي أثار دهشة علماء النفس الغربيين، وثبت فيه أن سبعة وستين في المائة من مجموعة من الشواذ السابقين قد أصبحوا طبيعيين تماما من حيث الممارسة الجنسية السوية والرغبة فيها، كما أن خمسة وسبعين في المائة من الرجال قد تزوجوا زيجات طبيعية بعد خضوعهم للعلاج بطلب منهم؛ وذلك بسبب اعتقاداتهم الدينية، بالإضافة إلى إحساسهم بعدم الاستقرار النفسي في تلك النوعية الشاذة من العلاقات.
إذا؛ نقول لأمثال هؤلاء: الشفاء ممكن، وهذا هو العلاج لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر، وكل نفس بما كسبت رهينة.
أولا: الانتباه إلى الأفكار والخطرات التي ترد على النفس، وهي التخيلات الجنسية، هذه الخطرات هي الخطر كلّ الخطر، فإنها مبدأ الخير والشر كما قال ابن القيم، وأضاف قائلا: "ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم"، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات.
لذلك؛ إذا جاءتك الأفكار والخطرات فاقطعها فورا، ولا تسترسل فيها، وكلما شعرت بشيء من ذلك فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت:36].
ويقول ابن القيم: "دافِعِ الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافِع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحارِبْها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها".
إذا؛ على قدر خروجك وتخلصك من هذه الأفكار حول الجنس والشذوذ تستطيع الانتصار -بإذن الله- في معركتك معها.
ثانيا: واجِهْ أفكار الشذوذ بأفكار مضادة طبيعية، فإن كنت عازبا فتخيل دائما أنك ستتزوج بفتاة جميلة صالحة، وأنك ستدخل عليها ليلة الزفاف، وأنك ستفعل وتفعل، وذلك دون استحضار صورة فتاة معينة، وإنما تستحضر الصورة عموما، وفائدة ذلك هو استحضار الفكرة السليمة وتوجيه المشاعر توجيها سليمًا مستقيما إلى المحلّ الطبيعي تجاه الأنثى وليس تجاه الذكر.
ثالثا: السعي الحثيث في الزواج من فتاة مسلمة والعقد عليها عقدا شرعيا، ثم توجيه المشاعر والأحاسيس نحوها والانشغال بصداقتها من خلال الكلام معها وشيء من المودّة وشيء من الغزل الذي يكون بين الزوجين، ووقتها سيجد المبتلى أنه قد فجر في نفسه ينابيع الفطرة السليمة، وفرغ شهوته في محلها الطبيعي، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
وإن كنت متزوجا فاغرق في بحر العواطف مع زوجتك، وحارب الملل والروتين في علاقتكما الحميمة، وتصارحا بينكما فيما يريده كلّ منكما من الآخر في هذه العلاقة.
وإذا رأيت ما يثيرك فأت زوجتك؛ فإن ذلك يرد ما في نفسك، ويخفف عنك، كما علمنا ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
رابعا: غُضّ البصر عما يوقظ الشهوة، وخاصة النظر العام والشاذ إلى الأشخاص أو الصور أو الأفلام في الفضائيات أو الجوالات أو الإنترنت، وتذكّر أن الله -سبحانه- رقيب مطلع على سريرة الإنسان: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16]، وأن نظر الله -سبحانه- أقرب من نظر الإنسان لأيّ شيء آخر، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
خامسا: تخير الصحبة؛ لأن الشاذ جنسيا في معظم الأحيان يتحرّك وسط دائرة من الشواذ، أو يكون أكثر انتماء لهذه الدائرة، ومن هنا لا بد أن يكسر هذه الحلقة، وأن يتخير صحبة مختلفة من أصحاب الأخلاق الحسنة والسلوك الطيب، فهذا سيدعمه ويساعده كثيرا، ورسول الله يقول: "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".
سادسا: الدعاء، فكلما أعيتنا الأمور وأحسسنا بالعجز لجأنا إلى الله بالدعاء، فهو قادر على كشف البلاء.
والدعاء سلاح إيماني وروحيّ، حيث يستمد الإنسان العون من الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو -في نفس الوقت- سلاح نفسيّ، حيث يجري عملية ترجمة للجهاز النفسي طبقا لمحتوى الدعاء، فيتشكل برنامج نفسي جسديّ في اتجاه تحقيق محتوى الدعاء، وذلك فيما يسمى: بسيكولوجية ما تحت الوعي.
إضافة إلى ما يعطيه الدعاء من أمل في الخلاص، وما يعطيه من ثواب للداعي سواء أجيب دعاؤه في الدنيا أم تأجّل لحكمة يعلمها الله للآخرة، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
أخيرا: إصلاح النفس يحتاج إلى إرادة وعزيمة، وتوبة واستغفار، ولجوء لله من الإنسان المبتلى، والصبر على ذلك، قال -تعالى-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر].
فلا بد من هذه الخطوات: إعمار القلب بالإيمان، والبدن بالعمل الصالح، ثم التمسك بالحق، ثم التمسك بالصبر. نعم، هذا هو الحل، ولا حل سواه، قال -تعالى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [آل عمران: 186].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم