السابقون الأولون

محمد بن عبدالله السحيم

2022-07-15 - 1443/12/16 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/اصطفاء الله للصحابة رضي الله عنهم 2/بعض فضائل الصحابة رضي الله عنهم 3/من واجبات الصحابة على المسلمين 4/خطر الطعن في الصحابة رضي الله عنهم

اقتباس

إنَّ اللهَ نَظَرَ في قلوبِ العبادِ فوجدَ قلبَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- خيرَ قلوبِ العبادِ، فاصطفاه لنفسِه، فابْتعثَهُ برسالتِه، ثم نظرَ في قلوبِ العبادِ بعد قلبِ محمدٍ، فوجد قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوبِ العبادِ، فجعلهم وزراءَ نبيِّه، يقاتلون على دينِه، إنهم قومٌ شهدَ اللهُ برضاه عنهم كما رضوا عنه، ووعَدهم بالمغفرةِ والأجرِ العظيمِ، وشهدَ لهم رسولُه بالخيريةِ المطلقةِ على...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعدُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)[النساء: 1].

 

أيَّها المؤمنونَ: مِن أجلِّ الاصطفاءِ الربانيِّ ذلكمُ الاصطفاءُ الذي خَصَّ اللهُ به صحابةَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فخلعَ عليهم به خِلَعَ الفضائلِ التي فاقوا بها مَن سواهم من البشرِ سوى الأنبياءِ؛ إذ اختارهمُ الله خيارًا مِن بشرٍ لصحبةِ خيرِ البشرِ -صلى الله عليه وسلم-؛ حماةً لدينِه، وأنصارًا لملتِه، ونقلةً لشريعتِه. يقولُ عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-: "إنَّ اللهَ نَظَرَ في قلوبِ العبادِ، فوجدَ قلبَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- خيرَ قلوبِ العبادِ، فاصطفاه لنفسِه، فابْتعثَهُ برسالتِه، ثم نظرَ في قلوبِ العبادِ بعد قلبِ محمدٍ، فوجد قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوبِ العبادِ، فجعلهم وزراءَ نبيِّه، يقاتلون على دينِه"(رواه أحمدُ وصحّحه الحاكمُ ووافقه الذهبيُّ).

 

قومٌ شهدَ اللهُ برضاه عنهم كما رضوا عنه، ووعَدهم بالمغفرةِ والأجرِ العظيمِ، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)[التوبة: 100].

 

وشهدَ لهم رسولُه بالخيريةِ المطلقةِ على سائرِ القرونِ، فقال: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"(رواه البخاريُّ ومسلمٌ)، وعلى ذاك بنى شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ تفضيلَهم على الناسِ قاطبةً سوى الأنبياءِ -عليهم السلامُ-، فقال: "وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ؛ لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمْ هُمْ صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ".

 

أيها المسلمون: لئِنْ كان الوفاءُ لذي الفضلِ مِن محمودِ الخصالِ فإنَّ وفاءَ الإسلامِ لأصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قد بلغَ ذُرى سمائه؛ وفاءً لجليلِ تضحيتِهم وجهادِهم، وصدقِهم فيما عاهدوا اللهَ عليه: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)[التوبة: 111].

 

إنّ المتأملَ في سيرةِ أصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيدرِكُ حجمَ البذلِ العظيمِ الذي استحقوا به -بعد فضلِ اللهِ- كرامةَ الوفاءِ الربانيِّ؛ إذ لم يَرَوْا معنى لحياتهم ولا قيمةً إلا بالدينِ الذي رفعهمُ اللهُ به مِن سفْحِ الجاهليةِ الهابطِ وشتاتِها إلى عُلا الخيريةِ بين الأممِ وسيادتِها، عبَّرَ عن ذلك المعنى العميقِ قولًا وفعلًا وحالًا الفاروقُ -رضي اللهُ عنه-، قال طارقُ بنُ شهابِ -رضي اللهُ عنه-: "خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ عَنْهَا، وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟! تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟! مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَوَّهْ! لو لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ لجَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ؛ فَمَهْمَا نَطْلُبِ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ"(رواه الحاكمُ وصحّحه على شرطِ البخاريِّ ومسلمٍ ووافقه الذهبيُّ).

 

أولئك الصحبُ الأطهارُ حين رأوا أن لا معنى للحياةِ ولا قيمةَ إلا بالدينِ؛ جعلوه مِحْوَرَ اهتمامِهم، ومَحَطَّ ولائِهم وبَرائِهم، وأوقفوا عليه حياتَهم؛ فكانوا له أنصارًا بحمايتِهم رسولَ اللهِ ونصرتِه؛ كيما يُبَلِّغَ رسالةَ اللهِ للعالمين، مُجرِّدين سيوفَهم على كلِّ شقيٍّ حاولَ إعاقةَ البلاغِ؛ فصارت نفوسُهم أرخصَ ما تكونُ عليهم إن كانت مبذولةً في سبيلِ اللهِ وابتغاءِ رضوانِه، يُنْبِي عن ذاك الحالِ موقفُ خُبيبِ بنِ عديٍّ -رضي اللهُ عنه- حين صلبتْهُ قريشٌ، وأشهرتْ سيفَ قتْلِه، فنادوه وهو شامخٌ بإيمانِه شموخَ الشُمِّ الرواسي: أتحبُّ محمدًا مكانَك؟ فقال: لا واللهِ العظيمِ، ما أحبُّ أنْ يُفَدِّيَني بشوكةٍ يُشاكها في قدمِه"(رواه الطبرانيُّ في الكبيرِ وقال الهيثميُّ: "رجالُه رجالُ الصحيحِ"، وأصلُه في صحيحِ البخاريِّ).

 

وكما كان أولئك الأخيارُ حماةَ الشريعةِ؛ فهم أوعيةُ نقْلِها المأمونِ؛ نقَلُوها بعلمٍ وفهْمٍ، ومشاهدةٍ لمواضعِ تنزُّلِ الآياتِ والسننِ، ومعرفةٍ لأسبابِ الورودِ، وإدراكٍ لمقاصدِ الشريعةِ، وخبرةٍ بلسانِ العربِ الذي نزلَ به الوحيُ؛ نقلًا عامًا لتفاصيلِ الشريعةِ في أدقِّ الجزئياتِ؛ مما أكملَ اللهُ به الدينَ، وأتمَّ به النعمةَ، ورضي به لنا الإسلامَ دينًا؛ نقلًا أمينًا دقيقًا بلغَ إحصاءَ عددِ شعراتِ الشيبِ البادي على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي-، فالصحبةُ والنصرةُ والبلاغُ الصادقُ خصالٌ للقومِ أوجبتْ على الأمةِ شعيرةَ الوفاءِ لحقِّهم، بل غدا ذلك الوفاءُ حقيقةً من حقائقِ الإيمانِ التي لا يصحُّ إلا بها، وعلامةً فارقةً بين الإيمانِ والكفرِ، والسنةِ والبدعةِ.

 

عبادَ اللهِ: إنّ فريضةَ الوفاءِ لأصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يقومُ عمادُها إلا باستيفاءِ ركنِ محبتِهمُ القائمِ على معرفةِ فضائلِهم؛ محبةً شرعيةً دون غلوٍّ ولا جفاءٍ، كما سطّرَ علماءُ أهلِ السنةِ في بيانِ مُعْتَقَدِهم إذ قالوا: "وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-،َ وَلَا نُفَرِّطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ، وَلَا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وطغيان".

 

تلكمُ المحبةُ ذاتُ أثرٍ عمليٍّ يتبدَّى بالدعاءِ لهم والترضِّي عنهم، ونشْرِ محاسنِهم، والدفاعِ عنهم، والكفِّ عن معائبِهم، وعدمِ الخوضِ فيما شجَرَ بينهم؛ فعلى ذلكمُ النَّقاء رَسَوخُ اعتقادِ أهلِ السنةِ، يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: "وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ، مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمِنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ، وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ؛ إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ. وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَهُمْ مِنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِنْ صَدَرَ، حَتَّى إِنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ... ثُمَّ الْقَدْرُ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ... أما بعدُ: فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون: ومِن لازمِ الوفاءِ الشرعيِّ لأصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الذي يكونُ به الاهتداءُ إحسانُ الاتباعِ بتَقَفِّي علومِهم، ودراسةِ آثارهم، وفقهِ فقهِهم فيما تكلموا فيه، وأمسكوا عنه، كتبَ عمرُ بنُ عبدِالعزيزِ موصيًا سائلًا: "أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالِاقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَمَا جَرَتْ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إِلَّا وَقَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ فِي خِلَافِهَا مِنَ الْخَطَأ وَالزَّلَلِ، وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كُفُوا، لَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْدَرَ، وَبِفَضْلِ مَا فِيهِ كَانُوا أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ؛ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، أَوْ رَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ، وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مُقَصِّرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مُحْسِنٍ، قَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ".

 

أيها المؤمنون: إنَّ انتقاصَ حقِّ الوفاءِ لأصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالإزراءِ عليهم، والطعنِ فيهم، وانتهاكِ حرمتِهم، والتَّنَكُبِ عن هديهم مُؤْذِنٌ بشرٍّ ذريعٍ وضلالٍ مبينٍ؛ إذ في ذلك تكذيبٌ لشهادةِ اللهِ لهم بالاهتداءِ والتزكيةِ، وطعنٌ في أساسِ الشريعةِ، وهدمٌ لأصلِها؛ إذ الطعنُ في نَقَلَتِها طعنٌ في روايتِهم لها؛ لتكونَ الشريعةُ محلَّ ريبةٍ ونقصٍ وتحريفٍ، وكلُّ ذلك مناقضٌ لإتمامِ الملةِ الذي شهدَ اللهُ به بقولِه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].

 

وعليه فلا غرابةَ من تشديدِ النهي عن التعرّضِ لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولحوقِ اللعنةِ سابَّهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَه"(رواه البخاري ومسلم)، ويقول: "مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ"(رواه أحمد وحسنه الألباني بطرقه).

 

ومن هنا برزَ الخطرُ الداهمُ للمَسْلكِ المَشينِ الذي خطَّه الضالون المعتدون على مقامِ أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وباتَ من أفرضِ الواجبِ الاحتسابُ على أولئك الأشرارِ، ودَفْعُ عادِيَتِهم بالسلطانِ والبيانِ؛ وفاءً لأصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ونصرةً لشريعتِه.

المرفقات

السابقون الأولون.pdf

السابقون الأولون.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات