الزينة

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2024-08-30 - 1446/02/26 2024-09-03 - 1446/02/30
عناصر الخطبة
1/جمال الخلق والإبداع فيه 2/الزينة فطرة بشرية 3/أعظم زينة للقلوب والجوارح 4/النموذج الأمثل في الزينة 5/أولى البقاع بالتزين 6/ضوابط التزين في الإسلام.

اقتباس

وَلِقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّمُوذَجَ الْأَمْثَلَ فِي الزِّينَةِ؛ تَجَمُّلٌ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وتَزيُّنٌ بِلَا إِسْرَافٍ، وَلِبَاسٌ مِنْ غَيْرِ شُهْرَةٍ، يَعْتَنِي بِمَظْهَرِهِ، لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ، وَإذا وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدٌ لَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ...

الخطبةُ الأولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، تَفَرَّدَ عِزًّا وَكَمَالاً، وَاِخْتُصَّ جَمَالاً وَجَلَاَلاً، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ، تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ وَتَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ غُدُوّاً وَآصَالاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَزَكَى الْوَرَى خِصَالاً، وَأسْنَى الْبَرِّيَّةَ خِلَالاً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَلَّمَ تَسليماً كَثِيراً.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللهِ-؛ فَالتَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ؛ (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26].

 

إِنَّ اللهَ زَيَّنَ الكَونَ بِبَدِيعِ صُنْعِهِ، وَأَودَعَ فِيهِ مَعَانِي الْحُسْنِ وَالجَمالِ؛ (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ)[الحجر: 16]، (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الكهف: 7]، وَخَلْقَ اللهُ الْإِنْسَانَ وَزَيَّنَهُ، وَعَدَّلَ هَيْئَتِهِ؛ (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ)[الانفطار: 7]، (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[التين: 4]؛ أَيْ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأعدلهَا.

 

الزّينَةُ فِطْرَةٌ بَشَرِيَّةٌ، تَتَجَلَّى فِيهَا عَظْمَةُ الدِّينِ؛ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[الأعراف: 32].

 

وَالْإيمَانُ زينةٌ تَعَمُرُ الْقَلُوبَ؛ وَتُزَكِّي الْجَوَارِحَ، وَتَسْمُو بِالرَّوْحِ؛ (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[الحجرات: 7]، وَإِذَا تَزَيَّنَ الْقَلْبُ بِالْإيمَانِ تَزَيَّنَتِ الْجَوَارِحُ طَاعَةً وَإِقْبَالاً، وَتَزَيَّنَ اللِّسَانُ، بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَجَمَالِ الْمَنْطِقِ.

 

وَلِقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّمُوذَجَ الْأَمْثَلَ فِي الزِّينَةِ؛ تَجَمُّلٌ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وتَزيُّنٌ بِلَا إِسْرَافٍ، وَلِبَاسٌ مِنْ غَيْرِ شُهْرَةٍ، يَعْتَنِي بِمَظْهَرِهِ، لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ، وَإذا وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدٌ لَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، يَقُولُ الْبرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَقالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ-رَضِي اللهُ عَنْهُمَا-: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ فِي أَحْسَنِ مَا يَكْوُنُ مِنَ الْحُلَلِ"(رَوَاهُ أَبو دَاودَ).

 

وَالْمُسْلِمُ يَتَزَيَّنُ لِكُلِّ مَقَامٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَلِكُلِّ مَوْطِنٍ بِمَا يُلَائِمُهُ، وَأَوْلَى الْبِقَاعِ بِالتَّزَيُّنِ: بُيُوتُ اللهِ، أَجْمَلُ الْمُوَاطِنِ، وَأَحَبُّهَا عِنْدَ اللهِ؛ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف: 31]. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَمْ يَزِلْ عُلَمَاءُ السَّلَفِ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ، وَلَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ كِبَراً".

 

وَالزّينَةُ لَهَا أثَرُهَا الْبَالغُ فِي تَقْوِيَةِ أَوَاصِرِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ (وَلَهُّنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228]؛ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا- فِي تَفْسِيرِهَا: "إني لَأَتَزَيَّنُ للمَرأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَن تَتَزَيَّنَ لِي".

 

وَلَقَدْ هَذَّبَ الْإِسْلَامُ مَفْهُومَ الزّينَةِ؛ وَوَضَعَ ضَوَابِطهَا؛ لِتُلَائِمَ رِسَالَةَ الْمُسْلِمِ فِي الْحَيَاةِ، وَمنْ ضَوَابِطِ الزِيْنَةِ أَلَّا يَكْوُنَ فِيهَا تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللهِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُستَوشِمَاتِ، وَالمتنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي الحَدِيثِ: "أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ الْواصِلَةَ وَالمُسْتوصِلَةَ، وَالْوَاشِمَة وَالمُستَوشِمَة"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَعَمَلِيَّاتُ التَّجْمِيلِ إِذَا كَانتْ لِتَحْسِينِ الْمَظْهَرِ كَتَغْيِيرِ شَكْلِ الْأَنْفِ، أَوْ تَكْبيرِ عُضْوٍ فِي الْجِسْمِ، فَهيَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ، أمَا إِذَا كَانَتْ لإِزَالَةِ عَيْبٍ أَوْ تَشَوُّهٍ فَهِيَ جَائِزَةٌ.

 

الزّينَةُ لَيْسَ فِيهَا تَشَبُّهُ أحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخرِ؛ فَلِكُلٍّ خِلْقَتُهُ الَّتِي مَيْزَهُ اللهُ بِهَا؛ (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)[آل عمران: 36]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا-: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَمنْ ضَوَابِطِ الزِّينَةِ أَلَّا تَكُونَ بِمُحَرَّمِ كالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلرِّجَّالِ.

ينبغي أن تكون الزّينَةُ باعتدال، لَيْسَ فِيهَا إِسْرَافٌ أوْ مُبَالَغَةٌ، بَلْ باعْتِدَال وَتَوَازُن، وَمِنَ الْمُتَعَارَفِ الْمَأْلُوفِ، فَلِبَاس الشُّهْرَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.

 

زينَةُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ فِيهَا تَشَبّهٌ بِالْكُفَّارِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: رَأَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ؛ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا"، وَقَالَ: "مَنْ تَشَبَّهُ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".

 

زينَةُ الْمَرْأَةِ حَيَاءٌ وَسِترٌ وَعَفَافٌ يَزِيدُهَا بَهَاءً؛ (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور: 31].

 

شَخْصِيَّةُ المُسْلِمِ مُسْتَقِلَةٌ وَهوِيَّتُهُ مَحْميَّةٌ بسِيَاجِ الْقِيَمِ؛ حَتَّى لَا تُذَوبَ فِي تَشَبُّهٍ يُخَالِفُ الشَّرْعَ، أَوْ تَقْليدٍ يَهْدِمُ الْأَخْلَاَق وَالْفَضِيلَة.

 

وَلَا بُدَّ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالنَّاشِئَةِ وَتَقْوِيَةِ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ فِي النُّفُوسِ وَالتَحْذِيرِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُيُوعَةِ، وَتَرَجُّلِ النِّسَاءِ، وَتَثْقِيفِهِمْ بِأَحْكَامِ الزِّيْنَةِ وَحُدُودِهَا.

 

اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقَنَا فَجَمِّلْ أَخْلَاَقَنَا، وَأَصْلِحْ قَلُوبُنَا، وَاِجْعَلْ بَوَاطِنَنَا خَيْرًا مِنْ ظَوَاهِرِنَا يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَالْإكْرَامِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

 

وَبَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ -رَحِمِكُمِ اللهُ-؛ فَالسَّعِيدُ مَنِ اتَّقَى رَبَّهُ، وَتَدَبَّرَ أَمْرَهُ، وَأَخَذَ حَذرَهُ، وَاسْتَعَدَّ لِيَوْمٍ لَا تُقَالُ فِيهِ عَثْرَةٌ، وَلَا تَنْفَعُ فِيهِ عَبْرَةٌ.

 

هَذَا وَصَلُوا وَسَلِّمُوا عَلَى صَاحِبِ الْخُلْقِ الْأَكْمَلِ، وَالْأدَبِ الأرْفَعِ، وَالرّيحِ الْأَطْيَبِ؛ نَبِيَّكمْ مُحَمَّدٍ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيماً-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ صِلِّ وَسَلِمِ وَبَارِكَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاِرْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجَمْعِينَ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَإحْسَانِكَ يَا أكْرَمَ الْأكْرَمِينَ.

 

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمينَ، وَاجْعلْ هَذَا البَلدَ آمنًا مُطمَئناً وَسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشَرِيفَينِ، وَولِيَّ عَهدِهِ لمَا تُحبُّ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.

 

 

المرفقات

الزينة.doc

الزينة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات