عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله علينا وآلائه 2/نعمة استقرار الأرض وسكونها 3/دلائل الزلازل والبراكين 4/ الزَّلازل آية من آيات الله تعالى 5/الحث على التوبة والرجوع إلى الله 6/الصدقة مما يرفع الله بها البلاء.اقتباس
إن الزَّلازل -يا عباد الله- آيةٌ من آيات الله -جَلَّ وَعَلَا-، يرحم الله بها من شاء، ويعذِّب بها من شاء، وينبِّه بها من شاء، والعاقل مَن اعتبر بغيره، وَأَمَّا المسكين الغافل فهو الَّذِي اعتبر غيره به..
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ نعم الله علينا متوالية، وآلاؤه علينا عظيمة كثيرة، ومن ذلكم -يا عباد الله- أن الله جعل هذه الأرض لنا قرارًا؛ (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا)[النمل: 61]، ومعنى أنها قرار أي: ساكنة، فلا تميد بأهلها، إِلَّا من كتب الله عليهم ذلك؛ ولهذا في آية سورة غافر: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)[غافر: 64]؛ مِنَّةً من الله عَلَى عباده المؤمنين، الَّذِينَ يعرفون نِعَم الله، وتتجدَّد عليهم هذه النِّعم، إذا نظروا ما حلَّ بغيرهم من أنواع آلائه -سُبْحَانَهُ-، ومن آياته.
ومن ذلكم -يا عباد الله- هذِه الزَّلازل والبراكين، وما يترتب عليها من تغيُّر للقشرة الأرضية، فإنها تكثر في آخر الزمان، أتدرون لِمَ؟ لفساد الزمان بفساد أهله، وتنبيه من الله لهم، وعلامةٌ عَلَى انقضاء الدنيا.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، ويتقارب الزمان، وَتَكْثُر الزَّلازل، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ"، قيل: وما الهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "المَوت الموت".
وفي مسند الإمام أحمد ومسند الدارمي وصحيح ابن حبان وغيرهم، من حديث جُبير بن نُفيل السكوني -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ مُوتَانٌ شَدِيدٌ، وكَثْرَة الزَّلاَزِل".
إن الزَّلازل -يا عباد الله- آيةٌ من آيات الله -جَلَّ وَعَلَا-، يرحم الله بها من شاء، ويعذِّب بها من شاء، وينبِّه بها من شاء، والعاقل مَن اعتبر بغيره، وَأَمَّا المسكين الغافل فهو الَّذِي اعتبر غيره به.
ولقد وقعت الزَّلزلة -يا عباد الله- في عهد أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فخطب النَّاس، وأثنى عَلَى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا حدث إِنَّمَا هو لأمرٍ قمت به، أو فعلتموه أنتم، فوالله لئن عادت لا أساكنكم فيها"؛ دلالةً عَلَى أنَّها من آثار الذنوب، والإعراض عن دين الله -جَلَّ وَعَلَا-، والاستهانة بمحرماته وفرائضه.
وَهذِه الزَّلازل -يا عباد الله- من أشراط الساعة الصغرى، الَّتِي وقعت وما زالت تتجدد في وقوعها، أما الَّتِي هي من العلامات الكبرى، فثلاثة خسوف؛ خسفٌ في المشرق، مشرق هذِه الجزيرة. وخسفٌ في مغربها، أي: مغرب الجزيرة العربية. وخسفٌ في هذِه الجزيرة.
هذِه الخسوفات الثلاثة وما قبلها وأثناءها من الزَّلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات، وما جرى مجراها كلها تهيئ الأرض لأرض المحشر وأرض المعاد، الَّتِي ليس فيها جبالٌ ولا سهول، وَإِنَّمَا هي كالخبزة، كما وصفها النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
فاحمدوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى نِعَمه وأَمْنه، واحمدوه عَلَى آلائه العظيمة، وآلائه الجسيمة، فهو -سُبْحَانَهُ- أهلٌ أن يُحْمَد، وهو -سُبْحَانَهُ- أَهْلٌ أن يُشْكَر، وترحموا عَلَى ما جرى لإخوانكم من المسلمين، من جرَّاء هذِه الزَّلازل من الهدم والغرق، وما جرى عليهم من التشريد، فإنَّ الغريق يُرجَى له أن يكون شهيدًا إن كان من المؤمنين.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ، الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكم الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم رضوانه.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنه ما نزل بلاء من السماء إِلَّا بذنب، ولم يرتفع عن النَّاس في الأرض إِلَّا بتوبة، فأسرعوا بِالتَّوبَة والأوبة إِلَى ربكم -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
واعلموا -عباد الله- أنَّ مِمَّا يطفئ غضب الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويُذهب البلاء ويدفعه عنكم وعن أهليكم وأولادكم وأوطانكم: المبادرة إِلَى الصدقات، ومدّ إخوانكم الَّذِينَ نزل بهم هذَا البلاء، فإنَّ هذَا هو عنوان أُخوتكم الإيمانية، كما قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ؛ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
واعلموا -عباد الله- أنَّكم نُدبتم إِلَى التصدق والمساهمة، ولا سيما عبر المنصات الرسمية، ومنها منصة "ساهم"، فبادِرُوا مدًّا بيد العون لإخوانكم، ودفعًا للبلاء عنكم وعن أولادكم وأوطانكم، وقربةً إِلَى ربكم؛ تستدفعوا بها غضبه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وإن هذَا من العمل الصالح، الَّذِي يودَع لك عند ربك أَيُّهَا المتصدق.
ثُمَّ اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذلاً تذلُّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ إنَّا نسألك من خير هذِه الريح، وخير هذِه الأعاصير، وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أُمرت به.
اللَّهُمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللَّهُمَّ اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الزلازل والأعاصير والرياح، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا نقمك، اللَّهُمَّ عنَّا الغلاء والوباء.
اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ من ضارنا أو شاقنا أو مكر بنا أو بالمسلمين، اللَّهُمَّ فامكر به يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الرِّبَا والزِّنا والزَّلازل والمِحَن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذَا خاصَّة، وعن بلدان المسلمين عامَّةً يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم