الرياح آية من آيات الله

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تسخير الرياح من دلائل وحدانية الله 2/ حركة الرياح نعمة عظيمة من الله تعالى 3/ من حكم إرسال الرياح 4/ من عظيم أمر الريح 5/ الواجب إذا عصفت الرياح 6/ وقوع رياح في الأيام القريبة الماضية

اقتباس

وإن من آيات الله العظام، وبراهين وحدانيته الجسام، الدالة على كمال تفرده سبحانه، وأن الأمور كلَّها بقبضته وتحت تصريفه وتدبيره، إن من هذه الآيات -عباد الله- تسخير الله -جلّ وعلا- للرياح وتصريفه لها كيف شاء، فهي تجري بأمره، وتسير بإذنه، فهي مسخّرة مدبّرة مأمورة، ليس لها غدو ولا رواح، ولا مجيء ولا ذهاب إلا بإذن ربها وأمرِ مسخِّرها -تبارك وتعالى-...

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقوى الله -عز وجلّ- خير زاد إلى يوم المعاد، وأعظم أمر ينال به العبد رِضَا الله -تبارك وتعالى-، وهي وصية الله -جلّ وعلا- للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

عباد الله: إن آيات الله الدالة على كمال وحدانيته وعظيم تفرده وتصرفه في هذا الكون، تسخيرًا وتدبيرًا كثيرةٌ لا تحصى، وعديدة لا تستقصى، والأمر كما قيل:

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

عباد الله: وإن من آيات الله العظام، وبراهين وحدانيته الجسام، الدالة على كمال تفرده سبحانه، وأن الأمور كلَّها بقبضته وتحت تصريفه وتدبيره، إن من هذه الآيات -عباد الله- تسخير الله -جلّ وعلا- للرياح وتصريفه لها كيف شاء، فهي تجري بأمره، وتسير بإذنه، فهي مسخّرة مدبّرة مأمورة، ليس لها غدو ولا رواح، ولا مجيء ولا ذهاب إلا بإذن ربها وأمرِ مسخِّرها -تبارك وتعالى-، كلُّ حركة منها بإذنه، وكل سير منها بأمره، فهي مسخرة مدبّرة مأمورة، تارة تأتي محمّلة بالبشارة والرحمة، وتارة أخرى تأتي محملة بالعذاب والنقمة، والأمر لله -تبارك وتعالى- من قبل ومن بعد.

عباد الله: الرّياح آية من آيات الله -سبحانه وتعالى-، ينبغي على العبد المؤمن أن يتعظ بها، وأن يعرف من خلالها عظمة مسخِّرها ومدبِّرها -تبارك وتعالى-، فإن فيها أعظم عظة وعبرة وفيها أكبرُ آية ودلالة على عظمة الخالق وكمال المبدع سبحانه، يقول الله -جلّ وعلا-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الروم: 46]، ويقول -جلّ وعلا-: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164]، نعم -عباد الله- لآيات لقوم يعقلون، يحركون عقولهم اتعاظًا واعتبارًا واستفادة من آيات الله -جلّ وعلا- الدالة على كماله وعظمته -جلّ وعلا-، وأنه المدبر لهذا الكون -عز وجلّ-.

عباد الله: الرياح تارة تكون نقمة وعذابًا، وتارة تكون رحمة ونعمة، وكل ذلك بأمر الله؛ ولهذا صح في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، النهي عن سبها؛ معلِّلاً ذلك -صلى الله عليه وسلم- بأنها مسخرةٌ مأمورة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تسب الريح؛ فإنها مأمورة"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وسيأتي شيء منها بإذن الله -عز وجلّ-.

عباد الله: تسخير الله -جلّ وعلا- للرياح فيه نعمة عظيمة للناس، ينبغي علينا أن نُحسّ بها، وأن نشعر بقيمتها، وأن ندرك عظيم الفائدة التي نجنيها من تسخيرها، فلولا تسخير الله -تبارك وتعالى- للرياح لَمَا تحقق للناس حياة، ولَمَا استقام للحيوان حياة، ولَذَوى النبات، ومات الحيوان، وفسد الطعام، وأنتن العالم أجمع، نعم -عباد الله- إن عوائد الريح وآثارها وفوائدها كثيرة لا تُحصى، إن هذه الريح لو سكنت -عباد لله- وركدت وخملت وبقيت غير متحركة لأنتن العالم، ولذوى النبات، ولأصبح الحيوان جيفة، فهو نعمةٌ -عبادَ الله- يحرك الهواء، ويُنقِي الجو ويصفيه، ويذهب الأمراض والأسقام، ويجلب الخير والنعم والفوائد العظام، كل ذلك بتسخير الملك العلام، والمدبر العظيم -تبارك وتعالى-.

وتارة -عباد الله- يرسل -جلّ وعلا- الرياح محمّلةً بالسحاب، حاملة المبشرات والخيراتِ، إلى غير ذلك من أنواع الفوائد والثمار التي يجنيها الناس من الرياح؛ ولهذا تجد أنَّ ذكرَ هذه النعمة في القرآن، جاء بصيغة الجمع في مواردها في القرآن، إشارة إلى عظم الفوائد وكثرة المنافع التي أودعها الله -جلّ وعلا- في الرياح.

وتارة -عباد الله- يرسل ربُ العالمين وخالق الخلق أجمعين، يرسل الريحَ نقمةً وعذابًا، محملة بالعذاب، مدججة بالعقوبات، فيهلك بها من يهلك من الناس والحرث والأنعام؛ عقابًا منه -تبارك وتعالى-، وعظة واعتبارًا للمعتبرين، ومن ذلكم ما حكاه الله -جلّ وعلا- في القرآن من عقوبته لعادٍ قوم هود؛ حيث أهلكهم الله -جلّ وعلا- بريح عاتية: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات: 41 – 42]، وحكى الله -جلّ وعلا- قصتهم في القرآن، عندما أقبلت عليهم ريح العذاب، وظنُّوا لأول وهلة وفي بادئ الأمر أن هذا سحاب ممطر محمل بالبشارة والنعمة: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [الأحقاف: 24–25]، (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)، أي: لم يبق في مساكنهم نفس حية، فهلكوا عن آخرهم، وأبادهم -تبارك وتعالى- بتلك الريح أجمعين في لحظة واحدة، وفي هَبَّةٍ واحدة لهذه الريح، آية ما أعظمها!! وبرهان ما أكبره!! ينبغي على عباد الله المؤمنين أن يتعظوا من خلاله ويعتبروا.

عباد الله: إن من عظيم أمر هذه الريح، أنها تدرك أمر ربها سبحانه، وتطيع أمره -جلّ وعلا-، وتفعل ما يأمرها -جلّ وعلا- به، ومن عظيم أمرها أنها في كل يوم جمعة يتجدد فيها الخوف والإشفاق؛ لأنها مدركة، جعل الله -تبارك وتعالى- فيها إدراكًا، فهي تدرك أن قيام الساعة يوم الجمعة؛ ففي كل جمعة يتجدد فيها الخوف والإشفاق من قيام الساعة؛ جاء في سنن ابن ماجه بسند ثابت عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه ذكر يوم الجمعة، قال: وفيه تقوم الساعة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر، إلا وهن يشفقن في يوم الجمعة"، أي يشفقن من قيامها، الرياح -عباد الله- تشفق من قيام الساعة، والسماء تشفق، والأرض تشفق، والبحار تشفق، وأكثر الناس عن قيامها في غفلة وإعراض.

فينبغي علينا -عباد الله- أن نستفيد من هذه الآيات؛ لتتحرك قلوبنا إيمانًا بالله، وإقبالاً على الله، وتوبة إليه وإنابة إليه سبحانه.

عباد الله: ولقد جاءت السنة الصحيحة، عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-، أن الواجبَ على المسلم إذا عصفت الرياح واشتد هبوبها، أن يُقبِل على الله -جلّ وعلا-، سائلاً وراجيًا، يرجو الله -تبارك وتعالى- خيرها، ويتعوذ به -عز وجل- من شرها، ففي صحيح مسلم عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا عصفت الريح قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألك من خيرها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما أرسلت به"، فهذا هديه -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينبغي أن نتشاغل بأمور يتراسلها الناس، ويبعث بها بعضهم إلى بعض، مما لا أصل له في السنة، ولا دليل عليه من هدي نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

والواجب علينا -أيضًا- أن تتحرك قلوبنا في مثل هذا الأمر، عظةً واعتبارًا واستفادةً من آيات الله.

اللهم اجعلنا من المعتبرين بآياتك، المتعظين بعظاتك، واهدنا إليك صراطًا مستقيمًا. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: ففي الأيام القريبة القليلة الماضية، عصفتِ الرياح عصفًا شديدًا، وتحرك هبوبها تحركًا شديدًا، في ناحية قريبة منا، وتحركت مع تحرك الرياح القلوب، تحركت القلوب شفقة وخوفًا وتهيبًا من هذا الحدث وفزعًا، ريح اشتد تحركها، فتحركت مع تحركها القلوب، وهذا أمر -عباد الله يُطلَب من المسلم في مثل هذا المقام، ولا ينبغي أن يكون تحركه مع الحدث مؤقتًا، بل ينبغي أن يكون تحرك هذه الريح بابًا عظيمًا يَدلفُ من خلاله المؤمن إلى توبة نصوح، وإقبال صادق على الله -جلّ وعلا-، إن الذي حرك هذه الرياح هذا التحرك الذي خلّف وراءه ما خلّف، من أناس قد ماتوا، وآخرين قد أصيبوا، وأموال قد أتلفت، إلى غير ذلك من الأمور، الذي حركها تلك الأيام قادرٌ على تحريكها أيامًا أخرى.

والواجب علينا -عباد الله- أن نكون صادقين مع الله -جلّ وعلا- في إقبالنا وخوفنا وتوبتنا وإنابتنا، وأن تكون هذا العظات تحريكها لنا ليس تحريكًا وقتيًا، وإنما تحريكًا مستمرًا دائمًا.

إن الواجب علينا -عباد الله- أن نكون في كل لحظة وفي كل حال خائفين من الله -عز وجلّ-، مشفقين منه سبحانه، فإن من خاف الله خافه كلُّ شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كلِّ شيء، إن من خاف الله -جلّ وعلا- فرّ إلى الله، وأناب إليه، وهذه حال المؤمن في كل وقت وأوان.

فالواجب علينا -عباد الله- أن يَعظُم خوفُنا من الله، وفي الوقت نفسه أن يعظُمَ رجاؤُنا بالله -جلّ وعلا-، وفي الوقت نفسه أن يعظم إقبالنا عليه سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [الإسراء: 57]، إن الكَيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا".

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبعَ رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا.

اللهم لا تكلنا إلا إليك، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك، اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا، اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وإنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، أن ترحم ضعف من أصيبوا بهذه الريح، وترحم موتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجبر كسر من أصيب، اللهم وعوضهم خيرًا، اللهم واجعل مصابهم يا ذا الجلال والإكرام كفارةً ورحمة، اللهم ووفقنا للاعتبار والعظة بآياتك، واجعلنا من المتعظين المعتبرين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا، وأصلح لنا شأننا كله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذب النار. عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
 

 

 

 

 

المرفقات

آية من آيات الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات