الرحمة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-09-20 - 1446/03/17 2024-10-07 - 1446/04/04
عناصر الخطبة
1/الإسلام دين الرحمة والسماحة 2/الراحمون يرحمهم الرحمن 3/من صور رحمة الله بخلقه 4/التعرض لرحمة الله تعالى.

اقتباس

سلوا الله رحماته -أَيُّهَا الإخوة-، تعمكم جميعًا أحياءكم وأمواتكم، وصغاركم وكباركم؛ فإنَّ رحمة الله -سُبْحَانَهُ- وسعت كل شيء. وتعرَّضوا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- إِلَى رحمات الله، وَإِلَى عفوه، وَإِلَى مرضاته...

الخطبةُ الأولَى:

الحَمْدُ للهِ؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف: 1]، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها رحمته ورضوانه، فلا يسخط علينا أبدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى، فصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أبدًا دائمًا مُحتفى.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاس! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى.

 

أَيُّهَا المؤمنون: دينكم دين الإسلام، دين الرحمة، دين السماحة، دين الرأفة، دين العفو والتسامح، والله -جَلَّ وَعَلَا- من أسمائه: "الرَّحيم"، ومن أسمائه: "الرَّحمن"، وهو -سُبْحَانَهُ- يرحم عباده، "وَإِنَّمَا يرحم الله من عباده الرحماء"، ففي الصحيح -صحيح مسلم- في الحديث المسلسل بالأولية عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السماء".

 

 ومن رحمة الله العظيمة -يا أَيُّهَا الإخوة- هذِه القصة العجيبة، لَمَّا جاء سبي أوطاس، وهم سبي ثقيف وهوازن، وكان عدتهم ستة آلاف، قدموا عليه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في المدينة، فخرج -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ومعه أبو بكرٍ وعمر، ولفيف من الصَّحَابَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، خرج -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يمشي في هذَا السبي، في هذَا العدد الكثير، فبينما هو يمشي؛ إذْ امرأة هلعى، طاش عقلها لمَّا فقدت طفلها، وهي تتنقل بلا عقلٍ ولا رويَّة.

 

فلمَّا رأت طفلاً يبكي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته، ونبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ينظر إِلَى هذَا الهلع وَهذِه الشدة، فَقَالَ موجِّهًا حديثه لأصحابه -وهو لكم أمة مُحَمَّد قاطبة-، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أتَرَون هذِه قاذفة ولدها في النَّار وهي تقدر عَلَى ألَّا تفعل ذلك؟" قالوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لما رأوا من شدة حنوها وشفقتها ورحمتها لوليدها وجنينها، عندئذٍ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، واسمعوا يا رعاكم الله إِلَى ما قَالَ-؛ قَالَ -بأبي هو وأمي عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "والله لله أشدُّ رحمةً بعباده من هذِه بولدها".

 

 وقد "جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- الرحمة مئة جزءًا، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل إِلَى الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حَتَّى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ مخافة أن تصيبه"؛ فإذا كان يوم القيامة، أعاد الله هذَا الجزء إِلَى التسعة والتسعين جزءًا، فرحم الله -جَلَّ وَعَلَا- بها عباده.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ)[الأعراف: 156]، اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الواسعة، وارضَ علينا برضاك التَّامّ يا ذا الجلال والإكرام.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ، الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مؤمنًا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند به أو شكَّ أو جحد وكفر.

 

ونصلي ونسلم عَلَى سيد البشر، الشَّافِع المشفَّع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغُرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

 

أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- فتعرَّضوا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- إِلَى رحمات الله، وَإِلَى عفوه، وَإِلَى مرضاته، بينما النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في بيته جالسًا ليس عنده في بيته شيءٌ يأكله، بيت النُّبُوَّة أشرف البيوت وأكرمها، وأعزها عَلَى ربي -جَلَّ وَعَلَا-، يبيت فيه النَّبِيّ الليالي ذوات العدد، يرون الهلال ثُمَّ الهلال ثُمَّ الهلال في شهرين، ولا يوقد في بيته -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- نار من القلة وعدم وجود شيء.

 

 دخل عَلَى أهله وليس عندهم طعام، فَقَالَ: "اللهم إنِّي أسألك من فضلك ورحمتك"، فبينما هو كذلك إذْ طارق يطرق عليهم بهدية من طعام من جيرانهم، وهي إِمَّا خزيرةٌ أي: عصيدة، وَإِمَّا حيسة، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "هذَا يا ربِّ من فضلك، فنسألك رحمتك"، سلوا الله رحماته -أَيُّهَا الإخوة-، تعمكم جميعًا أحياءكم وأمواتكم، وصغاركم وكباركم؛ فإنَّ رحمة الله -سُبْحَانَهُ- وسعت كل شيء.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذلاً تذلُّ به الشِّرْك والكفر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ من ضارنا أو شاقنا أو مكر بنا أو بالمسلمين، اللَّهُمَّ فامكر به يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ ادفع عنَّا الرِّبَا والزِّنا والزَّلازل والمِحَن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذَا خاصَّة، وعن بلدان المسلمين عامَّةً يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصبٍ، اللَّهُمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى بنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأجر علينا من أنهار السماء ومن خيرات الأرض ما تدفع به حاجاتنا وحاجة عبادك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ ارحم هذِه البهائم الرتع، وهؤلاء الشيوخ الركع، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

 

 

المرفقات

الرحمة.doc

الرحمة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات