الرجاء وحسن الظن بالله تعالى

عبدالله عوض الأسمري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/أهمية حسن الظن بالله تعالى2/الرجاء في الله والرضا بحكمته وقدَره 3/مواطن يتأكد فيها حسن الظن بالله تعالى 4/الفرق بين الرجاء في الله وأمن مكره

اقتباس

فإن الرجاء هو حُسن الظن بالله -تعالى-، وهو من لوازم التوحيد، ومن واجبات التوحيد، والله -تعالى- مع الذين يحسنون الظن به -سبحانه-؛ فهم يعتقدون في الله خيراً؛ أنه سيرحمهم، وأنه سوف يوفّقهم، وييسر أمورهم، وأنه سيحقّق لهم ما يصبون إليه في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

 

أما بعد: فإن الرجاء هو حُسن الظن بالله -تعالى-، وهو من لوازم التوحيد، ومن واجبات التوحيد، والله -تعالى- مع الذين يحسنون الظن به -سبحانه وتعالى-؛ فهم يعتقدون في الله خيراً؛ أنه سيرحمهم، وأنه سوف يوفّقهم، وييسر أمورهم، وأنه سيحقّق لهم ما يصبون إليه في الدنيا والآخرة.

 

وأما الكفار والمنافقين فإنهم يسيئون الظن بالله -عز وجل-، وأنهم لن يحاسبوا على أعمالهم، ولن يحقق لهم ما وعدهم الله -عز وجل-؛ فقال الله عنهم: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[الفتح:6]، ولهذا على المسلم أن يظن في الله خيراً حتى يتحقّق له ما يريد؛ فقد ثبت في الحديث القدسي أن الله –تعالى- قال: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(رواه البخاري ومسلم).

 

فعلي المسلم أن يظن في الله خيراً في أيّ أمر من الأمور، وخاصة في المصائب والأمراض والفقر، وغير ذلك من الابتلاءات؛ فمِن الناس مَن يدعو الله -عز وجل- بأن يشفيهم من أمراضهم ويرزقهم، ثم إذا تأخرت الإجابة عنهم أصابهم اليأس والقنوط، ويقول بعضهم: قد دعوت فلم يستجب لي؛ فهذا إساءة ظنّ بالله، ولم يعلموا حكمة الله -عز وجل-، وأنه لم يستجب لهم إلا لمصلحة عظمى لا يعلمونها.

 

فعليك أن تفوّض الأمر لله، وأن تعلم أن الله -عز وجل- لا يريد لك إلا خيراً، وهناك من الناس مَن يرتكب المعاصي والذنوب، ويقول: لن يهديني الله، وهذا إساءة ظنّ بالله -عز وجل-، بل يجب عليك أن تحسن الظن بالله -عز وجل-، وتسأل الله -عز وجل- الهداية، وتثق بالله أن يهديك.

 

وهناك مِن الناس مَن يحكم على نفسه أنه سيظل فقيراً طوال حياته، ولن يرزقه الله، وهذا إساءة ظن بالله -عز وجل-؛ فلا بد أن تحسن الظن بالله، وأنه سيرزقك، وإن تأخرت الإجابة؛ فذلك لمصلحة يراها الله لك.

 

وهناك من يبحث عن وظيفة بعد الجامعة أو الثانوية أو غيره، ولكنه لا يجد وظيفة ربما لسنوات عديدة، ولم تتحقق له وظيفة، فلا يجوز له أن يسيء الظن بالله -عز وجل-، وعليه الاستمرار في البحث مع التوكل على الله وحسن الظن بالله، ويقول في نفسه: ما أراد الله لي إلا خيراً في تأخر هذه الوظيفة.

 

وسيعوضك الله خيراً، ويعطيك الله على حسن ظنك بالله -عز وجل-، وإياك من سوء الظن؛ فإن أسأت الظن فسوف تسوء حالتك، ولن تجد إلا شراً. نسأل الله السلامة والعافية.

 

عباد الله: يتأكد حسن الظن بالله عند اقتراب الموت، خاصة عند الاحتضار؛ فينبغي أن يزيد حسن الظن بالله -عز وجل-، وثقتك بالله -تعالى- أن الله -عز وجل- سيغفر ذنوبك وسيرحمك، ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأنه سيدخلك الجنة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يموتن أحد منكم ألا وهو يحسن الظن بالله -عز وجل-"، كما فعل الشاب الذي نزل به ما نزل عند موته، فدخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسأله عن حاله، وقال له: كيف تجدك؟ قال: "والله يا رسول الله! إني أرجو الله وأخاف ذنوبي" فقال له -صلى الله عليه وسلم-: " لا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلّا أعطاهُ اللَّهُ الَّذي يرجو وآمنَه مِمّا يخافُ".

 

فهذا الشاب كان يحسن الظن بالله أنه سيغفر له ويرضيه، ويتجاوز عنه، وفي نفس الوقت يخاف ذنوبه ومعاصيه في حياته، وهو بين الخوف والرجاء، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المرء من بين رجاء وحسن ظن بالله -عز وجل-.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا حسن الظن بالله -تعالى-، ونعوذ بالله من سوء الظن به -سبحانه وتعالى-. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:

 

الرجاء وحسن الظن بالله -عز وجل- يجب أن يصاحبه العمل الصالح من قيام بالواجبات وترك للمحارم. فهناك من يصل رجاءه وثقته بالله أن يترك الصلوات ويرتكب المحرمات ويقول: إن الله غفور رحيم، وإنه لن يعاقبني؛ فهذا رجاء وأمانٍ كاذبة، وهذا أمن من مكر الله؛ فإن هذا الرجاء مخالف للشرع؛ لأن الله -عز وجل- أمر بالعمل مع الرجاء؛ فقال -سبحانه وتعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف:110].

 

كما أنه ينبغي أن تحسن الظن بالله في النصر للمسلمين، مهما بلغ بالمسلمين من أزمات أو نكبات؛ فإن الله -عز وجل- سوف ينصرهم؛ فعليك بالدعاء لهم وحسن الظن بالله أنه سينصر الإسلام والمسلمين.

 

ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله --عز وجل--: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.

 

اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

الرجاء وحسن الظن بالله تعالى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات