الرباط في سبيل الله

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضائل المرابطة والحراسة في سبيل الله 2/ عظم أجر الرباط في سبيل الله 3/ وصايا لرجال الأمن والجنود على الثغور 4/ دورنا في دعم المرابطين.

اقتباس

الرباط في سبيل الله عمل جليل، ومهمة شاقة، ومنزلة عالية يصطفي الله لها من يشاء مِن عباده.. يا الله.. ما أعظمها من مهمة! وما أشقه من دور! ذلكم الدور الذي يتولاه الرجل وهو يعلم أن الأمة تعيش في ظل حراسته آمنة مطمئنة.. وتعتمد على يقظته وفطنته بعد توفيق الله تعالى.. فهذه المهمة مهمة عظيمة يترتب عليها حفظُ أمن البلاد من العدو الخارجي والداخلي والذي بات في هذا الزمان من أكبر مصادر زعزعة الأمن في البلاد..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أيها الإخوة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

 

الرباط في سبيل الله عمل جليل، ومهمة شاقة، ومنزلة عالية يصطفي الله لها من يشاء مِن عباده..

 

والرباطُ: لزوم الجندِ للمحلِ الذي يُخَافُ وصولُ العدو منه، ومراقبتهم ومنعهم من الوصول إلى مقاصدهم ويسمى المرابطة..

 

والمرابطة في هذا الزمان صار لها أكثر من موقع، وأكثر من تخصص، وأعلاها الإقامةُ في الثغور، وهي: الأماكنُ التي في الحدودِ والأطرافِ التي يخافُ المسلمونَ أن يدخل منها أعداءُ الإسلامِ إلى بلادِ المسلمينَ.

 

 والمرابطُ هو: المقيمُ فيها المعدُّ نفسَهُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، والدفاعِ عن دينِهِ ووطنه وإخوانِهِ المسلمين..

 

أحبتي: يا الله.. ما أعظمها من مهمة! وما أشقه من دور! ذلكم الدور الذي يتولاه الرجل وهو يعلم أن الأمة تعيش في ظل حراسته آمنة مطمئنة.. وتعتمد على يقظته وفطنته بعد توفيق الله تعالى.. فهذه المهمة مهمة عظيمة يترتب عليها حفظُ أمن البلاد من العدو الخارجي والداخلي والذي بات في هذا الزمان من أكبر مصادر زعزعة الأمن في البلاد..

 

إن رجال الأمن المرابطين في نقاط التفتيش والحدود والميادين وغيرها من المواقع مهما كانت تخصصاتهم، يقومون بعمل جليل، ويتصدون لعدد من أعداء الأمن من تجار ومهربي المخدرات والأسلحة، ومن قطاع الطرق والسراق.

 

 وأشد منهم وأعظم منهم عداوة للأمة عدو من بني جلدتنا ويتسمون بأسمائنا ويظهرون بمظاهرنا.. لكنهم فئة ضالة قَالَ عَنْهم رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ -أي: صغار الأسنان ضعاف العقول- يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (متفق عليه).

 

 وعن عَلِيٍّ -رضي الله عنه- وفي رواية البزار أن علياً -رضي الله عنه- قال الحديث عندما خرج الخوارج في الأمة وتجمعوا لقتال المسلمين، وقال بعدما روى الحديث: "وَإِنِّي لاَ أَرَاهُمْ إِلاَّ هَؤُلاءِ، ثُمَّ نَهَضَ إِلَيْهِمْ". أي لقتالهم.

 

أيها الإخوة: كم من العنت والمشقة يتجرعها المرابط في مثل هذه المواقع..! وكم من المفاجآت يتلقاها.. بل ربما غُدِرَ به على حين غرة من أمره وأردي قتيلاً يتشحط بدمه..

 

لكن هذا العمل الجليل والمهمةَ الخطرة الصعبة جعل الدين لأربابها مكانة عالية ومنزلة رفيعة فقد ذكر رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أجوراً عظيمة للمرابطين تبهر العقول وتكافئ هذا البذل والفداء بالنفس الغالية، بل وتزيد عليه؛ فقد تواترت السنةُ في فضلِ المرابطةِ والحراسةِ في سبيل الله وسنذكر طرفاً منها من ذلك: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه-).

 

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "أحاديث في فضل الجهاد والرباط في سبيل الله، وأن الغدوة والروحة في سبيل الله أو غدوة وروحة في الرباط خير من الدنيا وما فيها، وهذا فضل عظيم خير من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها وما فيها.. وليس خيرًا من دنياك التي أنت تعيشها فقط، بل من الدنيا وما فيها ومنذ متى؟ من زمن لا يعلمه إلا الله وكذلك لا يدري متى تنتهي كل هذا خيرٌ من الدنيا وما فيها".

 

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ». ذلك أن حسنته بألف (رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه-).

 

ومَرَّ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ -رضي الله عنه- بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَلَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ - وَرُبَّمَا قَالَ: خَيْرٌ - مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ فِيهِ –أي: في الرباط- وُقِيَ فِتْنَةَ القَبْرِ، وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" (رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وصححه الألباني).

 

 ولفظ مسلم: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»، وزادَ الطبرانيُّ «وبُعِثَ يَوْمَ القِيَامَةِ شَهِيْداً».

 

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ» (رواه الترمذي وغيره عَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ -رضي الله عنه- وصححه الألباني).

 

وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رِبَاطُ شَهْرٍ خَيْرٍ مِنْ صِيَامِ دَهْرٍ, وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُرَابِطِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَغُدِيَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ وَرِيحَ مِنْ الْجَنَّةِ –أي: يأتيه رزقه من الجنة في الصباح والمساء-، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ، وَبَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ" (رواه ابن ماجة والطبراني وأحمد وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- وقَالَ الألباني صحح لغيره).

 

وقَالَ: رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ" (رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وقال الألباني: صحح لغيره).

 

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ عَمِلٍ يَنْقَطِعُ عَنْ صَاحِبِهِ إِذَا مَاتَ إِلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى لَهُ عَمَلُهُ، وَيُجْرَى عَلَيْهِ رِزْقُهُ إِلَى يَوْمِ الْحِسَابِ" (رواه ابن الأعرابي والطبراني في معجميهما وقال الألباني حسن صحيح).

 

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "وفي هذه الأحاديث دليلٌ على أن المرابط يجري عليه عمله إلى يوم القيامة، وأنه يأمن فتنة القبر يعني: أن الناس إذا ماتوا ودفنوا أتاهم ملكان يسألان الرجل عن ربه ودينه ونبيه إلا من مات مرابطاً في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان يسألانه".

 

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الحِكْمَةَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً» (رواه النسائي وصححه الألباني).

 

 فالشهيد والمرابط كلاهما لا يأتيه الملكان في قبره فيسألانه بل يأمن من ذلك، وهذا فضل عظيم وأجر عظيم.

 

وقَالَ الإمام أَحْمَدُ -رحمه الله-: "لَيْسَ يَعْدِلُ الْجِهَادَ عِنْدِي وَالرِّبَاطَ شَيْءٌ، وَالرِّبَاطُ دَفْعٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ؛ وَعَنْ حَرِيمِهِمْ، وَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الثَّغْرِ وَلِأَهْلِ الْغَزْوِ، فَالرِّبَاطُ أَصِلُ الْجِهَادِ وَفَرْعُهُ.

وَأَفْضَلُ الرِّبَاطِ الْمُقَامُ بِأَشَدِّ الثُّغُورِ خَوْفًا؛ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ، وَمُقَامُهُ بِهِ أَنْفَعُ".

وقَالَ الإمام أَحْمَدُ -رحمه الله- أيضًا: "أَفْضَلُ الرِّبَاطِ أَشَدُّهُ كَلَبًا".

 

 نسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في دينه، وأن يجمعهم على الهدى، وأن يوحد صفوفهم وكلمتهم على الحق، وأن من عليهم بالاعتصام بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويوفقهم لتحكيم شريعته والتحاكم إليها، والاجتماع على ذلك والتعاون عليه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: يقول اللهَ تَعَالَى (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 283].

 

أيها الإخوة: حق علينا أن نُجِلّ هؤلاء الرجال، ونقدّر مهمتهم الجليلة وعملهم الخطير، وندعو لهم بالثبات والحفظ والإخلاص بالقول والعمل، ونشجع أبناءنا على الانخراط في سلك الجندية وندعو لهم..

 

وأخيراً وليس آخراً نداء أوجهه لإخوتي من رجال الأمن والقوات المسلحة فأقول: أنتم حراس أمن وطننا.. هذا الوطن الذي يضم في جنباته خير البقاع مكة والمدينة، وأمنه أمن للأمة كلها، وعزه عز للأمة كلها.. فمَنْ مِنْ المسلمين اليوم مَنْ لا تتوق نفسه للحج أو العمرة أو الزيارة، واحتسبوا عملكم هذا رباطاً في سبيل الله وجددوا النية في كل حين..

 

واعلموا أن أي مشقة وتعب يصيبكم أنتم مأجورون عليها، وأصلحوا ما بينكم وبين الله من العمل تفوزوا باستمراره بعد موتكم، واحمدوا الله تعالى أن اختاركم لهذه المهمة الجليلة..

 

وصلوا وسلموا..

 

 

 

المرفقات

في سبيل الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات