الراقصون على الجرح

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ صور لمآسي العراق بعد الاحتلال 2/ تربّص المحتل ببقية الدول المسلمة 3/ من مظاهر غفلتنا عن واقعنا الأليم 4/ السبيل إلى النصر

اقتباس

إنها دعوة لكل مسلم يعصي الله وأمته تُذَلّ، ويلغ في الشهوات ومسلمةٌ تُغَلّ، ويغرق في سكرة الهوى ودماء مسلمة في العراق تراق! فاتقوا الله أيها الراقصون على الجراح من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون، واعلموا أن كل معصية تعصون الله بها، وكل طاعة تفرطون فيها، هي دليل إدانة ضدكم في محكمة دماء المسلمين الأبرياء.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتلي بالسراء والضراء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الرسل وصفوة الأنبياء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء، وسلم تسليما.

 

أما بعد:

 

ذاد عن مقلتي لــذيـذ المنـام *** شغلها عنه بالدموع السجامِ

أي نوم من بعد ما حل بالـعراق *** ما حـل مـن هنات عظام

أي نوم من بعد ما انتهك الروم *** جهـاراً محـارم الإسـلام

إن هـذا من الأمـور لأمــرٌ *** كاد أن لا يقـوم في الأوهام

بينما أهــلها بـأحسن حـال *** إذ رماهم عدوهم باصطلام

دخـلوها كـأنهـم قطـع لـيل *** إذا راح مُـــدلهمّ الظلام

كم أغصوا من شارب بشـراب *** كم أغصوا من طاعم بطعام

كـم ضنين بنفسه رام منـجى *** فتلقــوا جبينه بالحسـام

كم أخ قد رأى أخاه صريعــاً *** ترب الخد بين صرعى كرام

كـم أب قد رأى عـزيز بنيه *** وهـو يكـوى بشظايا اللئام

كـم مفـدى في أهله سلمــوه *** حينمـا لم يحمه هنالك حام

كـم رضيع هناك قد فـطمـوه *** بلظـى القاذفـات قبل الفطام

ما تذكرت ما أتى الكــفـر إلا *** أضـرم القلـب أيما إضرام

ما تذكرت ما أتى الكــفـر إلا *** أوجـعتني مـرارة الإرغام

رب بيت هناك قـد خـربـوه *** كان مأوى الضعاف والأيتام

بـدلت تلكـم البيــوت تلالاً *** من رمـاد ومـن تراب ركام

سلط الـنار والحــريق عليها *** فـتداعت أركانهـا بانهـدام

وخلت من حلولهـا فهي قفـرٌ *** لا ترى العين بين تلك الأكام

غيـر أيـد وأرجــل بائنات *** بـذرت بينـهن أفـلاق هام

ووجـوه قـد رملتها دمـــاء *** بأبي تلكـم الوجوه الـدوامي

 

فيا أمة الإسلام، أوصيكم ونفسي بوصية الله للعالمين، أن اتقوا الله.

 

إنها مشاعر شاعر تصور تلك الجريمة النكراء التي يعتز بها أقوام حملوا بين جوانحهم الشر صاغراً عن صاغر.

 

يا أهل العراق: إن صور قتلاكم تدمي قلوبنا، وإن مناظر الأطفال اليتامى والنساء الثكالى لتؤجج مشاعرنا.

 

يا أهل العراق: إن مآقينا لتسيل دماً لا دموعاً وهي تشاهد أطفالكم الرضع مجندلين، قتلت براءتهم، وتشاهد عجائزكم يبكين أبناء وأقربين صرعى بسلاح المعتدين.

 

يا أهل العراق: إن مشهد الرجل الذي فقد أحد عشر نفسا من عائلته، والمرأة العجوز التي هدم بيتها على ستة من عائلتها، ومشهد الآلاف يتصارعون على قطرات الماء، ومشهد الأشلاء والدماء في شوارعكم تؤلم قلوبنا وتُبكي عيوننا، ولكن؛ ما حيلتنا؟ فحسبنا الله ونعم الوكيل! ولا نملك إلا أن نرفع أيدينا إلى اللطيف الخبير متضرعين إليه أن ينزل على أمريكا وحلفائها عذابا لا يُبقي من جنودهم ولا يذر. وصبر جميل؛ عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون.

 

تلك حال أمة مسلمة بجوارنا تُذل وتقتل، والعالم يتفرج على مشاهد الإذلال بلا أفعال ولا ردود أفعال.

 

أما حالنا والعدو يحل قريبا من دارنا فحدث واكتب بمداد الأسى والألم! هدير الطائرات نسمعه في أجوائنا، وصواريخ العدو تتساقط على أطراف أرضنا، خطأ كما يزعمون! والخليج والبحر يمخر عبابهما مدمرات للعدو فوقها مغول لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة، يتميزون من الغيظ على المسلمين، وسجلّ أسلافهم شاهد على الوحشية والدموية، والعدو يهدد وتوعد وينذر بمواصلة العدوان وتهديد أمم وبلدان، وصدق الله: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217].

 

ومع نُذر الخطر، وظهور أمارات العقاب الإلهي، فأمتنا لا زالت في لهوها غارقة، وبماء الذنوب شارقة، ولباب عدوها طارقة.

 

لا تقولوا إنك متشائم، وفي بحر اليأس هائم، بل أنا متفائل بنصر الله حتى الثمالة، ولكن؛ على يد من؟ إنما أحكي واقعاً مريراً، وأنذر قومي وأمتي بطش ربها، (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج:12].

 

يا أيها الناس: ادخلوا إلى الأسواق فسترون غشاً وتلاعباً في البيع والشراء، وسترون تبرجاً وسفوراً عند النساء، وصوراً من قلة الحياء، ستلقون من يتعامل بالربا، وستشاهدون صروحه أعلى من المآذن.

 

انظر حولك سترى حسداً وحقداً وقطيعة وعقوقاً، ترى بيوتاً دنست بالأطباق الهابطة التي تحجب نزول الرحمات وتمنع رفع الدعوات، تبث الإلحاد والمجون وتدعو إلى الرذيلة، وناس من أمتي عليها عاكفون، فكيف -يا أمتي- تنصرون؟.

 

انظر حولك؛ سترى المساجد تشكو الهاجرين، والمقاهي تغص بالزائرين، فقل لي بربك: ما الذي يؤمننا من عذاب رب العالمين؟.

 

العدو يتربص بنا، والفتن أحدقت بأرضنا وكأن الأمر لا يعنينا... فمتى -يا مسلمين- من غفلتكم تفيقون؟.

 

الرؤى والأحلام تبشرنا أن جزيرة العرب ستظل في سلام، فاستمروا في غفلتكم ولهوكم، وكأن ليس في كتاب ربنا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].

 

يا مسلمين: الأخطار محدقة بنا، ويُتخطف الناس من حولنا، وأمتنا لم تحدث تغييرا، ولم تقدم توبة ولا نفيرا. نساؤها تتباهى في الموضات والأزياء، وتتسابق إلى محاكاة الفاجرات والتشبه بالكافرات! وشبابها لم تحرك مشاعرهم صور القتلى من إخوانهم وجيرانهم، ولم تهز عواطفهم مشاهد الأطفال والنساء والشيوخ الذين تستباح كرامتهم لأنهم مسلمون.

 

شبابنا لم يدركوا كيد الأعداء، ولم تتحرك قلوبهم غيرة وحمية لدينهم وأمتهم فهم في الطرقات وأطراف المدينة يرقصون، ومع صوت الشيطان يتفاعلون، لقد رأيتهم فخلّف مرآهم الحزن والأسى.

 

رأيت فئة من شبابنا صورا منسوخة عن أحد المائعين المتفلتين الواردين إلينا عبر القنوات والأثير، لا يعرفون إلا الرقص والغناء، ولا يجيدون إلا لغة الحب والغرام، وكلهم يحمل سلاحا واحدا مؤلفا من مشط ومرآة.

 

فمَن مُبْلِغٌ شبابنا أنهم بصنيعهم هذا يزرعون بذور العذاب، ويفتحون الطريق لاستعمار الأعداء، ويسهلون السبيل لضياع الأمن والرخاء؟ من مبلغ شبابنا أن ما حل بغيرنا سيحل بنا إذا قطعنا الصلة بديننا، وبترنا العلاقة مع ربنا؟.

 

أيها المسلمون: وفئة من شبابنا من أهل الخير والصلاح تفاعلت مع مأساة إخوانها، ولكن بماذا؟ بملاحقة القنوات وشراء الدشوش لمتابعة الأخبار والتحليلات، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، ويبلغ تفاعلهم القمة بالحوقلة والاسترجاع! أما مواجهة الفتنة بالبذل والدعاء والدعوة والعطاء، فلا محل له في اهتماماتهم، فكيف يا أمتي تنصرون؟.

 

يا أمة الإسلام: لماذا نستبعد غضب الله؟ ولماذا نأمن مكر الله؟ لقد حلت الهزيمة بالمسلمين في أُحُدٍ بذنب أذنبوه؛ فكيف بأمة تعصي ربها وتظهر ذنبها؟ (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165].

 

لقد أخذ الله أمماً بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم وينقبوا في ضمائرهم وفي واقعهم لعلهم تحت وطأة الشدة يتضرعون إلى الله ويتذللون له وينزلون عن عنادهم واستكبارهم، ويدعون الله أن يرفع عنهم البلاء بقلوب مخلصة فيرفع الله عنهم البلاء ويفتح لهم أبواب الرحمة؛ لكنهم لم يفعلوا ما كان حريا أن يفعلوا، لم يلجؤوا إلى الله، ولم يرجعوا عن عنادهم: (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام:43-44].

 

إن الله-عز وجل- يحذر عباده من مكره وبطشه: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ) [الأعراف:97]، (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].

 

إن سنة الله لا تتخلف، ومشيئة الله لا تتوقف؛ فما الذي يؤمّنهم أن يأخذهم الله بذنوبهم كما أخذ من قبلهم، وأن يطبع على قلوبهم فلا يهتدوا بعد ذلك، بل لا يستمعوا إلى دلائل الهدى؛ ثم ينالهم جزاء الضلال في الدنيا والآخرة؟!.

 

ألا إن مصارع الخالين قبلهم، ووراثتهم لهم، وسنة الله الجارية، كل أولئك كان نذيراً لهم أن يتقوا ويحذروا وأن يطرحوا عنهم الأمن الكاذب والاستهتار السادر والغفلة المردية، وأن يعتبروا بما كان في الذين خلوا من قبلهم عسى ألا يكونوا منهم، لو كانوا يسمعون!.

 

إن الله-عز وجل- لا يريد بهذا التحذير أن يعيش الناس فزعين قلقين يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار، فالفزع الدائم من المجهول والقلق الدائم من المستقبل وتوقع الدمار في كل لحظة قد تشل طاقة البشر وتبددها، وقد تنتهي بهم إلى اليأس من العمل والإنتاج وتنمية الحياة وعمارة الأرض؛ إنما يريد الله منهم اليقظة والإحساس والتقوى ومراقبة النفس، والعظة بتجارب البشر وإدامة الاتصال بالله وعدم الاغترار بطراوة العيش ورخاء الحياة.

 

ولقد سلف من المؤمنين بالله المتقين سلفٌ ما كان يأمن مكر الله وما كان يركن إلى سواه، وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان، مطمئناً بذكر الله، قوياً على الشيطان وعلى هواه، مصلحاً في الأرض بهدي الله، لا يخشى الناس فالله أحق أن يخشاه.

 

وهكذا ينبغي أن نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يدفع، ومن مكر الله الذي لا يدرك؛ لندرك أنه لا يدعو إلى القلق إنما يدعو إلى اليقظة، ولا يؤدي إلى الفزع إنما يؤدي إلى الإحساس، ولا يعطل الحياة إنما يحرسها من الاستهتار والطغيان.

 

يا مسلمين: تذكر الأخبار أن الطاغية الرئيس الأمريكي ومنذ بدء الحرب على العراق لم ينقطع عن الكنيسة يصلي ويدعو لجنوده، أفيكون خنزير جائر كافر أولى باللجوء إلى الله من أهل التوحيد؟ فأين دعوتكم؟ وأين عودتكم؟ وأين دعاؤكم؟.

 

يا مسلمين: لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ وإن عقاب الله لا يدفع بقوة مادية ولا بجهود بشرية، والفتن لا تدرأ بالحيل ولا بالتمادي؛ إنما يُدفع العذاب وتُدرأ الفتن بالالتجاء إلى الله والعودة لدينه والدعوة لشريعته، وليس لها من دون الله كاشفة، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.

 

والعبادة في الفتن ملجأ المتقين، وملاذ المؤمنين: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25]، (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) [الأحزاب:18].

 

أقول هذا القول...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: كان صاحبي يتكلم عن مآسي المسلمين ويتابع أحوالهم ويوزع المسؤوليات ويعلق الأحوال المريرة بتقصير هذا الحاكم وضعف ذاك العالم، فقلت له: يا هذا، أنا وأنت من يؤخر النصر عن هذه الأمة، بل نحن السبب الرئيس في كل البلاء الذي نحن فيه.

 

فقال لي: يا أخي، كيف ذاك وأنا عبد ضعيف لا أملك سلطة ولا قوة؟ لو أمرت المسلمين ما أتمروا ولو نصحتهم ما انتصحوا! فقاطعته قائلاً: إنها معاصينا التي بارزنا الله بها ليلاً ونهاراً، إنها زهدنا عن الواجبات وحرصنا على الملهيات.

 

يا أخي، لو جلست أعد لك ما نفعل لطال بنا المقام، وإني لسائلك -مثلاً-: هل أنت ممن يصلون الفجر في جماعة؟ فقال: نعم أحياناً، وتفوتني مراراً، فقاطعته قائلاً: هذا هو التناقض بعينه، كيف تدعي قدرتك على الجهاد ضد عدوك وقد فشلت في جهاد نفسك أولاً في أمر لا يكلفك دماً ولا مالاً! لا يعدو كونه دقائق قليلة تبذلها في ركعتين مفروضتين من الله الواحد القهار! كيف تطلب الجهاد وأنت الذي تخبّط في أداء الصلوات المفروضة وترك صلاة الجماعة وضيّع السنة الراتبة ولم يقرأ ورده من القرآن ونسي أذكار الصباح والمساء وخاض في الغيبة وعق والديه ولم يصل أرحامه، واستمرأ النظر إلى محرمات في صحف أو شاشات، وأدخل المفسدات، وقصر في واجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانشغل بالملهيات؟!.

 

كيف تطلب تحكيم شريعة الله على أرضك وأنت لم تحكّمها في نفسك وبين أهل بيتك فلم تتق الله فيهم ولم تدعهم إلى الهدى وتبعدهم عن المحرمات ولم تطعمهم من حلال، ولم تغرس في قلوبهم عظمة ذي الجلال؟!.

 

فقال لي محدثي: ومال هذا وتأخير النصر؟ أيتأخر النصر في الأمة كلها بسبب واحد في المليار؟ فقلت له: آه ثم آه! فقد استنسخت الدنيا مئات الملايين من أمثالك إلا من رحم الله، كلهم ينتهجون نهجك فلا يعبؤون بطاعة ولا يخافون ذنباً، وتعلل الجميع أنهم يطلبون النصر لأنه بالأمة من هو أفضل منهم، وأن ذنبهم لا يضر إلا أنفسهم؛ لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع سواء، إلا من رحم رب السماء، أما علمت -يا عبد الله- أن الصحابة إذا استعجلوا النصر ولم يأتهم علموا أن فيهم من أذنب ذنباً؟ فما بالك بأمة واقعة في الذنوب من كبيرها إلى صغيرها، ومن حقيرها إلى عظيمها؟.

 

يا أخي: إن أخطر مشكلة تواجه الأمة هي غفلة كل منا عن قيمته وعن مسؤوليته، وظنه أنه لا شيء ولا قيمة له ولا وزن ولا اعتبار! في واقع الأمة ضاعت قيمة الفرد في نفسه فضاعت قيمته عند من يتعامل معه.

 

يا أخي، أما علمت أن ثمود أهلكوا بجريمةِ فردٍ؟ (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا * فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس:12-14].

 

أما علمت أن أمة من الناس أمطرت بدعوة عبد مملوك تقي خفي؟ وأن قرية حفظت من الوباء بدعوة رجل صالح فيها؟.

 

إننا نجيد فن النقد للآخرين والتهرب من المسؤوليات وإلقاء التبعة على الغير؛ ضعفنا قضاء وقدر، وهزيمتنا سببها قوة أعدائنا، والمنكرات نشأت بتقصير العلماء والحكام، ومعاصينا بسبب كيد الشيطان، وغفلنا عن الحقيقة القرآنية: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى:30]، (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165].

 

إن أكبر الأخطاء التي تواجه المسلمين اليوم كامنة في النقص في تربية أفرادهم، والضعف الذي أصيب به أبناؤهم، وأكبر المصائب أن يصاب الفرد في نفسه، ذلك أن معالجة أي خطر ممكنة ميسرة حينما تكون تربية الأفراد تربية قوية تستطيع أن تواجه المصاعب وتصمد للشدائد.

 

نعم، ليس ينكر منكر مكانة القيادة في توجيه الأمة، وليس يجحد أحد أن القيادة تستطيع أن تغير صفحة التاريخ سلبا أو إيجابا، ولكن السؤال: أكان القائد يعمل وحده؟ وما سر نجاحه أو فشله؟.

 

إن القيادة لا تستطيع أن ترعى كل صغيرة وكبيرة إلا إذا كان كل فرد في رعيتها مجندا واعياً متيقظاً يرى أنه على ثغرة يجب أن يحميها، فأنت -أخي- على ثغرة، فلا يؤتين الإسلام من قبلك، و"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

قال صاحبي وقطرات الدمع تنساب على وجهه: لم أكن أتصور وأنا ذاك الرجل الذي يحب الله ورسوله ويحب الإسلام وأهله أن أكون سبباً في هزيمة المسلمين أو أن أكون شريكاً في أنهار الدماء المسلمة البريئة في كثير من بقاع الأرض! لقد كان من السهل عليّ إلقاء اللوم على هذا وذاك، لكنني لم أفكر يوماً في عيبي وخطئي، ولم أتدبر قول الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].

 

أيها المسلمون:

 

ماذا نقول لربي حين يسألنا *** عن الشريعة لم نحيي معانيها

ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا *** أذهبتموا سنتي والله محييها

 

إنها دعوة لكل مسلم يعصي الله وأمته تُذَلّ، ويلغ في الشهوات ومسلمةٌ تُغَلّ، ويغرق في سكرة الهوى ودماء مسلمة في العراق تراق! فاتقوا الله أيها الراقصون على الجراح من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون، واعلموا أن كل معصية تعصون الله بها، وكل طاعة تفرطون فيها، هي دليل إدانة ضدكم في محكمة دماء المسلمين الأبرياء.

 

 

 

المرفقات

على الجرح

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات