الدفاع عن حجاب المرأة

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضل حجاب المرأة 2/ شروط الحجاب 3/ حكم تغطية الوجه 4/ أدلة وجوب الحجاب من القرآن والسنة 5/ الحملات المتتالية على الحجاب 6/ وجوب التمسك بالهدي الأول والإعراض عن المحدثات.

اقتباس

إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةً عَنِ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ خَوْفَاً مِنِ افْتِتَانِ الرَّجُلِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْ صَوْتِ خِلْخَالِهَا وَنَحْوِهِ, فَكَيْفَ بِكَشْفِ الْوَجْهِ؟ فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ فِتْنَةً أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ خَلْخَالاً بِقَدَمِ امْرَأَةٍ لا يَدْرِي مَا هِيَ وَمَا جَمَالُهَا؟! لا يَدْرِي أَشَابَّةٌ هِيَ أَمْ عَجُوزٌ؟! وَلا يَدْرِي أَشَوْهَاءُ هِيَ أَمْ حَسَنَاءُ؟! أَيُّهُمَا أَعْظَمُ فِتْنَةً هَذَا؟ أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهٍ سَافِرٍ جَمِيلٍ مُمْتَلِئٍ شَبَابَاً وَجَمَالاً وَتَجْمِيلاً بِمَا يَجْلِبُ الْفِتْنَةَ وَيَدْعُو إِلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا؟! إِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ لَيَعْلَمُ أَيُّ الْفِتْنَتَيْنِ أَعْظَمُ وَأَحَقُّ بِالسَّتْرِ وَالإِخْفَاءِ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الّذي أعَزّ من أطاعه واتّقاه، والحمد لله الّذي أذلّ من خالف أمره فعصاه، النّاصر لدينه وأوليائه، القائل في مُحكَم آياته (وَلْتًكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ)، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قدير، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ مِنَ الْقَضَايَا الْكُبْرَى التِي جَاءَتْ بِهَا شَرِيعَتُنَا, وَأَكَّدَ عَلَيْهَا دِينُنَا, وَتَضافَرَتْ عَلَيْهاَ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَمَعَ هَذَا فَلا يَزَالُ أَعْدَاءُ الإِسْلامِ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَأَصْحَابُ الأَغْرَاضِ الدَّنِيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ الْخَفِيَّةِ يُدَنْدِنُونَ حَوْلَ الْحِجَابِ, تَارَةً بِالتَّشْكِيكِ فِي شَرْعِيَّتِهِ, وَتَارَةً بِالسُّخْرِيَةِ وَالذَّمِّ لِمُرْتَدِيَتِهِ, وَتَارَةً بِالتَّبَاكِي عَلَى لابِسَتِهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ سِتْرٌ لَهَا وَصِيَانَةٌ, وَعَفَافٌ وَحِفْظٌ لَهَا بِإِذْنِ اللهِ وَأَمَانَةٌ, وَعَلامَةٌ عَلَى الصَّلاحِ وَالدِّيَانَةِ.

 

إِنَّ الْحِجَابَ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- هُوَ اللِّبَاسُ الذِي يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ مِنَ رَأْسِهَا إِلَى أَخْمُصِ قَدَمَيْهَا, بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ فِتْنَةً فِي نَفْسِهِ, وَلا يَكُونُ لِبَدَنِهَا وَصَّافَاً وَلا يَكُونَ ضَيِّقَاً وَلا شَفَّافَاً.

 

وَلَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ بِلادِ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَالْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ كَانُوا عَلَى طَرِيقِ الاسْتِقَامَةِ فِي ذَلِكَ, فَكَانَتِ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مُتَحَجِّبَاتٍ بِالْعَبَاءَةِ أَوْ نَحْوِهَا بَعِيدَاتٍ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ، وَلا تَزَالُ الْحَالُ كَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمَمْلَكَةِ وَللهِ الْحَمْدِ.

 

لَكِنْ لَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الْكَلَامِ حَوْلَ الْحِجَابِ, وَرُؤْيَةِ مَنْ لا يَفْعَلُونَهُ وَلا يَرَوْنَ بَأْسَاً بِالسُّفُورِ, صَارَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ شَكٌّ فِي الْحِجَابِ وَتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ أَوْ شَيْءٌ يَتْبَعُ الْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدَ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِوُجُوبٍ وَلا اسْتِحْبَابٍ؟

 

وَلِإِزَالَةِ هَذَا الشَّكِّ وَجَلاءِ حَقِيقَةِ الأَمْرِ, فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لا الْحَصْرِ, رَاجِيَاً مِنَ اللهِ -تَعَالَى- أَنْ يَتَّضِحَ بِهَا الْحَقُّ، وَأَنْ يَجَعَلَنَا مِنَ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينَ الذِينَ رَأَوُا الْحَقَّ حَقَّاً وَاتَّبَعُوهُ, وَرَأَوُا الْبَاطِلَ بَاطِلاً فَاجْتَنَبُوهُ.

 

فَمِنْ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللهِ -تَعَالَى-: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور: 31] وَالْخِمَارُ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- هُوَ مَا تُخَمِّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا, أي: تُغَطِّيهِ. فَإِذَا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِأَنْ تَضْرِبَ بِالْخِمَارِ عَلَى جَيْبِهَا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِسَتْرِ وَجْهِهَا  بِطَبِيْعَةِ الحَال, وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْخِمَارَ يَنْزِلُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى الْجَيْبِ وَهُوَ الصَّدْرُ وَالنَّحْرُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ.

 

ثُمَّ نَقُولُ: إِذَا وَجَبَ سَتْرُ النَّحْرِ وَالصَّدْرِ كَانَ وُجُوبُ سَتْرِ الْوَجْهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَوْضِعُ الْجَمَالِ وَالْفِتْنَةِ. فَإِنَّ النَّاسَ الذِينَ يَتَطَلَّبُونَ جَمَالَ الصُّورَةِ لا يَسْأَلُونَ إِلَّا عَنِ الْوَجْهِ، فَإِذَا كَانَ جَمِيلاً لَمْ يَنْظُرُوا إِلَى مَا سِوَاهُ نَظَرَاً ذَا أَهَمِّيَةٍ.

 

وَلِذَلِكَ إِذَا قَالُوا: إِنَّ فُلانَةً جَمِيلَةٌ, لَمْ يُفْهَمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إِلَّا جَمَالُ الْوَجْهِ, فَتَبَيَّنَ إِذَنْ أَنَّ الْوَجْهَ هُوَ مَوْضِعُ الْجَمَالِ، فَكَيْفَ يُفْهَمُ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْحَكِيمَةَ تَأْمُرُ بِسَتْرِ الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ تُرَخِّصُ فِي كَشْفِ الْوَجْهِ؟!

 

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ: قَوْلُهُ -تَعَالَى- (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) [النور: 31] يَعْنِي: لا تَضْرِبُ الْمَرْأَةُ بِرِجْلِهَا فَيُعْلَمَ مَا تُخْفِيهِ مِنَ الْخَلاخِيلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَتَحَلَّى بِهِ فِي القَدَم.

 

فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةً عَنِ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ خَوْفَاً مِنِ افْتِتَانِ الرَّجُلِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْ صَوْتِ خِلْخَالِهَا وَنَحْوِهِ, فَكَيْفَ بِكَشْفِ الْوَجْهِ؟ فَأَيُّهُمَا أَعْظَمُ فِتْنَةً أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ خَلْخَالاً بِقَدَمِ امْرَأَةٍ لا يَدْرِي مَا هِيَ وَمَا جَمَالُهَا؟! لا يَدْرِي أَشَابَّةٌ هِيَ أَمْ عَجُوزٌ؟! وَلا يَدْرِي أَشَوْهَاءُ هِيَ أَمْ حَسَنَاءُ؟! أَيُّهُمَا أَعْظَمُ فِتْنَةً هَذَا؟ أَوْ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهٍ سَافِرٍ جَمِيلٍ مُمْتَلِئٍ شَبَابَاً وَجَمَالاً وَتَجْمِيلاً بِمَا يَجْلِبُ الْفِتْنَةَ وَيَدْعُو إِلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا؟! إِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ لَيَعْلَمُ أَيُّ الْفِتْنَتَيْنِ أَعْظَمُ وَأَحَقُّ بِالسَّتْرِ وَالإِخْفَاءِ.

 

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ: قَوْلُهُ -تَعَالَى- (يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)[الأحزاب: 59]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "أَمَرَ اللهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ بِالْجَلابِيبِ وَيُبْدِينَ عَيْنَاً وَاحِدَةً". وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، وَقَولُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- "وَيُبْدِينَ عَيْنَاً وَاحِدَةً"، إِنَّمَا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى نَظَرِ الطَّريِقِ, فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ فَلا مُوجِبَ لِكَشْفِ الْعَيْنِ.

 

وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ السَّكِينَةِ, وَعَلَيْهِنَّ أَكْسِيَةٌ سُودٌ يَلْبَسْنَهَا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذِهِ ثَلاثَةُ أَدِلَّةٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ تُفِيدُ وُجُوبَ احْتِجَابِ الْمَرْأَةِ عَنِ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ.

 

وَأَمَّا أَدِلَّةُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَمِنْهَا: عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ, فَإِنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا, فَلْيَفْعَلْ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  نَفَى الْجُنَاحَ - وَهُوَ الإِثْمَ - عَنِ الْخَاطِبِ خَاصَّةً إِذَا نَظَرَ إِلِى مَخْطُوبَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ لِلْخِطْبَةِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْخَاطِبَ آثِمٌ بِالنَّظَرِ إِلى الأَجْنَبِيَّةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْخَاطِبَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْوَجْهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ لِمُرِيدِ الْجَمَالِ بِلَا رَيْبٍ, وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لا يُقْصَدُ غَالِبَاً.

 

وَمِنْ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ" فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: "يُرْخِينَ شِبْراً" قَالَتْ: إِذَاً تَنْكَشِفُ أقْدَامُهُنَّ ! قَالَ: "فَيُرخِينَهُ ذِرَاعاً لاَ يَزِدْنَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ, وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ قَدَمِ الْمَرْأَةِ, وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُتَقَرِّرٌ عِنْدَ نِسَاءِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَالْقَدَمُ أَقَلُّ فِتْنَةً مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِلا رَيْبٍ. فَالتَّنْبِيهُ بِالأَدْنَى تَنْبِيهٌ عَلَى مَا فَوْقَهُ وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحُكْمِ، وَحِكْمَةُ الشَّرْعِ تَأْبَى أَنْ يَجِبَ سَتْرُ مَا هُوَ أَقَلُّ فِتْنَةً وَيُرَخِّصُ فِي كَشْفِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِتْنَةً، فَإِنَّ هَذَا مِنَ التَّنَاقُضِ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ وَشَرْعِهِ.

 

فَفِي هَذِهِ الأَدِلَّةِ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِمَنْ يُرِيدُ الْحَقَّ وَيَخَافُ مِنْ رَبِّهِ وَيُرِيدُ سَتْرَ أَهْلِهِ, أَسْأَلُ اللهُ أَنْ يَحْفَظَ أَعْرَاضَنَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَغْزُوُّونَ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ, وَهُمْ كَانُوا وَلا زَالُوا يَسْتَخْدِمُونَ جَانِبَ الْمَرْأَةِ لِبَثِّ الرَّذِيلَةِ وَقَمْعِ الْفَضِيلَةِ, وَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْحِجَابِ مِنَ الْمَسَائِلِ التِي شَوَّشُوا بِهَا عَلَى نِسَائِنَا, بَلْ وَعَلَى بَعْضِ رِجَالِنَا, فَأَطَاعَهُمْ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَتَبِعَهُمُ الْجُهَّالُ وَالسُّفَهَاءُ, حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ بَعْضَ بَنَاتِنَا مِمَّنَ ذَهَبَ لِبَلادِ الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ فِي بَعَثَاتٍ دِرَاسِيَّةٍ فَعَلْنَ مَا يَفْعَلُ نِسَاءُ النَّصَارَى مِنَ التَّبَرُّجِ التَّامِ وَلُبْسِ الْعَارِي وَالاخْتِلاطِ بِالرِّجَالِ, وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ: هَذِهِ الْحَمَلاتُ الْمُتَوَالِيَةُ عَلَى الْحِجَابِ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اسْتَمِعُوا مَا قَالَهُ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الأَفْذَاذِ وَهُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِعْدِي -رَحِمَهُ اللهُ-, عَلَّامَةُ الْقَصِيمِ, حَيْثُ يَقُولُ: "وَلَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الْحِجَابِ إِلَّا فِي الْمَدِينَةِ... فَاحْتَجَبَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنْهُنَّ- وَالتَّابِعِينَ, وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ, فَكَانَ كَالإِجْمَاعِ عِنْدَهُمْ, حَتَّى شَذَّ بَعْضُ الفُقَهَاءِ فَقَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ, فَنَمَا هَذَا الأَمْرُ إِلَى أَنَّ عُدَّ هَذَا الْقَوْلُ الْبَاطِلُ خِلافَاً فِي هَذَا الزَّمَانِ, وَأَخَذَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ... فَأَخَذُوا يَنْشُرُونَ عَلَى صَفَحَاتِ الْمَجَلَّاتِ وَالْجَرَائِدِ الِإسْلَامِيَّةِ إِبَاحَةَ السُّفُورِ لِلنِّسَاءِ, وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ, لا يُعَدُّ خِلافَاً فِي الْمَسْأَلَةِ, لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَسَائِرُ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ". انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ, أَيُّهَا الأَبُ, أَيُّهَا الزَّوْجُ, أَيُّهَا الأَخُ, وَيَا مَن وَلَّاهُ اللهُ امْرَأَةً: اتِّقِ اللهَ وَلا يَكُنْ أَهْلُكَ لُعْبَةً فِي أَيْدِي السُّفَهَاءِ, وَلا لُقْمَةً سَائِغَةً لِلأَشْقِيَاءِ, وَانْتَبِهْ لِمَا يُرَادُ مِنْ أَهْلِكَ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ, وَمِنْ دُعَاةِ الرَّذِيلَةِ وَمِنْ مُحَارِبِي الْفَضِيلَةِ, وَخَاصَّةً فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ !

 

أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنا دِينَنَا وَدُنْيَانَا, وَأَنْ يَحْفَظَ أَعْرَاضَنَا وَنَسَاءَنَا, اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا عَالِمَ السِّرِّ وَالْعَلَنِ, يَا قَدِيرُ, اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ نَسَاءَنَا بِسُوءٍ فَأَشْغَلَهُ بِنَفْسِهِ وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ, اللَّهُمَّ أَبْطِلْ خُطَطَهُمْ وَأَفْشِلْ جُهُودَهُمْ, اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَمْرَهُمْ فِي خَبَالٍ وَسَعْيَهُمْ فِي ضَلالٍ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهُم يَا رَبَّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالمُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ, والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

 

 

 

المرفقات

عن حجاب المرأة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات