عناصر الخطبة
1/ عنوان السعادة في الدنيا 2/خطورة فساد ذات البين 3/مفاسد الدعاوى الكيدية 4/اتقاء حر الآخرة وزمهريرها.اقتباس
الدعاوى الكيدية؛ يكيد هذَا عَلَى قريبه وعَلَى جاره، وعَلَى ابن عمه وعَلَى أخيه، ثُمَّ يقيم عليه الدعاوى ليُعطّله عن مصالحه في هذِه الدنيا، ويُوغِر صدره عليه، وربما ليتشفَّى في نفسه المريضة منه، تشفيًا بهذه الدعاوى الكيدية الَّتِي مدارها عَلَى الظُّلْم والعدوان والبغي.
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَى نهجه واقتفى أثرهم إِلَى يوم الدين، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: تقوى الله -جَلَّ وَعَلَا- هي المنجّية، هي المنجّية في الدنيا من الضلالة، وهي المنجية يوم القيامة من سرمد النَّار، وإصلاح ذات البين هي عنوان السعادة في الدنيا، ولها عظيم الأجور يوم القيامة.
لقد خشي النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمّته فِتَنًا عديدةً، ومن أشدها: فتنة الحالقة، لا تحلق الرأس، ولكنها تحلق الدين، أتدرون ما هي عباد الله؟ إِنَّمَا هي البغضاء، الَّتِي تزداد في النفوس، فتُولِّد حسدًا، وتُولِّد شنآنًا، وتؤثر فيها ظلمًا وعدوانًا وبغيًا.
ومن ذلكم -يا عباد الله- ما بدأ ينتشر في بعض مجتمعات المسلمين، وأنَّت منها المحاكم الشَّرْعِيَّة، وجهات الحقوق والضبط الأمنية، ألا وهو ما يتعلَّق بالدعاوى الكيدية؛ يكيد هذَا عَلَى قريبه وعَلَى جاره، وعَلَى ابن عمه وعَلَى أخيه، ثُمَّ يقيم عليه الدعاوى ليُعطّله عن مصالحه في هذِه الدنيا، ويُوغِر صدره عليه، وربما ليتشفَّى في نفسه المريضة منه، تشفيًا بهذه الدعاوى الكيدية الَّتِي مدارها عَلَى الظُّلْم والعدوان والبغي.
وفي صحيح مسلم وغيره عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا".
هناك ظلم يقع على الأعراض -وما أكثره في هذا الزمان!- عمَّت به المجالس، وحلَّت محلها أَيضًا أجهزة التواصل الاجتماعي المعاصرة، فصارت يقع فيها هذا الظُّلْم بأنواعه في أعراضهم، غيبةً وسبًّا وشتمًا وبهتانًا ونميمةً، وقدحًا في دين النَّاس وأعراضهم.
ومن الظُّلْم أَيضًا: ظلم الدماء، ويهيجه الظُّلْم للتَّعَدِّي عَلَى الأموال، والتَّعَدِّي عَلَى الأبدان، ومن ذلكم -يا عباد الله- هذِه الدعاوى الكيدية لتحصيل لعاعة من لعاع الدنيا، وَأَيضًا ليشفي صدره ممن يحقد عليه أو يحسده.
فالله الله في اتقاء ذلك -أَيُّهَا المؤمنون-، واجتنابه والبعد عن أسبابه، والبعد عن مُهيّجاته ومحاذيره.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ-، وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا بربوبيته، وإيمانًا بألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك مَن عانَد به أو جحد أو شكَّ أو كفَر.
ونُصلِّي ونسلِّم عَلَى سيد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله: فاتقوا حر الآخرة بما تتقون به حر الدنيا وأعظم، واتقوا زمهرير جهنم بما تتقون بها بردكم في الدنيا وأشد؛ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)[الفرقان: 65، 66].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آل مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالمين، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا وبوجهك الكريم أن تحقق لنا فردوسك الأعلى من الجَنَّة، وأن ندخلها بغير حساب ولا عذاب، وأن تحل علينا رضاك يا ربنا، فلا تسخط علينا أبدًا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك الجَنَّة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النَّار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل.
اللَّهُمَّ أظلنا في ظل عرشك، اللَّهُمَّ أظلنا في ظل عرشك يوم لا ظل إِلَّا ظلك، وأبردنا بعفوك يا عفو يا كرم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك ممن إذا نُصحوا انتصحوا، وإذا ذُكِّروا تذكروا، وإذا وُعِظُوا اتعظوا، اللَّهُمَّ اجعلنا ممن رضيت عنهم رضاءً أبدًا، نحن وأنتم ووالدين ووالديكم ومشايخنا وولاتنا وأحبتنا من المسلمين.
اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ فرِّج همَّ المهمومين، اللَّهُمَّ نفِّس كرب المكروبين، اللَّهُمَّ اقضِ الدين عن المدينين، اللَّهُمَّ اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ من أراد بنا أو بعبادك أو بالمسلمين سوءًا اللَّهُمَّ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّهِ أَكْبَرُ، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم