عناصر الخطبة
1/ مكانة العشر الأواخر وشرفها 2/ حاجة الإنسان لربه 3/ أهمية الدعاء ومجالاته 4/ آداب الدعاء وشروط إجابته 5/ المغبونون في العشر الأواخر وكيفية استغلالهااقتباس
أيها الكرام: ليال رائعة, وأيام ماتعة, وعبادات جليلة, نتقلب فيها في أشرف أيام العمر, وفي أوقات الليال الغر, تغيرت معها قلوب الكثير, فالناس ما بين صلاة وصيام, وقرآن وقيام, ودعاء، ومناجاة للملك العلام. فلله ما أشرفه من موسم! وما أروعه من دين! وما أجلها من...
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: شهر تمضي أيامه سراعًا, وليالٍ تتقلص عجلى، شاهدة بما عملتم، وحافظة لما أودعتم، هي لأعمالكم خزائن محصنة، ومستودعات محفوظة، تدعون يوم القيامة فترونها: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران: 30].
ينادي ربكم: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
أيها الكرام: ليال رائعة, وأيام ماتعة, وعبادات جليلة, نتقلب فيها في أشرف أيام العمر, وفي أوقات الليال الغر, تغيرت معها قلوب الكثير, فالناس ما بين صلاة وصيام, وقرآن وقيام, ودعاء، ومناجاة للملك العلام.
فلله ما أشرفه من موسم! وما أروعه من دين! وما أجلها من نعمة أن توفق للطاعة!
عبد الله: من الذي لا يحتاج لربه؟ من ذا الذي يستغني عن الله طرفة عين؟
كلنا لله محتاجون, وإليه قاصدون، كم لك من مطلب تود أنه أجيب؟ ومن حاجة ترغب أن تلبى؟ ومن كربة تتمنى أن تكشف؟ وهنا فأين أنت من الدعاء في هذه العشر المباركات؟
إن كل باب قد يغلق, إلا باب السماء, فتحه من لا يرد داعيًا، ولا يخيب راجيًا, فهو غياث المستغيثين، وناصر المستنصرين، ومجيب الداعين, إنه باب لا يحتاج إلى وساطات, بل هو مفتوح لكل من سأل.
كم من عبد أَضناه الهم، وأقعده المرض، وحار الطب في علاجه، وعجز البشر عن رفع بلاءه, فرفع يديه إلى الكريم, وتوجه إلى الذي يقول للشيء كن فيكون، فجاء الشفاء، وارتفع البلاء؟
إنه الدعاء-أيها الصائمون- روح العبادة، ومرضاة الرحمن، وملاذ الإنسان، ولب الدين.
ومن يستغني عن الله طرفة عين؟ من الذي يستغني عن الغني؟ ومن الذي لا يحتاج إلى من بيده قضاء الحوائج؟
المسلمون اليوم يحتاجون لدعواتكم, والله نصر المسلمين في رمضان لإلحاحهم فيه بالدعاء, فما نصيب إخواننا في مشارق الأرض من دعواتنا؟
أولادك وإخوانك والمسلمون يحتاجون منك دعوة أن يصلح دينهم, ويحمي معتقدهم, ويوفقهم لصالح القول والعمل, المأسور والمديون, المحزون والمكروب, المريض والمتوفى, يسعدهم دعوة منك, لك من عند الله مثلها, ولهم من الله بإذنه قبولها وثمرتها.
أيها الكرام: وإننا في العشر يتيسر لنا من إدراك أزمان الإجابة، وفتح طرق الوصول للسماء أكثر من غيره, جوف الليل من رمضان، والأسحار من رمضان، دبر الأذان والمكتوبات، أحوال السجود، وتلاوة القرآن، مجامع المسلمين في مجالس الخير والذكر، كلها تجتمع في أيامكم هذه, فأين المتنافسون؟
عبد الله: أذكرك أنك تسأل كريماً جواداً، فعظّم الرغبة والطلبة, وأنك تطلب قادراً فلا تستبعد الإجابة, ولا تستبطئ النوال، فيعقوب -عليه السلام- فقد ولده الأول، ثم فقد الثاني، في مدد متطاولة، ما زاده ذلك بربه إلا تعلقًا: (عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 83].
ونبي الله زكريا -عليه السلام- كبر سنه، واشتعل بالشيب رأسه، ولم يزل عظيم الرجاء في ربه، حتى قال محققًا: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً) [مريم: 4].
اذكر أنك تطلب من يحب الثناء، فقدم ذلك له بين يدي الدعاء, وألظ بياذا الجلال والإكرام، واذكر أنك تتوجه إلى من يراك فادعه بقلبك ولسانك, فلا يستجيب الله من قلب غافل لاه.
واذكر -أيها الداعي- أن تأخيره لحكمة, فربك يحب تضرعك، ويحب صبرك، ويحب رضاك بأقدراه، رضا بلا قنوط، يبتليك بالتأخير لتدفع وسواس الشيطان، وتصرف هاجس النفس الأمارة بالسوء، وقد قال نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم مالم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
عبد الله: إن المحروم من حرم في هذه الأيام الدعاء, وإن السماء على ارتفاع سقفها لا تمنع وصول الدعاء، ولو خفي موطنه، وخفت صوته, وقد قيل للإمام أحمد: "كم بيننا وبين السماء؟ فقال: دعوة صادقة".
فيا طالب الحاجات -وكلنا كذلك- يا محتاجاً لربه -وما منا إلا هو ذلك- ابدأ من باب الدعاء, واذكر قول رب الأرض والسماء: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62].
الخطبة الثانية:
أتدرون من المغبون في هذه الليال الفاضلة؟
المغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم من حرم رحمة الله، والمأسوف عليه من فاتت فرص الشهر، وفرط في فضل العشر، وخاب رجاؤه في ليلة القدر.
المغبون من لم يرفع يديه بدعوة، ولم تذرف عينه بدمعة، ولم يخشع قلبه لله لحظة, ولم ينل من الله المغفرة, ومن لم تقل منه العثرة.
المغبون من قطع شهره في البطالة, طال رُقاده حين قام الناس، هذا -والله- غاية الإفلاس والإبلاس، عصى رب العالمين، واتبع غير سبيل المؤمنين، أمر بالصلاة فضيعها، ووجبت عليه الزكاة فانتقصها ومنعها، دعته دواع الخير، فأعرض عنها.
المغبون في العشر من ضاعت عليه في تقليب للقنوات, وتعرض للمحرمات.
المغبون من قصر فيمن تحت يديه من بنين وبنات، وغفل عنهم فلم يأمرهم بالطاعات, وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءت العشر أيقظ أهله, ولم يدع صغيراً ولا كبيراً يطيق الصلاة إلا أيقظه، كما عند الطبراني.
المغبون -أيها الكرام- من مضت عليه ليال العشر وهو يبحث عن حذاء, أو كساء, الناس في المساجد يصلون, وهو بين الأسواق فذاك المغبون!
أما من توجه لربه متعبداً, أو اجتهد في العشر في الاحتساب في الأسواق, مناصحاً وموجهاً, أو توجه للمحتاجين مساعداً, فتلك أبواب قربة وخير, ومسالك تعبد وبر.
وبعد -معاشر الكرام-: فها هي العشر تتقوض خيامها, فانهل -أيها المبارك- من خيرها, وامح إساءة منك وزللاً, واهدم تقصيراً مضى وخللًا, وأقبل على ربك اليوم علّه تنالك نفحة من نفحاته, تتبدل بها حياتك, وتزول بها سيئاتك, ويكتب لك بها الرضوان والغفران والعتق من النيران, ومن لم يتوجه للمولى اليوم فمتى؟
اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم