عناصر الخطبة
1/الدجال من أعظم الفتن 2/خروج الدجال وصفاته 3/شدة افتتان الناس بدجله 4/مما يعين على النجاة من فتنة الدجالاقتباس
هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ فِتْنَةَ اَلدَّجَّالِ قَدْ تُصِيبُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ؟! لِأَنَّ اَلدَّجَلَ وَالدَّجَاجِلَة مُتَنَوِّعُونَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: "وَالدَّجَّالُ وَفِتْنَتُهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِهِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُ اَلشَّرِيعَةَ لِخَارِقٍ؛ فَقَدْ أَصَابَهُ نَوْعٌ مِنْ هَذِهِ اَلْفِتْنَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِيْ يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ اَلْمَغَارِبِ وَالْمَشَارِقِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَلْمُؤَيَّدُ بِالْمُعْجِزَاتِ اَلْخَوَارِقِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَتَسْلِيمًا مَا بَقِيَتِ اَلْخَلَائِقُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتُّقُوا اَللَّهَ رَبَّكُمْ، وَانْأَوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُضِلَّاتِ اَلْفِتَنِ، أَمَّا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْمُتَّقُونَ فَاَللَّهُ يُثَبِّتُهُمْ، فَيَثْبُتُونَ وَيُثْبِتُونَ صِدْقَ إِيمَانِهِمْ؛ فَمَا تَزِيدُهُمْ اَلْفِتَنُ وَالْمِحَنُ إِلَّا تَمْحِيصًا وَتَصْحِيْحاً، فَيَصْفُوْ إِيْمَانُهُمْ أَصْفَى وَأَثْبَتَ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ اَلْفِتْنَةِ.
وَلَكِنَّ ثَمَّتَ فِتْنَةٌ قَدْ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا مَنْ يَظُنُّ فِي نَفْسِهِ الثَّبَاتَ وَالْأَمَانَ، إِنَّهَا فِتْنَةٌ تَقَعُ فِي أَجْوَاءٍ مُدْلَهِمَّةٍ، وَيَتَزَعَّمُهَا شَابٌّ مِنْ بَنِي آدَمَ، هُوَ مَنْبَعُ اَلْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، إِنَّهُ رَجُلٌ يُسَمَّى اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ، وَلِشِدَّةِ فِتْنَتِهِ أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَعِيذَ مِنْهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ قَبْلَ اَلسَّلَامِ؛ وَلِذَا لَابُد مِنْ اَلتَّذْكِيرِ وَالتَّخْوِيفِ بِالدَّجَّالِ، فَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ اَلنَّبِيِّ-صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقْدٌ جَاءَ فِيهِ ثَلَاثُونَ حَدِيثًا.
وفي حديثٍ حسَّنه ابن كثير أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتَّى تَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ"(مسند أحمد).
فَيَا تُرَى مَا صِفَاتُ اَلْمَسِيحِ اَلدَّجَّالِ وَمَا فِتْنَتُهُ؟.
وَالْجَوَابُ أَنَّ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ أَنَّهُ شَابٌّ قَصِيرٌ أَحْمَرُ، أَفْحَجُ، جَعْدُ الرَّأْسِ، انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ جَبْهَتِهِ، عَرِيْضُ النَّحْرِ، أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، قَدْ انْخَسَفَتْ حَتَّى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، مَكْتُوْبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ أَوْ غَيْرِ كَاتِبٍ.
وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْ خُرُوجِهِ إِرْهَاصَاتٍ وَقَلَاقِلَ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاثُ سَنَوَاتٍ شِدَاد،ٍ يُصِيْبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ... فَتَحْبِسُ -السَّمَاءُ- مَطَرَهَا كُلَّهُ، فَلا تُقْطِرُ قَطْرَةً، وَيَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فَلا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلا هَلَكَتْ إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ"(رواه ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، و"لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ... والْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ"(رواه مسلم).
وأمَّا عَنْ مَكَانِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فَمِنْ جِهَةِ "خُرَاسَانَ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ"(حسنه الترمذي وصححه الألباني)، إشَارَةً إِلَى كِبَرِ وُجُوهِهِمْ وَإِدَارَتِها، ثُمَّ يَتَّجِهُ لِأَصْبَهَانَ بِإِيْرَانَ تَحْدِيْدًا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ... لاَ يدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيه... فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ... ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ -قَدْ أَصَابَتْهُمُ المَجَاعَةُ- وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ"(رواه مسلم).
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ هَذِهِ اَلْأَعَاجِيبَ قَدْ جَعَلَهَا اَللَّهُ مُصَاحِبَةً لِفِتْنَةِ اَلْمَسِيحِ اَلدَّجَّالِ؛ اخْتِبَاراً لَمِنْ ضَعُفَ إِيمَانُهُ أَوْ نَافَقَ، أَمَّا اَلثَّابِتُونَ -جَعَلَنَا اَللَّهُ مِنْهُمْ- فَلَا يَزِيدُهُمْ هَذَا إِلَّا إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا.
وَبَعْدَ هَذِهِ اَلشِّدَّةِ اَلْعَصِيبَةِ، وَفِتْنَةِ اَلدِّينِ اَلرَّهِيبَةِ، يَأْذَنُ اَللَّهُ بِالْفَرَجِ، فَيُنْزِلُ عِيسَى- عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِسْلاَمَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ البَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالحَيَّاتِ لاَ تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ.
الخطبة الثانية:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ هَادِيْنَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى دَاعِينَا، أُمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ فِتْنَةَ اَلدَّجَّالِ قَدْ تُصِيبُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ؟! لِأَنَّ اَلدَّجَلَ وَالدَّجَاجِلَة مُتَنَوِّعُونَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: "وَالدَّجَّالُ وَفِتْنَتُهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِهِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُخَالِفُ اَلشَّرِيعَةَ لِخَارِقٍ؛ فَقَدْ أَصَابَهُ نَوْعٌ مِنْ هَذِهِ اَلْفِتْنَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ".
وَمِنَ اَلْمُتَأَكِّدِ جِدًّا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ دِيْنِهُ: ضَرُورَةُ اَلِابْتِعَادِ عَنْ مَوَاضِعِ اَلشُّبُهَاتِ وَالْفِتَنِ، وَأَلَّا يَثِقَ بِنَفْسِهِ أنَّهُ عَلَى قُدْرَةٍ لِمُوَاجَهَةِ اَلشُّبُهَاتِ وَالْفِتَنِ، فَقْدْ قَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيْهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ؛ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ"(مسند أحمد).
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنَ المُخِيفِ أَنَّ هُنَاكَ فِتَناً قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ مِنْ اَلدَّجَّالِ، وَإِلَيْكُمْ ثَلاثَةَ أَمْثِلَةٍ لِفِتَنٍ تَقَعُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ المَسِيْحُ الدَّجَّالُ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وقَالَ: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنَ الدَّجَّالِ، الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ"(مسند أحمد وصححه الألباني).
وَأَشَدُّ مِنْ هَاتَيْنِ قَوْلُهُ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟"، قَالَوا: بَلَى، فَقَالَ: "الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ"(مسند أحمد وصححه الحاكم والذهبي).
فَنَسْأَلُكَ اَللَّهُمَّ بِعِزِّكَ وَذُلِّنَا، وَقُوَّتِكَ وَضَعْفِنَا، أَنْ تَقِيَنَا اَلْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَنْ تَحْفَظ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَإِيمَانَنَا، وَثَوَابِتَنَا وَأَعْرَاضَنَا وَبِلَادَنَا، اَللَّهُمَّ لَكَ اَلْحَمْدُ عَلَى اَلْأَمْنِ بالدِّيَارِ، وَعَلَى اَلْإِغْدَاقِ بِالْأَرْزَاقِ وَبالأَمْطَارِ، اَللَّهُمَّ وَفَّقْنَا لِاسْتِدْرَاكِ اَلْهَفَوَاتِ مِنْ قَبْلِ اَلْفَوَاتِ، اَللَّهُمَّ وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهِدِهِ، اَللَّهُمَّ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اَللَّهُمَّ زِدْ مُجَاهِدِينَا ومُرَابِطِينَا ثَبَاتًا عَلَى ثَبَاتِهِمْ، وَارْحَمْ أَمْوَاتَهُمْ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ ورَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم