عناصر الخطبة
1/أهمية الخوف من الله تعالى 2/وجوب الخوف من الله تبارك وتعالى 3/لماذا الحديث عن الخوف من الله؟ 4/ثمرات الخوف من الله سبحانه 5/تذكَّر قبل أن تعصي الله تعالى.اقتباس
الخوف من الله هو سمة المؤمنين، وآية المتقين، الخوف من الله طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين. والخوف من الله دليل على كمال الإيمان، وحُسْن الإسلام وصفاء القلب وطهارة النفس، إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه.
الخطبةُ الأولَى:
إن الحمد لله....
عباد الله: سنعيش وإياكم اليوم مع الخوف والخائفين من الله -تعالى-.
الخوف من الله من المقامات العليَّة، وهو من لوازم الإيمان؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 175]، (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)[البقرة: 150]، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 28].
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه، كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله الملائكة بقوله: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[النحل: 50]، ووصف الأنبياء بقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الأحزاب: 39].
الخوف من الله هو سمة المؤمنين، وآية المتقين، الخوف من الله طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين. والخوف من الله دليل على كمال الإيمان، وحُسْن الإسلام وصفاء القلب وطهارة النفس، إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه.
وقد يتساءل البعض: لماذا الحديث عن الخوف من الله؟ فأقول: لأنَّ كثيرًا من البيوت أُتْخِمَت بالمعاصي وامتلأت العقول بالشبهات والنفوس بالشهوات.
تُسمَع المعصية، وقلَّ مَن ينكرها، ويُؤكل الحرام وكأنه حلال، يُجالَس صاحب المعصية ويُوَاكَل ويُشَارَب مُرتكِب الكبيرة دون إنكار.
نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوب بعضنا منه واسودَّت، وأظلمت وقست وتحجَّرت، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، لم تَعد تهزها الموعظة أو تنفعها الذكرى إلا من رحم ربك، فالخوف من الله هو الوسيلة الأكيدة لاتِّعاظ الراقدين وتنبيه الغافلين، استخدمها الرسل أجمعون والدعاة الصادقون، ففتح الله على أيديهم قلوبًا غُلفًا وأعينًا عميًا وآذانًا صُمًّا.
الخوف من الله هو الذي منع ابن آدم أن يقتل أخاه؛ قال -تعالى-: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[المائدة: 28]، والله -جل وعلا- أمرنا بالخوف منه ومدح الخائفين في كتابه، فقال -سبحانه-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 175]، قال ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: "في هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله".
أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[المؤمنون: 60]؛ أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو يخاف الله -تعالى-؟ قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يتقبل الله منه".
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله وخشيته؟ أين القلوب التي ذلَّت لعزة الجبروت وخشعت لصاحب الملكوت؟
عباد الله: إن الله يريد لعباده أن يعرفوه ويخشوه ويخافوه، ولذلك نجد في القران الكريم كثيرًا من الآيات التي تصف لنا شدة عذاب الله، وقوة بطشه وسرعة أخذه، وأليم عقابه، وما أعدَّ من العذاب والنكال للكفار، وذكر لنا النار وأحوالها وما فيها من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال.
وهذه المواعظ لا يتعظ بها إلا الخائفون من ربهم والمشفقون من عقابه؛ قال -تعالى-: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[الأنعام: 51]، وقال: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزمر: 16].
أين الخوف من الله في قلوبنا؟ والبعض منا يأكل الحرام بلا خوف وينظر الحرام بلا خوف، بل يزني ويشرب الخمر بلا خوف، ويحلق لحيته ويسبل إزاره بلا خوف.
اللهم أيقظنا من الرقدات، وأعذنا من الغفلات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا عباد الله: الخوف من الله شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب، امتدت فروعها إلى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملاً صالحًا وقولاً حسنًا، فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد، ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين.
إن للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فالخوف من الله من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة؛ وهو يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه، وعدم طلب المقابل في الدنيا، فلا ينقص الأجر في الآخرة؛ قال -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)[الإنسان: 9، 10].
وأما في الآخرة، فالخوف من الله طريق إلى الجنة؛ كما أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
وسيد الخائفين من الله هو محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وعلى ذلك مشى كبار الصحابة في خوفهم من الله -تعالى-، وكذلك من جاء بعدهم من السلف الصالح، فهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله؛ قال عنه زائدة بن قدامة: "إذا رأيته قلت: هذا رجل أُصيب بمصيبة"، ولقد قالت له أمُّه: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ تبكي عامة الليل، لا تكاد أن تسكت، لعلك يا بني أصبت نفسًا، أو قتلت قتيلاً؟ فقال: يا أُمّه، أنا أعلم بما صنعت نفسي.
فيا من تخاف الله -تعالى-، تذكَّر قبل أن تعصي الله أن الله -سبحانه- يراك، ويعلم ما تُخفي وما تعلن؛ فإنه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].
تذكر قبل أن تعصي الله أن الملائكة تُحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك وتكتبها في صحيفتك؛ (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
تذكر قبل أن تعصي الله لحظة الموت وخروج روحك، وهي تُجذَب جذبًا شديدًا حينها تتمنى أن تتوب إلى الله وتصلي وتقرأ القرآن؛ (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)[القيامة: 26 - 30].
تذكر قبل أن تعصي الله، القبر وعذابه وظُلمته، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار.
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلانية...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم