الحياة الطيبة

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/المقصود بالحياة الطيبة 2/ فيم تكون الحياة الطيِّبة؟ 3/دار الأحزان ودار الأمان 4/الحياة لا تدوم على حال 5/الحياة الطيِّبة في الدنيا 6/اجعل الهم هما واحدا

اقتباس

إن كنتَ تُبصرُ، فغيرُك أعمى، وإن كنتَ تسمعُ، فغيرك أصمُّ، وإن كنتَ تتكلمُ، فغيرُك أبكَمُ، إن كنتَ تمشي، فغيرُك أشلُّ، غيرُك لا ينامُ إلا بمُنَوِّمٍ، ولا يتنفَّسُ إلا بأجهزةٍ، ولا يأكلُ إلا بمُغَذِّي، كم من مريضٍ قد عَجَزَ الأطباءُ عنه، وكم من طريحٍ على السريرِ قد يَئِسَ أهله منه، إن كان عندَك ولدٌ فغيرُك محرومٌ، وإن كنتَ سعيداً فغيرُك مهمومٌ، وإن كنتَ مُرتاحاً فغيرُك مغمومٌ، هي الحياةُ على حالٍ واحدٍ لا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَه، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 -71].

 

أما بعد:

 

فتأملوا قولَه تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

وقِفوا عندَ قولِه: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ولم يقلْ حياةً سعيدةً، وذلك لأن مَن آمنَ باللهِ –تعالى وعمِلَ صالحاً فإنه في حياةٍ طيِّبةٍ ولو كانَ حزيناً، ولو كانَ فقيراً، ولو كانَ مريضاً؛ يقولُ ابنُ القيِّمِ -رحمه الله تعالى-: "وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ -سبحانه- لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا أَنْ يُحْيِيَهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، فَهُوَ صَادِقُ الْوَعْدِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، وَأَيُّ حَيَاةٍ أَطْيَبُ مِنْ حَيَاةِ مَنِ اجْتَمَعَتْ هُمُومُهُ كُلُّهَا وَصَارَتْ هَمًّا وَاحِدًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ؟ وَلَمْ يَتَشَعَّبْ قَلْبُهُ، بَلْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ، وَاجْتَمَعَتْ إِرَادَتُهُ وَأَفْكَارُهُ الَّتِي كَانَتْ مُتَقَسِّمَةً بِكُلِّ وَادٍ مِنْهَا شُعْبَةٌ عَلَى اللَّهِ، فَصَارَ ذِكْرُهُ بِمَحْبُوبِهِ الْأَعْلَى وَحُبُّهُ وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَالْأُنْسُ بِقُرْبِهِ هُوَ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَدُورُ هُمُومُهُ وَإِرَادَتُهُ وَقُصُودُهُ بِكُلِّ خَطَرَاتِ قَلْبِهِ، فَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِاللَّهِ، وَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ فَبِهِ يَسْمَعُ، وَإِنْ أَبْصَرَ فَبِهِ يُبْصِرُ، وَبِهِ يَبْطِشُ، وَبِهِ يَمْشِي، وَبِهِ يَسْكُنُ، وَبِهِ يَحْيَا، وَبِهِ يَمُوتُ، وَبِهِ يُبْعَثُ".

 

إذاً فالحياةُ الطيِّبةُ هي: الحياةُ مع اللهِ -تعالى-، حُبًّا وتعظيماً، حتى يكونَ حالُه كما قالَ الشاعرُ:

 

وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ *** فَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي

وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا *** وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي

 

يا عبدَ اللهِ: إذا رأيتَ ملايينَ البشرِ، يسجدونَ للحَجَرِ والبَقَرِ، ورأيتَ الملايينَ يعبدونَ آلهةً ثلاثةً، ورأيتَ مَن لا دِينَ له، ثُم رجعتَ إلى نفسِك، فإذا أنت تسجدُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الإنفطار: 7] (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الفرقان: 59] الذي: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) [طـه: 6].

 

قريبٌ مُجيبٌ، لا يحولُ بينَك وبينَه أحدٌ؛ كما قالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: "مَنْ مَثَلُكَ يَا ابْنَ آدَمَ؟ خُلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمِحْرَابِ تَدْخُلُ مِنْهُ إِذَا شِئْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَلَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلا تَرْجُمَانٌ".

 

يرى مكانك، ويسمعُ كلامَك، إذا دعوتَه أجابَك، وإذا سألتَه أعطاكَ: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء: 78 – 82].

 

عندَها ستشعرُ أنك في حياةٍ طيِّبةٍ.

 

إن كنتَ تتلو القرآنَ، فأنت في نعيمٍ؛ لأنك تقرأُ كلامَ اللهِ -تعالى-، فهل أحسستَ يوماً بتلكَ القُشَعْرِيرَةِ التي تسري في جسمِك لا تعلمُ من أين أتتْ؟: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) ثم تلينُ الأعضاءُ فتمتلئ سعادةً يعجزُ اللِّسانُ عن وصفِها: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23].

 

واللهِ لقد حُرمُ كثيرٌ من الخلائقِ تلك الطُّمأنينةَ الذي يُحسُّ بها: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

هل تفَكَّرَتَ يوماً في هذا الأمنِ الذي تعيشُه، عِرْضُك مَصُونٌ، وأطفالُك حوْلُك يلعبونَ، بالُك مُرتاحٌ، وبابُك دونَ مفتاحٍ، بل إن الأمنَ والسلامَ أولُ نعيمٍ يُبَشَرُ به أهلُ الجنةِ: (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ) [الحجر: 46].

 

ونهايةُ الخوفِ هي أولُ بُشرى للمؤمنِ عندَ فِراقِ الدُنيا ولقاءِ ملائكةِ اللهِ عندما يُبشِّرونَهم: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].

 

وغيرُك ملايينَ الناسِ يعيشونَ الخوفَ بجميعِ أنواعِه، خوفٌ على النفسِ والعِرْضِ والولدِ والمالِ، خوفٌ من الحاضرِ والمستقبلِ، يرى الخوفَ في عينِ زوجتِه وولدِه، فيزدادُ خوفاً على خوفِه، فبأيِّ نومٍ يهنأُ ذلكَ؟ وأيُّ طعامٍ يستسيغُ؟ وصدقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا".

 

إذا وجدت مأوىً يؤويك، فنمتَ به قريرَ العينِ، فغيرُك ليسَ له بيتٌ إلا العَراءِ، قد افترشَ الأرضَ والْتَحَفَ السماء، واسمع معي إلى هذه القصةِ: في غرفةٍ رثَّةٍ فوقَ سطحِ أحدِ المنازلِ، عاشت أرملةٌ فقيرةٌ مع طفلِها الصَّغيرِ حياةً بسيطةً في ظروفٍ صعبةٍ، وكانَ فصلُ الشِّتاءِ يشكِّلُ هاجسًا لهم، حيثُ سقوطُ الأمطارِ، فالغرفةُ عبارةٌ عن أربعةِ جدران، وبها بابٌ خشبيٌّ، غيرَ أنَّه ليسَ لها سقفٌ، وذاتَ يومٍ تجمَّعتْ الغيومُ، وامتلأتْ سماءُ الدُّنيا بالسُّحبِ الداكنةِ، ومع ساعاتِ اللَّيلِ الأُولى، هَطَلَ المطرُ بغزارةٍ على المدينة ِكلِّها، فيا له من موقفٍ عصيبٍ، نظرَ الطفلُ إلى أمِّه نظرةً حائرةً، وارتمى في أحضانِها وهي مبلَّلةُ الثِّيابِ، أسرعت الأمُّ إلى بابِ الغرفةِ المتأرجحِ، فخلعتْه من حديدتِيه الجانبيتينِ، ووضعتْه مائلاً على أحدِ الجدران، وخبَّأت طفلَها خلفَ البابِ، لتحميَه من سيلِ المطرِ المنهمرِ، فنظرَ الطفلُ إلى أمِّه ضاحكًا مستبشرًا، وقال ببراءةِ الأطفالِ لأمِّه: يا أمِّي، ماذا يفعلُ الفقراءُ الذين ليسَ عندهم بابٌ حينَ يسقطُ عليهم المطرُ؟

 

كانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِي".

 

إذا نِمتَ سليمَ الصدرِ، هادئَ البالِ، ترى الحياةَ بألوانِها، فغيرُك يراها سوداءَ، يتقلَّبُ على سريرِه، تلدغُ قلبَه ثعابينُ الحسدِ والأنانيَّةِ، وعقاربُ الحِقْدِ والكراهيَّةِ، لا يُحبُ الخيرَ لأحدٍ، ولا يرضى بقضاءِ الواحدِ الأحَدِ، ونسيَ قولَه تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) [الإسراء: 30].

 

اسمع إلى قولِ شَيبانَ الرَّاعي لسفيانَ الثوري: "يا سفيانُ عُدَّ مَنْعَ اللهِ عطاءً، فإنه لم يمنعْك بُخلاً ولكن مَنَعك لُطفًا".

 

حتى قالَ أحدُهم ممن استشعرَ هذا المعنى: "إني أدعو اللهَ في حاجةٍ، فإذا أعطاني إياها، فرحتُ مرةً، وإذا لم يعطيني إياها، فرحتُ عشرَ مراتٍ؛ لأن الأولى اختياري، والثانيةُ اختيارُ اللهِ علّامِ الغيوبِ".

 

يقولُ ابنُ رجبٍ -رحمه الله-: "إذا أردتَ أن تعرفَ نِعَمَ اللهِ عليك، فأغمِضْ عينَيْكَ".

 

كلامٌ من ذهبٍ ستعرفُ معناه: إذا اصطدمتَ بجدارٍ، أو وقعتَ في حُفرةٍ، أو إذا سمعتَ الناسَ يتكلمونَ في عجائبِ الكَوْنِ، وجمالِ الطبيعةِ، وأنت لا ترى إلا السَوَادَ، والآنَ افتحْ عينَيْكَ، واستمتعْ بالحياةِ الطيِّبةٍ.

 

إن كنتَ تُبصرُ، فغيرُك أعمى، وإن كنتَ تسمعُ، فغيرك أصمُّ، وإن كنتَ تتكلمُ، فغيرُك أبكَمُ، إن كنتَ تمشي، فغيرُك أشلُّ، غيرُك لا ينامُ إلا بمُنَوِّمٍ، ولا يتنفَّسُ إلا بأجهزةٍ، ولا يأكلُ إلا بمُغَذِّي، كم من مريضٍ قد عَجَزَ الأطباءُ عنه، وكم من طريحٍ على السريرِ قد يَئِسَ أهله منه، إن كان عندَك ولدٌ فغيرُك محرومٌ، وإن كنتَ سعيداً فغيرُك مهمومٌ، وإن كنتَ مُرتاحاً فغيرُك مغمومٌ، هي الحياةُ على حالٍ واحدٍ لا تدومُ.

 

ووصفةُ الحياةِ الطيِّبةِ في أمورِ الدنيا، قد اختصرها النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقولِه: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".

 

 

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ وخطيئةٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قدَّرَ فهدى، والذي خلقَ الزوجينِ الذكرَ والأنثى، أحمدُه سبحانه على نِعَمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العليُ الأعلى، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه، صاحبَ المنهجِ الأسمى والخُلُقِ الأوفى، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه أولي الأحلامِ والنُهى.

 

أما بعد:

 

الحياةُ الطيِّبةُ في هذه الدنيا جنةٌ يعيشُ فيها أهلُ الإيمانِ والعملِ الصالحِ، قبلَ أن ينتقلوا إلى جنةِ الآخرةِ، كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: "إن في الدنيا جنةً، من لم يدخلْها لم يدخلْ جنةَ الآخرةِ".

 

فمن أرادَ هذه الجنةَ، جَعَلَ الهمَّ همّاً واحداً، واسمعَ معي لتجربةِ من بلغَ من الدنيا أعلاها، ومن الأماني أقصاها، ولعلَ أمنيتَه الأخيرةَ تختصرُ عليك الطريقَ؛ يقولُ رجاءُ بنُ حيْوَةَ: "أرسلني عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لما كانَ والياً على المدينةِ لأشتري له ثوباً، فاشتريتُ له ثوباً بخمسِ مئةِ درهمٍ، فلما نظرَ فيه، قالَ: هو جيدٌ لولا أنه رخيصُ الثمنِ، فلما صارَ خليفةً للمسلمينَ، بعثني لأشتري له ثوباً فاشتريتُ له ثوباً بخمسةِ دراهمَ فلما نظرَ فيه قالَ: هو جيدٌ لولا أنه غالي الثمنِ، قالَ رجاءُ: فلما سمعتُ كلامَه بكيتُ، فقالَ عمرُ: ما يبكيك يا رجاءُ؟ قلتُ: تذكرتُ ثوبَك قبلَ سنواتٍ، فقالَ له: يا رجاءُ إن لي نفساً تواقةً، وما حققتُ شيئا ًإلا تاقتْ لما هو أعلى منه، تاقتْ نفسي للزواجِ من ابنةِ عمي فاطمةَ بنتِ عبدِ الملكِ فتزوجتُها، ثم تاقتْ نفسي إلى الإمارةِ فتوليتُها، وتاقت نفسي للخلافةِ فنلتُها، والآن يا رجاءُ تاقت نفسي للجنةِ فأرجو أن أكونَ من أهلِها".

 

قالَ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ جَعَلَ الْهَمَّ هَمًّا وَاحِدًا، هَمَّ آخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ".

 

يقولُ ابنُ القيِّمُ -رحمه الله- في هذا المعنى: "إذا أصبحَ العبدُ وأمسى وليسَ همُّه إلا اللهَ وحدَه، تَحمّلَ اللهُ -سبحانه- حوائجَه كلَها، وحملَ عنه كلَ ما أهمَّه، وفرَّغَ قلبَه لمحبِته، ولسانِه لذكرِه، وجوارحِه لطاعتِه".

 

عندَ ذلكَ ستعرفُ -يا عبدَ اللهِ-، ما هيَ الحياةُ الطيِّبةُ التي نتكلمُ عنها؟

 

اللهم إنا نسألُك عيشَ السعداءِ، وموتَ الشهداءِ، والحشرَ مع الأتقياءِ، ومرافقةَ الأنبياءِ، ونعوذُ بك ربي من جَهْدِ البلاءِ، ودَركِ الشقاءِ، وسوءِ القضاءِ، وشماتةِ الأعداءِ.

 

اللهم اغفر لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمانِ.

 

اللهم اشفِ مرضانا، وارحمْ موتانا، واهدِ ضالَنا، واسترْ عيوبَنا، واقضِ ديونَنا، وفَرِّجْ كروبَنا؛ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم إنه قد نزلَ بإخوانِنا المسلمينَ في الأرضِ ما لا يعلمُه إلا أنت من اللأواءِ والشدةِ والضنكِ.

 

اللهم إنا فزعنا إليك، اللهم إنا توكلنا عليك، اللهم إنا التجأنا إليك، اللهم فاكشفْ ما نزلَ بإخوانِنا من ضُرٍّ يا ربَ العالمينَ، اللهم اكشفْ ما نزلَ بهم من ضُرٍّ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

 

 

المرفقات

الطيبة2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات