عناصر الخطبة
1/ حرمة الحلف بغير الله وبعض الأدلة على ذلك 2/ بعض أحكام الحلف بغير الله 3/ بعض صور الحلف بغير اللهاقتباس
عباد الله: إن الحلف بغير الله -تعالى- لمن الذنوب العظيمة، والسيئات الخطيرة، والآثام البشعة الشنيعة، والأوزار الثقيلة، وقد تعددت الأحاديث النبوية في النهي عنه، وتنوعت في بيان تحريمه وقبحه، ودونكم -سلمكم الله- بعض طرق تحريمه عليكم وتكريهه لكم، وإن كان...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بين لعباده الحلال من الحرام، والمعروف من المنكر، وأوضح لهم سبيل النجاة والفلاح من سبل الضلال والهلكة، وشرَّف من تمسك بدينه وشريعته، فأتمر بأمره، واجتنب ما نهاه عنه.
والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، الذي بلغ الرسالة، وأزال الجهالة، وبين الهدى من الضلالة، فلا يزيغ عما جاء به إلا هالك خاسر، وعلى آله وأصحابه وأتباعه المستمسكين بسنته في حياتهم الدنيا.
أما بعد:
عباد الله: فإن الحلف بغير الله -تعالى- لمن الذنوب العظيمة، والسيئات الخطيرة، والآثام البشعة الشنيعة، والأوزار الثقيلة، وقد تعددت الأحاديث النبوية في النهي عنه، وتنوعت في بيان تحريمه وقبحه، ودونكم -سلمكم الله- بعض طرق تحريمه عليكم وتكريهه لكم، وإن كان أحدها يكفيكم، فأقول مستعيناً بالله -سبحانه وتعالى-:
الطريق الأول: نهي الله -جل وعلا- عن الحلف بغيره، وأمره من كان حالفاً أن يحلف به وحده سبحانه، فقد صح عن ابن عمر -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ، يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ".
الطريق الثاني: نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بغير الله، وأمره بالحلف بالله وحده، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ".
الطريق الثالث: تبيين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الحلف بغير الله شرك، حتى ولو كان حلفاً بمعظم عند الله وعند رسله والمؤمنين كالكعبة المشرفة، فقد صح أن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "سَمِعَ رَجُلاً يَحْلِفُ: لاَ، وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ".
الطريق الرابع: تبرؤ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحالف بغير الله، كالحالف بالأمانة، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا".
الطريق الخامس: تعظيم شأن الحلف بغير الله حتى إن من وقع فيه يقول كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، فكفارة الشرك التوحيد، فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
الطريق السادس: عقوبة ولي الأمر وحاكم الناس لمن نطق به، وهو عالم عامد ذاكر، فقد صح عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ لَمَّا كَانَ بِالْمِخْمَصِ مِنْ عُسْفَانَ اسْتَبَقَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَانْتَهَزْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَقُلْتُ: سَبَقْتُهُ وَالْكَعْبَةِ"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "أَرَأَيْتَ حَلِفَكَ بِالْكَعْبَةِ، وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ فَكَّرْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُكَ، احْلِفْ بِاللَّهِ، فَأْثَمْ أَوِ ابْرَرْ".
الطريق السابع: بيان الصحابة -رضي الله عنهم- أن حلفهم بالله كذباً أهون وأخف في أنفسهم من حلفهم بغيره صدقاً، فقد صح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "لأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ وَأنَا صَادِقٌ"، وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب.
عباد الله: إن الحلف بغير الله -تعالى- مذموم ومنهي عنه عند الأئمة الماضين، والسلف الصالح السابقين، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أهل العلم والفقه -رحمهم الله تعالى-، فقد قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي المالكي -رحمه الله-: "أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز الحلف بها لأحد".
ومن حلف بغير الله فإن يمينه لا تنعقد باتفاق العلماء، فقد قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي -رحمه الله-: "وقد اتفق العلماء على أنه لا ينعقد اليمين بغير الله، ولو حلف بالكعبة أو الملائكة أو بالأنبياء عليهم -الصلاة والسلام- لم تنعقد يمينه".
بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاللهم اغفر لنا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليعرفوا كيف تكون عبادته، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الهاشمي القرشي الطيب المُطيَّب، وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات.
عباد الله: اتقوا الله ربكم، والزموا تقواه إلى أن تموتوا، فقد قال سبحانه أمراً لكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
واعلموا أن من تقواه أن لا تحلفوا إلا به وحده سبحانه، وأن تتوبوا إليه وتستغفروه إن وقع منكم الحلف بغيره، وأن تتفقهوا في دينه فتعرفوا حكم الحلف بغير الله، وأدلته، وصوره، ألا صور الحلف بغير الله -عز وجل- كثيرة جداً، وقد تختلف من بلد إلى بلد، وتكثر عند قوم دون قوم، ودونكم -سلمكم الله- بعض الصور المشهورة بين الناس في زمننا هذا، لعلها تعينكم على عدم الوقوع فيها، ونصح من صدرت عنه.
فأقول مستعيناً بالله -عز وجل-:
الصورة الأولى: الحلف بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كأن يقول الحالف: والنبي أني قلت كذا، أو والمصطفى إن كلامي لصحيح، أو ورسول الله أني على حق.
الصورة الثانية: الحلف بالشرف، كأن يقول الحالف: وشرفي لقد صدقت أو أقسم بشرفي على حفظ ما أوكل إلي من عمل.
الصورة الثالثة: الحلف بالمكانة والمنزلة، كأن يقول الحالف: وِحْيَاتَك أو وِحْيَات سِيِدْنا النبي أو وِحْيَات أبويَ أو وِحْيَات أبويَ وأمي أو وغَلَاتك أو غلاوتك عندي أو وِحْيَات العيش والملح الذي بيننا.
الصورة الرابعة: الحلف بالأمانة أو الذمة، حيث يقول بعضهم لمن يخبره بحصول شيء: أمانة إنه حصل أو بذمتك إنه وقع كما قلت، فيقول مجيباً عليه: أمانة أنه قد وقع أو بذمتي أنه قد صار كما أخبرتك.
الصورة الخامسة: الحلف بالأولياء والصالحين، كأن يقول الحالف: والحسين لقد صدقت أو والزهراء أو والعيدروس أو وسِيدْنا البدوي لقد قمت بالعمل كما أمرتني.
الصورة السادسة: الحلف بالآباء والأمهات والأهل، كأن يقول الحالف: وأبي وأمي، أو بأبي لقد صدقت، أو بأهلي جميعاً أني بريء مما نسب إلي.
الصورة السابعة: الحلف بالكعبة، كأن يقول الحالف: والكعبة المشرفة إني لعاجز عن سداد هذا الدين.
هذا وأسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لمعرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، وأن يهدينا الصراط المستقيم.
اللهم أكرمنا بدعائك في الليل والنهار، ومُنَّ علينا بالإجابة.
اللهم تجاوز عن تقصيرنا وسيئاتنا، واغفر لنا ولوالدينا وسائر أهلينا، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأقواتنا وأوقاتنا.
اللهم اكشف عن المسلمين ما نزل بهم من ضر وبلاء، وفقر وتشرد، وضعف وتقصير، وقتل واقتتال، ووسع عليهم في الأمن والرزق والعافية، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
وقوموا إلى صلاتكم -سددكم الله-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم