الحلاوة واللذة

الشيخ سعد بن عبد الله السبر

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ تغير الأحوال في زماننا 2/السبيل إلى حلاوة الإيمان 3/أقوال السلف عن حلاوة الإيمان 4/أثر المعاصي وأكل الحرام على الإيمان 5/أهمية العمل الصالح 6/الأسحار فرصة المحبين 7/ السلف ولذة المناجاة بالأسحار.

اقتباس

إذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ووجد طعمه وحلاوته؛ ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه, فاستحلى اللسان ذكر الله وما والاه, وسرعت الجوارح إلى طاعة الله, فحينئذ يدخل حب الإيمان في القلب كما يدخل حب الماء البارد الشديد برده في اليوم الشديد حره للظمآن الشديد عطشه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية, المتعزز بعظمة الربوبية, القائم على نفوس العالم بآجالها, والعالم بتقلبها وأحوالها, المانِ عليهم بتواتر آلائه, المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه, الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير, وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير, فمضت فيهم بقدرته مشيئته, ونفذت فيهم بعزته إرادته, فألهمهم حسن الإطلاق, وركب فيهم تشعب الأخلاق, فهم على طبقات أقدارهم يمشون, وعلى تشعب أخلاقهم يدورون, وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا, ومنشئ الأرضين والثرى, لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وأشهد أن محمدا عبده المجتبى, ورسوله المرتضى, بعثه بالنور المضي, والأمر المرضي, على حين فترة من الرسل, ودروس من السبل, فدمغ به الطغيان, وأكمل به الإيمان, وأظهره على كل الأديان, وقمع به أهل الأوثان, فصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دار في السماء فلك, وما سبح في الملكوت ملك, وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فهي غذاؤكم وزادكم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون: إن الزمان قد تبين للعاقل تغيره, ولاح للبيب تبدله, حيث يبس ضرعه بعد الغزارة, وذبل فرعه بعد النضارة, ونحل عوده بعد الرطوبة, وبشع مذاقه بعد العذوبة, فنبع فيه أقوام يدعون التمكن من العقل باستعمال ضد مَا يوجب العقل من شهوات صدورهم, وترك مَا يوجبه نفس العقل بهجسات نفوسهم، فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.

أيها الموحدون: إن الإيمان جذوةٌ في القلب تزيد فيزداد نور القلب، وتنقص فينقص نوره وتذهب حلاوته (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال: 2]، و عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا"، وقال عمر: "لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق ,ويدع الكذب في المزاح وهو يرى أنه لو شاء لغلب"، وقال ابن رجب: "إذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ووجد طعمه وحلاوته؛ ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه, فاستحلى اللسان ذكر الله وما والاه, وسارعت الجوارح إلى طاعة الله, فحينئذ يدخل حب الإيمان في القلب كما يدخل حب الماء البارد الشديد برده في اليوم الشديد حره للظمآن الشديد عطشه, ويصير الخروج من الإيمان أكره إلى القلوب من الإلقاء في النار وأمر عليها من الصبر".

 

وقال أبو حاتم -رضي الله عنه-: "الحياء من الإيمان والمؤمن في الجنة, والبذاء من الجفاء والجافي في النار, إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه". وقال -رحمه الله-: "التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان". وقال عمار بن ياسر: "ثلاث من جمعهن جمع الإيمان؛ الإنفاق من الإقتار, والإنصاف من نفسك, وبذل السلام للعالم"، وقال أبو عبد الله بن خفيف: "الإيمان تصديق القلوب بما علمه الحق من الغيوب".

 

يا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان، يا معرضا عن الأرباح معترضا للخسران، متى تنتبه من رقادك أيها الوسنان، متى تفيق لنفسك؟ أما حق أما آن؟!، كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول لغلمانه: "إن أردتم النكاح نكحتم، أي تزوّجتم، فإن العبد إذا زنى، خرج الإيمان من قلبه فلا يبقى للعبد إيمان".

 

قال بعض الحكماء: "من ادعى ثلاثا بغير ثلاث، فاعلم أن الشيطان يسخر منه, أولها: من ادعى حلاوة ذكر الله مع حب الدنيا، والثاني: من ادعى رضا خالقه من غير سخط نفسه، والثالث: من ادعى الإخلاص مع حب ثناء المخلوقين".

 
أيها المسلمون: إن المعاصي وأكل الحرام طاردان للإيمان ومضعفان له جالبان للشيطان, وراكبان بصاحبها سفينة الأماني, هاويان به في سجِّين, سالبان منه حلاوة التوحيد والإيمان. قال بعض أحبار بني إسرائيل: "يا ربّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟", فقيل له: "كم أعاقبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟". وقال بشر: "لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس",و قال ابن الجوزي: "طول الاستماع إلى الباطل يطفئ حلاوة الطاعة من القلب". الحرام من القوت نار تذيب شحمة الفكر، وتذهب لذة حلاوة الذكر، وتحرّق ثياب إخلاص النيّات، ومن الحرام يتولد عمى البصيرة وظلام السريرة.

عبدالله : نصيحة من الناصح الشفيق والطيب الرفيق, إلى من سُلب حلاوة الذكر والتلذذ بالقرآن: بلغني أنك اشتريت قَيِنَةً بعت بها حظكَ من الآخرة, فإن كنت بعت الجزيل بالقليل والقرآن بالقيان, فإني محذرك هاذم اللذات, ومنغص الشهوات, فكأنه قد جاءك على غرة, فأبكم منك اللسان وهدمتك الأركان, وقرب منك الأكفان, واحتوشك من بين الأهل والجيران.

 

يا من عمي عن طريق القوم: عليك بإصلاح نور البصر. القلب المظلم يمشي في شوك الشك وما عنه خبر. وقت التائب كله عمل: نهاره صوم، وليله سهر، ووقت البطال كله غفلة، وبصيرته عميت عن النظر. من ذاق حلاوة الزهد، استحلى التهجد والسهر، إن تدرك المتجهدين في أول الليل، ففي أعقاب السحر. تيقّظ من نوم الغفلة، فهذا فجر المشيب انفجر، وأذلة التخلف إذا تخلف عن الباب وما حضر!.

لله درّ أقوام لاطفهم بأنسه، فتقرّبوا إليه بقلب سليم، أذاقهم حلاوة مناجاته، فكل منهم بحبه يهيم، أسكن قلوبه حبه، فليلهم بالأشواق ليل سليم، طهرها من الهوى، فحب الدنيا عنها راحل، وحب الآخرة مقيم على كل حال لا يعرفون سواه، فأهلا به من تنعّم، وأهلا به من نعيم, ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد طول السرى ما نالوا حلاوة الراحة إلا بعد مرارة التعب.

أيها المسلمون: إن الفضول من بعض الأشياء مضرٌ مذهبٌ لبريق الإيمان وحلاوته. قال بعض الحكماء: "ترك فضول الكلام يثمر النطق بالحكمة، وترك فضول النظر يثمر الخشوع والخشية، وترك فضول الطعام يثمر حلاوة العبادة، وترك الضحك يثمر حلاوة الهيبة، وترك الرغبة في الحرام يثمر المحبة، وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر صلاح العيوب، وترك التوهم في الله ينفي الشك والشرك والنفاق.

قال بعض الشيوخ: "إنه ليكون لي إلى الله حاجة فادعوه؛ فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي, أو أن ينصرف عني ذلك؛ لأن النفس لا تريد إلا حظها وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا". وقال أيضا: "وجد طعم الإيمان" فوجود المؤمن حلاوة الإيمان في قلبه.

 
من لم يشاركهم في هواهم ويذوق حلاوة نجواهم لم يدر ما الذي أبكاهم, من لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الذي آلم قلب يعقوب.

كان أبو سليمان يقول: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم, ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا", وسط الليل للمحبين للخلوة بمناجاة حبيبهم والسحر للمذنبين للاستغفار من ذنوبهم, فوسط الليل خاص لخلوة الخواص والسحر عام لرفع قصص الجميع, وبروز التواقيع لأهلها بقضاء الحوائج, فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم, فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم واعتذارهم, صحائف التائبين خدودهم ومدادهم دموعهم, قال بعضهم: "إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم رسائل الأسحار, تحمل ولا يدري بها الفلك, وأجوبتها ترد إلى الأسرار ولا يعلم بها الملك".

لا تزال القصص تستعرض ويوقع بقضاء حوائج أهلها إلى أن يطلع الفجر, ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: "هل من تائب فأتوب عليه؟, هل من مستغفر فأغفر له؟, هل من داع فأجيب دعوته؟", إلى أن ينفجر الفجر فلذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله".

كان داود الطائي يقول في الليل: "همك عطل علي الهموم وحالف بيني وبين السهاد, وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات, وحال بيني وبين الشهوات", وكان عتبة الغلام يقول في مناجاته بالليل: "إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب".

 

 

المرفقات

واللذة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات