الحسيب -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2021-02-05 - 1442/06/23 2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/الله حسيب عباده المؤمنين 2/في ظلال اسم الله الحسيب 3/ثمرات الإيمان باسم الله الحسيب.

اقتباس

وَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْمُحَاسِبُ لِكُلِّ الْخَلَائِقِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ يُرَدُّونَ إِلَيْهِ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "عَجِبْتُ لِمَنْ خَافَ وَلَمْ يَفْزَعْ إِلَى قَوْلِهِ: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ بِعَقِبِهَا: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 174]، وَعَجِبْتُ لِمَنِ اغْتَمَّ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87]؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ بِعَقِبِهَا: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 88]، وَعَجِبْتُ لِمَنْ مُكِرَ بِهِ كَيْفَ لَا يَفْزَعُ إِلَى قَوْلِهِ: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[غَافِرٍ: 44]؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)[غَافِرٍ: 45]".

 

إِذَا بَارَتْ عَلَيْكَ الْحِيَلُ، وَضَاقَتِ السُّبُلُ، وَانْتَهَتِ الْآمَالُ، وَتَقَطَّعَتِ الْحِبَالُ؛ فَقُلْ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْكَ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيْكَ نَفْسُكَ بِمَا حَمَلَتْ؛ فَاهْتِفْ بِـ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" حِينَهَا يَأْتِي مَدَدُهُ، وَيَصِلُ عَوْنُهُ، وَيُسْرِعُ فَرَجُهُ؛ (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 174].

 

وَاللَّهُ عَرَّفَ نَفْسَهُ لِلْعِبَادِ بِأَنَّهُ حَسِيبُهُمْ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[النِّسَاءِ: 6]، وَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)[النِّسَاءِ: 86]، فَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ: الْحَسِيبُ. فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْكَافِي لِجَمِيعِ خَلْقِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُونَهُ؛ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ.

 

وَكِفَايَتُهُ: كِفَايَةٌ عَامَّةٌ لِلْخَلَائِقِ كُلِّهَا بِإِيجَادِهَا، وَرِزْقِهَا، وَإِمْدَادِهَا بِكُلِّ مَا خُلِقَتْ لَهُ؛ (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50].

 

وَكِفَايَةٌ خَاصَّةٌ لِعَبَادِهِ الْمُوَحِّدِينَ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ، وَالدَّفْعِ عَنْهُمْ فِي كُلِّ مَا يَكْرَهُونَ؛ (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ)[الْأَنْفَالِ: 62].

 

وَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْمُحَاسِبُ لِكُلِّ الْخَلَائِقِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ يُرَدُّونَ إِلَيْهِ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ؛ (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 47]، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8].

 

رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- مَنْ لَاذَ بِهِ وَاكْتَفَى بِهِ حَسِيبًا؛ كَفَاهُ، وَحَفِظَهُ، وَرَعَاهُ، وَنَصَرَهُ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ).

 

إِنْ كُنْتَ أَزْمَعَتَ قِلًـى دَائِمًا *** وَالنَّأْيَ وَالْهَجْرَ فَصَبْرٌ جَمِيلُ

وَإِنْ عَزَمْتَ الشَّرَّ فِي حَقِّنَا *** فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

 

فَمَنْ خُوِّفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَقَالَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ" نَجَّاهُ وَنَصَرَهُ، أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي النَّارِ؛ فَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ! فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا.

 

رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لَـمَّا هُدِّدُوا بِجُيُوشِ الْكُفَّارِ وَكَتَائِبِ الْوَثَنِيَّةِ، قَالُوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 173-174]، قَالُوا: "حَسْبُنَا اللَّهُ"؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَكْفِيهِمْ، فَهُوَ الْقَوِيُّ، وَهُوَ الرَّزَّاقُ، وَهُوَ الْغَنِيُّ، وَهُوَ الْعَلِيمُ، وَهُوَ الْكَرِيمُ، وَهُوَ السَّمِيعُ، وَهُوَ الْمُجِيبُ، وَهُوَ الرَّؤُوفُ، وَهُوَ الرَّحِيمُ، وَهُوَ الْمُعْطِي، وَهُوَ الْمَانِعُ، وَهُوَ الرَّافِعُ، وَهُوَ الْخَافِضُ. قَالُوهَا فَكَفَاهُمْ وَطَمْأَنَهُمْ وَشَرَّفَهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَأَعَزَّهُمْ وَفَرَّجَ عَنْهُمْ.

 

إِذَا وَقَعَتِ الْمُصِيبَةُ، وَحَلَّتِ النَّكْبَةُ، وَجَثَمَتِ الْكَارِثَةُ؛ فَقُلْ: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

فَاللَّهُ الْحَسِيبُ هُوَ الَّذِي تُمَدُّ إِلَيْهِ الْأَكُفُّ فِي الْأَسْحَارِ، وَالْأَيَادِي فِي الْحَاجَاتِ، وَالْأَعْيُنُ فِي الْمُلِمَّاتِ، وَالْأَسْئِلَةُ فِي الْحَوَادِثِ.

 

صِحَّتُكَ بِيَدِهِ، زَوْجَتُكَ بِيَدِهِ، الْأَقْوِيَاءُ بِيَدِهِ، وَالضُّعَفَاءُ بِيَدِهِ، وَمَنْ تَحْتَكَ بِيَدِهِ، طَعَامُكَ بِيَدِهِ، وَرِزْقُكَ بِيَدِهِ، الْمُلُوكُ بِيَدِهِ، الظَّالِمُ بِيَدِهِ، عَدُوُّكَ بِيَدِهِ.

 

مَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُنَادِيَهُ وَتَهْتِفَ: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

شِعَـارُكَ وَدِثَارُكَ: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" هِيَ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ، وَبَابٌ إِلَى السَّعَادَةِ: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 174]، وَاللَّهُ قَدْ طَمْأَنَكَ وَوَعَدَكَ؛ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا؟ أَلَمْ تَسْمَعْ بِمَا طَمْأَنَ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَقْوَى مِنَ الْأَعْدَاءِ؛ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْفَالِ: 64].

 

وَاللَّهُ وَعَدَ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ وَاتَّقَاهُ -بِحُبِّهِ وَطَاعَتِهِ- أَنَّهُ: إِذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مِنْهُ أَعْطَاهُ، وَإِذَا اكْتَفَى بِهِ كَفَاهُ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 2-3].

 

فَإِذَا خِفْتَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شَعَرْتَ بِبَوَادِرِهِ؛ فَقُلْ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" ثُمَّ أَبْشِرْ بِالشِّفَاءِ؛ فَإِنَّهُ يُبْعِدُهُ عَنْكَ؛ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 80].

 

إِذَا خِفْتَ مِنَ الْخَسَارَةِ فِي التِّجَارَةِ، وَزَادَ الْخَوْفُ مِنَ الْإِفْلَاسِ؛ فَقُلْ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

إِذَا ضَاقَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَأَصَابَهَا الطَّلْقُ؛ فَلْتَقُلْ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

إِذَا خِفْتَ مِنَ الْفَقْرِ، وَأُوصِدَتِ الْأَبْوَابُ فِي وَجْهِكَ؛ فَاجْعَلْ شِعَارَكَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

إِذَا أَثْقَلَتْكَ الدُّيُونُ، وَصَعُبَ عَلَيْكَ الْحِمْلُ، وَزَادَ الْهَمُّ وَالْغَمُّ؛ فَاجْعَلْ شِعَارَكَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

إِذَا خِفْتَ عَلَى وَلَدِكَ أَوْ حَبِيبِكَ أَوْ غَائِبِكَ؛ فَاجْعَلْ شِعَارَكَ: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

 

شِعَـارُكَ مَعْنَـاهُ: يَا رَبِّ الْتَجَأْتُ إِلَيْكَ، وَاحْتَمَيْتُ بِكَ، وَاسْتَعَنْتُ بِكَ عَلَى مَا أَخَافُ مِنْهُ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ؛ فَأَنْتَ حَسْبِي وَرَجَائِي وَذُخْرِي وَمَلَاذِي؛ (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النَّمْلِ: 62].

 

فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْكَافِي وَهُوَ الْحَسِيبُ، فَلَا تَرْفَعْ حَوَائِجَكَ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تَشْكُ الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ.

 

وَهُوَ الْحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَةً *** وَالْحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَانِ

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِذَا عَلِمَ الْمُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ سَيُحَاسِبُهُ غَدًا عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَيُطَالِبُهُ بِالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَأَنَّ حِسَابَ الْخَلْقِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ عَلَى الْخَالِقِ الْحَسِيبِ كَانَ فِي اسْتِعْدَادٍ دَائِمٍ، وَكَانَ مُرَاقِبًا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ؛ (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)[الْأَنْعَامِ: 62]، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8]؛ تَجَلَّى النُّورُ فِي قَلْبِهِ، وَثَبَّتَهُ اللَّهُ يَوْمَ لِقَائِهِ؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 69].

 

جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: "أَنْ يَنْظُرَ فِي كِتَابِهِ فَيَتَجَاوَزَ عَنْهُ؛ إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ)، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنَ عَلَيْكُمْ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ؛ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".

 

فِي الْآخِرَةِ مَحْكَمَةٌ تُرَدُّ فِيهَا الْحَقُوقُ حَيْثُ لَا دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ، إِنَّمَا الْحِسَابُ بِالْحَسَنَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَقْتَهَا أَنْتَ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَى الْحَسَنَةِ.

 

إِيَّاكَ وَحُقُوقَ الْآخَرِينَ؛ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ وَلَوْ قَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا؛ فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

اللَّهُمَّ أَنْتَ حَسْبُنَا وَكَفَى فَكُنْ لَنَا وَلَا تَكُنْ عَلَيْنَا؛ يَا مَوْلَانَا.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

الحسيب -جل جلاله-.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات