الحر والحج

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-06-03 - 1443/11/04 2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/من مواعظ الحر 2/ضرورة تعجيل الحج

اقتباس

هَذِهِ الْقُلُوبُ تَقْسُوْ كَالْحَجَر، وَتَصْدَأُ كَالْحَدِيْد، وَتَتَّسِخُ كَالثِّيَاب؛ فَتَعَاهَدُوْهَا بِالتَّنْظِيْفِ والصِّيَانَة، وَلَيّنُوْهَا بِالتَّوْبَةِ والضَّرَاعَة، قَبْلَ أَنْ تَقُوْمَ السَّاعَة...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحَمْدُ للهِ الذِيْ جَعَلَ لَنَا دِيْنًا هُوَ خَيْرُ الأَدْيَانِ، وَأَنْزَلَ لَنَا كِتَابًا هُوَ خَيْرُ الكُتُبِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُوْلاً هُوَ خَيْرُ الرُّسُلِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا. أَمَّا بَعْدُ:

 

فيا أيُها المؤمنونَ: نعيشُ هذهِ الأيامَ موعظةً عظيمةً ودروسًا بليغةً. نعيشُ مع واعظٍ لاذعٍ اسمُهُ الصيفُ؛ فهل أصغَتْ قلوبُنا لموعظِتِه؟! (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90]؛ فها قد قوِيَ سلطانُ الحَرّ، وبُسِطَ بساطُ الجَمرِ. وقد أوقدَتِ الشمسُ نارَها، وأذكَتْ أُوارَهَا. فحَرُ الصيفِ؛ كحدِّ السيفِ. وإنها -واللهِ- لعظاتٌ وعِبرٌ نتلقاها من هذا الحرِ الذي يمرُ علينا كلَ سنةٍ شئنا أم أبيَنا؛ فلنرضَ ولا نتأففْ، ولنتعِظْ ولا نَغفلْ.

 

وأَولُ عِظاتِ الصيفِ والحرِ وأُولاها: أنْ نستشعرَ عظيمَ نعمةِ اللهِ علينا، حينَ يسّرَ لنا من وسائلِ التبريدِ والتكييفِ ما نتقِي بها أَذى الحرارةِ ولأْوائِها والشمسِ وسَمومِها؛ فلنشكرْ ربَنا، ولنحذرِ الإسرافَ في استعمالِ هذهِ الأجهزةِ؟ قال السلفُ: "إذا حميَ عليكَ حرُ الصيفِ فبرِّدْه بذكرِ النِعمِ".

 

عبادَ اللهِ: تصورُوا كيفَ إذا انقطعتِ الكهرباءُ في هذهِ الأجواءِ ولو لدقائقَ؛ فهل أدركنا نعمةَ الكهرباءِ؟ ثم هل يكونُ شاكرًا من جَلسَ في غرفةٍ مكيفةٍ ينظرُ إلى محرمٍ أو يستمعُ إليه أو يلوكُ بلسانهِ الأعراضَ؟

 

ويومَ نَنعمُ بالهواءِ الباردِ في منازلِنا ومدارسِنا ومساجدِنا ومجالسِنا ومكاتبِنا ومراكبِنا؛ فلنذكرْ قوماً أضناهُمُ وآخرِينَ الفقرُ، أو اقتضَى عملُهم أن يعيشُوا تحتَ سَمومِ الحرِ، مضطرِين لتحصيلِ لقمةِ العيشِ. مُعوِزينَ متعففِينَ، يستجْدُونَ المحسنِينَ، ملوِّحِينَ بالفواتيرِ الحمراءِ؛ فهلْ حمدتَ اللهَ أنْ وسّعَ عليكَ، يومَ ضُيِّقَ عليهم؟ وهلْ فكرتَ أنْ تُسدّدَ عنْ أحدِهم، أو تُصلح لهم مكيفًا، لتجِدَ بَرْدَه يومَ تُدخَلَ قبرَكَ؟

 

ومِن مواعظِ الصيفِ: أنّ اللهَ سبحانَه جعلَ هذا الحرَ يُذكرُنا بنارِ الآخرةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شِدَّةُ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"(رواه البخاري ومسلم) وعند ابن ماجه: "وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا" (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة81]؛ ولهذا تستحبُ الاستعاذةُ من النارِ عندَ الإحساسِ بالحرِ.

 

وقد رُوِيَ أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِيَ اسْتَجَارَنِي مِنْ حَرِّكِ فَإِنِّي أُشْهِدُكِ فَقَدْ أَجَرْتُهُ مِنْكِ".

 

وصحَّ أنه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: "مَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ"؛  فيا مَنْ لا يَصبرُ على وقفةٍ يسيرةٍ في حرِّ الظهيرةٍ كيفَ بكَ إذا دَنَتِ الشمسُ من رؤوسِ الخلائقِ، وطالَ وقوفُهمْ، وعظُمَ كربُهمْ، واشتدّ زحامُهمْ، وألجمَهم العرقُ إلجامًا؟!

 

وكما أن هذا الحرَ يُذكرُ بالنارِ، فهو يذكرُ بالجنةِ دارِ الأبرارِ؛ فهل تعلمونَ أن أهلَ الجنةِ يدخلونَها يومَ يدخلونَها في شدةِ القيلولةِ: (أَصْحَابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)[الفرقان:24] فيدخلونَ الجنةَ في أشدِ ساعةِ حرٍ في الدنيا، وقتَ انقلابِ الناسِ إلى أهليهِم للقيلولةِ. (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا)[الإنسان:13-14] جوُّهُمْ رخاءٌ ناعمٌ في غيرِ حرٍ، نديٌ لطيفٌ في غيرِ برْدٍ؛ فاللهمَ اجْعَلْنَا مِنَ المُعْتَبِرِيْنَ، وللجنةِ من الداخلينَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

 

ففي أيامِنا القريبةِ القادمةِ ستُفتحُ بوابةُ وزارةِ الحجِ لاستخراجِ تصاريحِ الحجِ؛ فليبادرْ بالتسجيلِ من توفرتْ فيه شروطُ وجوبِهِ، ولا يتكاسلْ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: " مَنْ أراد الحجَّ فلْيَتَعَجَّلْ، فإِنَّهُ قد يَمْرَضُ المريضُ، وتَضِلُّ الضالَّةُ، وتعرِضُ الحاجَةُ"(رواه أبو داود وابن ماجه، وصححهُ الألباني).

 

وبعضُ الآباءِ قد يؤخرونَ أبناءَهم عن الحجِ بحجةِ أنهم مازالُوا صغاراً أو سفهاءَ! فيُقالُ: إنه ليسَ من شروطِ الحجِ أن يكونَ الحاجُ مستقيماً صالحاً في ظاهرهِ؛ فما دامَ مسلماً فقد تحققَ الشرطُ. والعبرةُ بما حددَه الشرعُ، وهوَ البلوغُ. إلا من عجِزَ عن قيمةِ حَملاتِ الحجِ فهوَ معذورٌ غيرُ مأزورٍ.

 

فيا أيُها المستطيعونَ إلى الحجِ سبيلاً: لتبادرُوا بأن تُعينُوا أبناءَكم وبناتِكم أن يقضُوا فريضةَ اللهِ التي عليهم؛ لأن مَن أخَّرَ الحجَ سَنةً وهوَ مستطيعٌ فهوَ آثمٌ، فإذا أخَّرَهُ سَنةً أخرَى تَضاعَفَ إثمُهُ، وهكذا. (وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران:97]؛ فاللهم اجعلنا لأوامرِكَ من المؤتمِرينَ، ولنواهيكَ من المنتهِينَ.

 

اللهم إنا نعوذُ بك من الفقرِ إلا إليك، ومن الذلِ إلا لك، ونعوذُ بك أن نقولَ زُورًا، أو نغشَى فجورًا. اللهم لا تُحْقِقْ علينا العذابَ، ولا تقطعْ بنا الأسبابَ، ولا تخيِبْنا ونحن نرجوكَ، ولا تعذِبْنا ونحن ندعوَك.

 

اللهم اجعلْ خيرَ عملِنا ما ولِيَ أجلَنا.

 

اللهم حسّنْ أخلاقَنا، وباركْ أرزاقَنا واقضِ ديونَنا. واجمعْ شؤونَنا، وأرخِصْ أسعارَنا، وآمِنْ أوطانَنا. واحفظْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسدِدهم وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطِينا، واحفظهُم من كلِّ الجهاتِ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

الحر والحج.pdf

الحر والحج.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات