الحذر من التمائم العصرية

عبدالله بن عياش هاشم

2021-08-06 - 1442/12/27 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/حكم لبس الأساور والقلائد 2/النهي عن التشبه بالمشركين 3/حكم تعليق التمائم 4/التوكل على الله والأخذ بالأسباب المشروعة.

اقتباس

بعض الناس يجعل تلك التعاليق ويلبس تلك الأساور من أجل دَفْعِ العَيْنِ والجِنّ، أو جَلْبِ الحَظِّ والشِّفَاءِ والطَّاقَة، ودَفْعِ التَّوَتُّرِ والكَآبَة. وَالقَاعِدَةُ الشرعية: أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَفْعُهُ بالشَّرْعِ، أو العَادَةِ، والحِسِّ، والتَّجْرِبَة؛ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ في العِلَاج والتَّدَاوِي...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فإنَّ فئات من الناس يعلّقون في رقابهم سلاسل من ذهبٍ أو فضةٍ أو من النُّحَاسٍ أو غيرها، أو يعلّقون في أعناقهم خيوطًا سوداءَ أو خيوطًا مُلَوَّنَةً، أو قلائدَ منها ما يكون بشَكْلِ كَفٍّ، أو عَيْنٍ زَرْقَاء، أَوْ بَلُّورَاتٍ أو أَحْجَارِ كَرِيْمَة، أو أَحْجَارٍ ملونة، أو أقفالٍ...

أو يجعلونها أساور في أيديهم، ومنها ما يُسَمَّى أَسَاوِرِ الطاقة المِغْنَاطِيْسِيّةٍ، والطاقة السلبية والطاقة الإيجابية، وما يُسمَّى بالشَّكّراتِ.(انظر: فتاوى اللجنة الدائمة 13/473).

 

فهذه التعاليق والأساور إن كانت للزينة فإنَّها بالنسبة للرجال محرَّمة لما فيها من التشبه بالنساء، فالتزين بالعقود والأساور والحُلِيّ من طَبْعِ النساء التي جُبِلْنَ عليها، قال -تعالى-: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[سورة الزخرف: 18].

 

وجاء نهي الرجال منها لما فيه من التشبه بالنساء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ‌المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"(رواه البخاري).

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لَعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الرجلَ يلبَسُ لُبسةَ المْرأَةِ، والمرأَةَ تلبَسُ لُبسَةَ الرجلِ"(رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني).

 

وأما إن كانت التعاليق أو الأساور من الذهب أو الفضة؛ فهي أشدُّ حرمةً على الرجال لورود النص الصريح على تحريمها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ؛ ‌فلا ‌يلْبَسْ ‌حريراً ‌ولا ‌ذَهباً"(رواه أحمد وحسنه الألباني).

 

وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخَذَ حريراً فجعَلهُ في يَمينِه، وذَهباً فجعَله في شِمالهِ، ثمَّ قال: "إنَّ هَذَيْنِ ‌حَرَامٌ ‌على ‌ذكورِ ‌أُمَّتي"(رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

 

معاشر المسلمين: كثير من تلك التعاليق والأساور تفشَّت في الناس عبر تقنيات التواصل والإعلام؛ تقليدًا لشخصيات كافرةٍ، وتشبُّهًا بمن لا دِين لهم ولا خَلاق، وقد حذَّرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من المتابعة والمشابهة للكافرين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا ‌جُحْرَ ‌ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: "فَمَنْ"(متفق عليه).

 

ومعلوم أن التشبه بقومٍ دليلٌ على الإعجاب بهم، وسلوك مسلكهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن ‌تشبَّه ‌بقوم فهو منهم"(رواه أبو داود وصححه الألباني).

 

أمة الإسلام: بعض الناس يجعل تلك التعاليق ويلبس تلك الأساور من أجل دَفْعِ العَيْنِ والجِنّ، أو جَلْبِ الحَظِّ والشِّفَاءِ والطَّاقَة، ودَفْعِ التَّوَتُّرِ والكَآبَة. وَالقَاعِدَةُ الشرعية: أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَفْعُهُ بالشَّرْعِ، أو العَادَةِ، والحِسِّ، والتَّجْرِبَة؛ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ في العِلَاج والتَّدَاوِي (مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 17/70).

 

وتكون هذه التعاليق والأساور من جنس التمائم التي حرّمها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والتَّمَائِمُ: جَمْعُ تَمِيْمَة؛ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يُرَادُ مِنْهُ تَتْمِيمُ الخَيْر، وتَتْمِيمُ الشِّفَاءِ، وَدَفْعُ الضُّر.

 

فَإِن اعْتَقَدَ أَنَّ تلك التَّمَائِمَ سَبَبٌ لِجَلْبِ النَّفْعِ، وَدَفْعِ الضُّرّ، أو أنَّها وسيلةٌ إلى ذلك فإنها تكون من الشرك الأصغر، الذي يَنقُصُ به الإيمانُ -وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِيَدِ الله- لِأَنَّهُ اتخذ ما لَيْسَ بِسَبَبٍ شَرْعيٍّ وَلَا حِسِّي.

 

وإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ وتَضُرُّ بِذَاتِهَا؛ وَقَعَ في شِرْكٍ أَكْبَر؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ سَبَبًا مُشَارِكًا للهِ في رُبُوبِيَّتِه! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن علّق ‌تميمة ‌فقد ‌أشرك"(رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني).

 

أحبتي: الوَاجِبُ على كُلِّ مَنْ اتَّخَذَ تَمِيْمَةً أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا؛ فَإِنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَرْسَلَ رَسُولًا: "لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ ‌قِلَادَةٌ ‌مِنْ ‌وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ"(متفق عليه).

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ ‌أَنْ ‌نُشْرِكَ بِكَ وَنَحْنُ ‌نَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ والسنة، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالحكمة، أَقُولُ قولي هذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ؛ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى الله؛ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[سورة الطلاق: 3]، ومِنَ التَّوَكُّل: الأَخْذُ بالأَسْبَابِ المَشْرُوْعَةِ والمُبَاحَة، والحْذَرُ مِمَّنْ يُرَوِّجُوْنَ لِهَذِهِ التَّمَائِم؛ ولو تَلَبَّسُوا بِلِبَاسِ العِلْمِ والدِّيْنِ، والطِّبِّ والرِّيَاضَة.

 

والْقَلْبُ لا يَتَوَكَّلُ إلا عَلَى مَنْ يَرجُوهُ، وَمَا رَجَا أَحَدٌ تَميمَةً، وتَعَلَّقَ بِهَا؛ إلَّا خَابَ ظَنُّهُ فِيْهَا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ‌تعَلَّقَ ‌شيئًا وُكِلَ إلَيْهِ"(رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني)، والله -تعالى- يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[سورة الأنعام: 17].

 

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[سورة الممتحنة: 4-5].

 

اللهُمَّ قِنا شرورَ أنفِسنا وسيئاتِ أعمالِنا، واغفرْ لنا خطَأَنَا وجَهْلَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وما أنت أعلمُ به مِنَّا، اللهُمَّ اغفرْ لنا هَزْلَنَا وجِدِّنا وخَطَأَنا وعَمْدَنَا، وكلُّ ذلك عندنا.

 

اللهم إنَّا نسألكَ بفضلكَ وكرمكَ أن تحفظنا من كل سوء ومكروه، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهْد البلاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.

 

اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه لِمَا تُحِبُّ وترضى، واجزهما عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، اللهم وفِّقْهما لِمَا فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا تحبه وترضاه.

 

اللهم انصر جنودنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا عاجلًا غير آجل، وردَّهم لأهليهم سالمين غانمين منصورين، برحمتك وفضلك وجودك يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولوالد والدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

المرفقات

الحذر من التمائم العصرية.doc

الحذر من التمائم العصرية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات