عناصر الخطبة
1/ منزلة الحج في الإسلام 2/ تربية الحجّ الأمة على الاتباع 3/ تذكيرُ الحَجِّ بيوم القيامةاقتباس
هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ يُرَبِّي الحُجَّاجَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الاتِّبَاعِ للمَنْهَجِ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- دُونَ جَدَلٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ، عَرَفُوا الحِكْمَةَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ" رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، مِنْ فَضْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَحْمَتِهِ بِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ جَعَلَ العِبَادَاتِ مُتَنَوِّعَةً، لِيُقْبِلُوا عَلَيْهِ بِهَا فَيَزِيدَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، وَيَغْفِرَ لَهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ.
مِنْ هَذِهِ العِبَادَاتِ الحَجُّ، الذي هُوَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ المَشْهُورِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
الإِسْلَامُ صَرْحٌ عَظِيمٌ وَبِنَاءٌ ضَخْمٌ فِيهِ أَحْكَامُ وَنِظَامُ حَيَاةٍ، فِيهِ دُسْتُورٌ كَامِلٌ نَظَّمَ عَلَاقَةَ العَبْدِ مَعَ رَبِّهِ، وَمَعَ نَفْسِهِ، وَمَعَ أُسْرَتِهِ، وَمَعَ جِيرَانِهِ، وَأَهْلِ بَلْدَتِهِ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ، وَحَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ، مَعَ المَخْلُوقَاتِ جَمِيعَاً، هَذَا البِنَاءُ الضَّخْمُ العَظِيمُ هُوَ الإِسْلَامُ، جَعَلَهُ اللهُ -تعالى- مَبْنِيَّاً عَلَى خَمْسٍ.
يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، لَا يَجِبُ عَلَى الفَرْدِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً في عُمُرِهِ، وَبِإِمْكَانِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذِهِ العِبَادَةَ خِلَالَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ مَعْدُودَةٍ، لَا تَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ.
هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ يُرَبِّي الحُجَّاجَ وَغَيْرَهُمْ عَلَى الاتِّبَاعِ للمَنْهَجِ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- دُونَ جَدَلٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ، عَرَفُوا الحِكْمَةَ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ" رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَلَوْلَا أَنَّ رَبَّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- حَفِظَ لَنَا السُّنَّةَ وَأَحَادِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ تُنَفِّذُ الأُمَّةُ أَمْرَ اللهِ -تعالى- القَائِلِ: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلَاً) [آل عمران:97]؟.
يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ، يُعَلِّمُ الأُمَّةَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللهِ -تعالى-، عَرَفَتِ الأُمَّةُ العِلَّةَ مِنَ الأَحْكَامِ أَمْ لَمْ تَعْرِفْهَا، المُهِمُّ أَنَّ شَعَائِرَ الحَجِّ نُقِلَتْ للأُمَّةِ نَقْلَاً صَحِيحَاً مَوْثُوقَاً.
لِمَاذَا الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ سَبْعَاً؟ وَهَلْ ثَبَتَ الطَّوَافُ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟ لِمَاذَا تَقْبِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ؟ وَهَلْ ثَبَتَ تَقْبِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ في القُرْآنِ العَظِيمِ؟ لِمَاذَا الحَلْقُ أَو التَّقْصِيرُ في الحَجِّ؟ لِمَاذَا ثِيَابُ الإِحْرَامِ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ؟ لِمَاذَا الرَّمْيُ بِتِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ أَو سَبْعِينَ حَصَاةً؟ لِمَاذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟.
جَمِيعُ أَعْمَالِ الحَجِّ تُعَلِّمُ الحُجَّاجَ وَالأُمَّةَ كُلَّهَا أَنْ تَقُولَ لِجَمِيعِ أَوَامِرِ اللهِ -تعالى- وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [البقرة:285].
يَا عِبَادَ اللهِ: الحَجُّ عَلَّمَنَا الاسْتِسْلَامَ لِأَوَامِرِ اللهِ -تعالى-، وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، اسْتِسْلَامَاً مُطْلَقَاً بِدُونِ نِقَاشٍ وَلَا جَدَلٍ، عَرَفْنَا العِلَّةَ وَالغَايَةَ أَمْ لَمْ نَعْرِفْ.
الحَجُّ يُعَلِّمُنَا الانْقِيَادَ بِدُونِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَرَدُّدٍ، فَإِنْ قَالَ لَنَا رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا)؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُرْعِهَا سَمْعَنَا، وَأَنْ نَقُولَ بِلَا تَرَدُّدٍ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا لِأَمْرِكَ وَلِنَهْيِكَ يَا رَبَّنَا؛ وَلَو زُرِعَتْ هَذِهِ في قُلُوبِنَا كَمَا زُرِعَتْ في قُلُوبِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ لَكَانَتْ سِرَّ نَجَاحِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَلَكَانَتْ سِرَّ سِيَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.
يَا عِبَادَ اللهِ: هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ الذي شُيِّدَ عَلَيْهِ الإِسْلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ الأَرْكَانِ يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ، حَيْثُ الشَّبَهُ كَبِيرٌ جِدَّاً بَيْنَ الحَجِّ وَيَوْمِ القِيَامَةِ، الكُلُّ ثِيَابٌ وَاحِدَةٌ، الكُلُّ مُتَوَجِّهُونَ إلى رَبٍّ وَاحِدٍ، الكُلُّ وَضَعُوا حَوَائِجَهُمْ بِبَابِ مَوْلَاهُمْ.
هَذَا الرُّكْنُ العَظِيمُ يُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِيَوْمِ القِيَامَةِ، بِيَوْمِ الحِسَابِ الذي يَضْبِطُ حَرَكَاتِ المُؤْمِنِ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الفَسَادِ وَالمَعَاصِي وَالضَّلَالِ يَحْصُلُ بِسَبَبِ نِسْيَانِ يَوْمِ القِيَامَةِ. (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:4-6].
سَبَبُ الضَّلَالِ وَالانْحِرَافِ نِسْيَانُ يَوْمِ الحِسَابِ: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26].
يَا عِبَادَ اللهِ: نِسْيَانُ يَوْمِ الحِسَابِ كَارِثَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمُصِيبَةٌ كُبْرَى، وَوَاللهِ! لَو تَذَكَّرَتِ الأُمَّةُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَوْمَ الحِسَابِ لَحُلَّت جَمِيعُ مَشَاكِلِها، مَنْ تَذَكَّرَ يَوْمَ الحِسَابِ؛ هَلْ يَرْتَشِي؟ هَلْ يَظْلِمُ؟ هَلْ يَسْرِقُ؟ هَلْ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ؟ هَلْ يَكْذِبُ؟ هَلْ يَفْتَرِي؟ هَلْ يَزْنِي؟ هَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ؟ هَلْ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ؟ هَلْ يَظْلِمُ زَوْجَتَهُ؟.
صَلَاحُ الأَرْضِ بِتَذَكُّرِ يَوْمِ القِيَامَةِ وَيَوْمِ الحِسَابِ، وَالحَجُّ تَذْكِرَةٌ عَلَنِيَّةٌ وَاضِحَةٌ صَرِيحَةٌ قَوِيَّةٌ، وَكَأَنَّ الحَجَّ يَقُولُ: اسْتَيْقِظُوا يَا عِبَادَ اللهِ.
اللَّهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ غَفْلَتِنَا. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم