عناصر الخطبة
1/حكم الحج وحكم من جحده أو تركه تكاسلا 2/من فضل الحج المبرور 3/الحج رحلة إيمانية 4/التعجل في أداء الحج والمسارعة فيهاقتباس
أيها الإخوة الكرام: إن الحج رحلة إيمانية، زادها التقوى إلى رياض الطهر في البيت العتيق، لذا ينبغي على الحاج أن يخلع الدنيا وشهواتها ويلقيها وراء ظهره، ويقبل بكليته على ربه ومولاه سبحانه في علاه. وعلى المسلم الموسر المستطيع أن يتعجل الحج، مادام الحج في استطاعته، فإنه لا يدري، لعله يمرض مرضا يحول دونه ودون الحج، أو لعله يباغته الموت قبل أن يحج، أو...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
إن الحج من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه -تعالى-؛ فالحج في الإسلام ركن من أركانه التي بني عليها، ومن جحد فرضية الحج، ولم يقر بوجوبه فهو كافر خارج من دائرة الإسلام، ولا حظ له في الدين.
ومن أقر بوجوبه، و لكنه لم يحج تكاسلا وعصيانا مع وجود الاستطاعة والقدرة، فهذا فاعل لكبيرة من الكبائر، وعليه المبادرة إلى التوبة من فعله هذا.
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت".
ولذلك حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديث على الحج ذاكرا فضائله، ترغيبا لأمته في الحج، وحثا لهم على هذه الطاعة العظيمة؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
قال أهل العلم: "الحج المبرور هو الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موافقا لما طُلب من المكلف على الوجه الأكمل، فيكون حجا موافقا لحجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون حجا لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال بالباطل، فيكون حجا لا يخالطه شيء من الإثم، يكون حجا بمال طيب، فإن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبا، هذا هو الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة، قال الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[البقرة: 197].
قال أهل التفسير: "الرفث" الجماع ومقدماته، وما فحش من القول؛ و"الفسوق" أي: الخروج عن حدود الله -تعالى-، عن حدود الشريعة بارتكاب محظورات الإحرام وغيرها من المعاصي والسيئات كالسباب والشتم والتنابز بالألقاب.
"ولا جدال" أي: الجدال بالباطل، والمماراة مع الناس الرفقة والخدم وغيرهم.
وأما الجدال بالحق وبالتي هي أحسن، أي: الجدال الذي يُراد به إظهار الحق، والجدال العلمي البنّاء الذي لا يخرج إلى الجدال بالباطل، فهذا لا يدخل في الجدال المذموم، بل حثّ الله -تعالى- عليه في كتابه الكريم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: 125].
ومن النصوص الدالة على عِظم الحج ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حج ولم يرفث، ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه".
قوله: "رجع كيوم ولدته أمه".
قال الحافظ في "الفتح": "أي: عاريا من الذنوب".
وقال في موضع آخر من شرحه على صحيح البخاري: "بغير ذنب؛ وظاهره غفران الصغائر والكبائر".
وهو الصحيح، أنه تُغفر له ذنوبه كلها، فيعود كيوم ولدته أمه، إلا فيما يتعلق بحقوق الناس، فلابد من إرجاع المظالم إلى أهلها.
ومن الأحاديث التي حثّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحج: ما جاء عند أصحاب السنن إلا أبا داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تابعوا بين الحج و العمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة".
وهذا فضل عظيم للحج، أنه ينفي الفقر والذنوب، أي: يزيلهما؛ قال أهل العلم: "إن الحج ينفي الفقر المادي والمعنوي، ينفي الفقر المادي بحصول غنى اليد، وجريان المال في يد الإنسان، فتكثر أمواله. وينفي الفقر المعنوي، وهو الفقر الباطن، الطمع والجشع، وذلك بحصول غنى القلب، فنسأل الله -تعالى- أن ينفي عنا الفقر والذنوب.
أيها الإخوة الكرام: إن الحج رحلة إيمانية، زادها التقوى إلى رياض الطهر في البيت العتيق، لذا ينبغي على الحاج أن يخلع الدنيا وشهواتها ويلقيها وراء ظهره، ويقبل بكليته على ربه ومولاه سبحانه في علاه.
وعلى المسلم الموسر المستطيع أن يتعجل الحج، مادام الحج في استطاعته، فإنه لا يدري، لعله يمرض مرضا يحول دونه و دون الحج، أو لعله يباغته الموت قبل أن يحج، أو لعله يفقد القدرة المادية من نفقة ومال أو دابة، أو لعله يُحال بينه وبين البيت الحرام.
قال الله -تعالى-: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
وفي مسند الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال عليه الصلاة والسلام: "تعجلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".
وعند ابن ماجة قال عليه الصلاة والسلام :"من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الدابة، وتعرض الحاجة".
والحمد لله رب العالمين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم