الحث على تقوية الإيمان وتجديده

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ كثرة الاهتمام بالدنيا وضعف الاعتناء بالدين 2/ أهمية زيادة الإيمان وتعاهده 3/ الحث على التنافس في ميادين الطاعات 4/ من كانت الدنيا أكبر همه فهو الخاسر 5/ أولى خطوات العلاج وبداية تصحيح المسيرة 6/ من أهم ما يقوي الإيمان في القلوب 7/ الاستعداد لملاقاة الله تعالى.

اقتباس

إن واقعنا اليوم مع ربنا -عز وجل- مهين ومشين، فلا القلوب تخشع ولا العيون تدمع ولا الجوارح تنقاد بيسر وسهولة للطاعات والقربات. نشكو قسوة في القلوب، وتحجرًا في العيون، وفتورًا في أداء الطاعات والعبادات، وكسلاً في القيام بالواجبات، وتثاقلاً عظيمًا عن أداء النوافل والمستحبات. أين نحن يا عباد الله من أقوام كان الواحد منهم يصبح ويمسي ولا همَّ له إلا عمارة آخرته والعمل لها، والاستعداد لملاقاة ربه..

 

 

 

الخطبة الأولى:     

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- فإن من اتقى الله جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيقًا مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب.

 

عباد الله: يحرص كثير من الناس على تحسين أوضاعهم المادية، ويبذلون في سبيل ذلك ما يستطيعون من جهد، ويسلكون الأسباب والوسائل لتحقيق هذا المقصد والوصول لتلك الغاية فتجد الواحد منهم في ليله ونهاره مراقبًا ملاحظًا لحاله يعرف مظاهر التقدم والتأخر، بل تراه لا يرضى بما تقوم به حياته، وتستقيم به معيشته حتى يحصل من الدنيا أعلى الدرجات وأشرف المراتب، وهو لا يدري في جهده وعمله أيحصل له ذلك أم لا ولا يدري كذلك أتكون سعادته فيما يروم الوصول إليه من أمر الدنيا أم تكون شقاوته.

 

هذه حال كثير من الناس فيما يتعلق بأمور الدنيا، فما هي يا ترى حالهم مع ربهم مع دينهم مع إيمانهم مع تقواهم مع زادهم الذي يبلغهم الآخرة.

 

إننا نلحظ في واقعنا ضعف الاهتمام وقلة الحرص على ما يقوى به إيماننا، وتعظم به تقوانا ويحصل به إرضاء ربنا والاستعداد للقدوم عليه غدًا.

 

مَن مِن الناس اليوم يهتم اهتمامًا عظيمًا بأداء الفرائض على الصورة التي يحبها الله ويرضاها؟! ومن من الناس اليوم يحرص على فعل النوافل والإكثار من الطاعات التي تقربه إلى رب الأرض والسماوات؟! مَن مِن الناس اليوم تراه حريصًا على تقوية الإيمان في قلبه يغتم كلما أحس بضعف إيمانه ويجتهد في فعل الأسباب التي تزيل هذا الضعف كما يجتهد في البعد كل ما يضعف إيمانه؟! مَن مِن الناس اليوم يحزن ويندم ويقلق قلبه إذا بدرت منه معصية أو فرَّط في طاعة أو قصر في حق الله -عز وجل-.

 

إن واقعنا اليوم مع ربنا -عز وجل- مهين ومشين، فلا القلوب تخشع ولا العيون تدمع ولا الجوارح تنقاد بيسر وسهولة للطاعات والقربات.

 

نشكو قسوة في القلوب، وتحجرًا في العيون، وفتورًا في أداء الطاعات والعبادات، وكسلاً في القيام بالواجبات، وتثاقلاً عظيمًا عن أداء النوافل والمستحبات.

 

أين نحن يا عباد الله من أقوام كان الواحد منهم يصبح ويمسي ولا همَّ له إلا عمارة آخرته والعمل لها، والاستعداد لملاقاة ربه.

 

أين نحن من أقوام كان أحدهم يرى المعصية الصغيرة كجبل عظيم وقع عليه؟! أين نحن من أقوام حققوا الفرائض والواجبات وابتعدوا عن النواهي والمحرمات تراهم في الليل قائمين قانتين يرتلون آي الذكر الحكيم، ويناجون بتضرع الرب الرحيم وفي النهار صائمين وعن اللغو معرضين، ومع ذلك يحتقرون ذلك كله ويخافون سوء الخاتمة.

 

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو إمام العابدين وسيد الخاشعين الذي يقول عن نفسه: "أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم له"، لقد كان -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك يقوم من الليل ما شاء الله له أن يقوم حتى تفطرت قدماه ويقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"؟!

 

لقد كان يناجي ربه دائمًا ويسأله الثبات والاستقامة فكان يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف الأبصار صرِّف قلبي إلى طاعتك".

 

لقد كان يقول لأصحابه: "من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو المؤمن".

 

وها هم أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم- يحققون هذه الوصية، فكانوا أشد ما يكونون فرحًا وسرورًا بفعل الطاعة وأشد ما يكونون حزنًا وغمًّا بالوقوع في المعصية.

 

كان أنس -رضي الله عنه- يقول: "إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر إن كنا لنعدها في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات".

 

سأل رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (أخرجه مسلم).

 

هكذا كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرصًا على الطاعات وتنويعًا لها وتنافسًا في القربات وتسارعًا في العبادات وعلى هذا درج التابعون، وسلف هذه الأمة في الاجتهاد في الطاعة وتحصين الإسلام وتقوية الإيمان لا في زمان معين بل في كل أزمنتهم وكل أيام أعمارهم وحياتهم.

 

قال عبد الرحمن بن مهدي لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا.

 

وها هو أحد التابعين يقول: ماتت لي بنت فعزاني نفر كثير، وفاتتني صلاة الجماعة فلم يعزني أحد.

 

هكذا كانوا -رحمهم الله- إقبالاً على الطاعة وبعدًا عن المعصية وخوفًا منها وحزنًا على وقوعها، ها هو شيخ الإسلام ابن تيمية ومن هو في عبادته وجهاده يذكر عنه تلميذه ابن القيم أنه قال: "لا أذكر منذ بلغت وعقلت أنه حسن إسلامي في يوم من الأيام، وإني لا زلت أجتهد في تحصين إسلامي إلى الآن".

 

هكذا ينبغي أن يكون المسلم معرفة بحاله وعدم رضا بواقعه واجتهادًا منه في الرقي إلى مراتب الكمال ودرجات الخير والطاعة.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن التنافس الحقيقي هو التنافس في ميادين الطاعات ومضمار العبادة، إن الربح الحقيقي إنما هو الربح في التجارة مع الله -عز وجل-، إن الرابح حقًّا والفائز صدقًا من يصبح ولسان حاله يقول: "الحمد لله الذي مد في عمري حتى أستكثر من الطاعة والعبادة وأجدد التوبة والإنابة فتراه عبادًا لربه في ليله ونهاره، لا يفتر عن الطاعة، ولا يمل من العبادة، يتنقل من طاعة لأخرى كصلاة وصيام وذكر وصدقة وقراءة القرآن، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر وصلة رحم، وعيادة مريض ودعوة إلى الله، وإصلاح بين الناس، وغير ذلك من ألوان الطاعة والعبادة.

 

حتى في أموره المباحة يجتهد في أن تكون تلك الأمور المباحة عونًا له على طاعة ربه وتحقيق مرضاة مولاه.

 

إن الخاسر -أيها الإخوة في الله- من يصبح ويمسي ويقوم ويقعد ولا هم له إلا الدنيا، يفكر فيها ويسعى ليله ونهاره لجمع حطامها، هذا والله هو الخاسر وإن ظن أنه هو المفلح الناجح وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "من أصبح والدنيا همه فرق الله شمله، وجعل الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن أصبح والآخرة همه جمع الله شمله وأتته الدنيا وهي راغمة".

 

فنسأل الله -عز وجل- أن يجدد الإيمان في قلوبنا وأن يوحي نواة قلوبنا بالطاعة والإنابة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد:17].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات، والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد! فإن أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن بداية الحل لمشكلاتنا وطريق النهوض من غفلتنا يبدأ أول ما يبدأ بإدراك المشكلة، ومعرفة أبعادها، فمتى ما أدرك كل واحد منا ضعف الإيمان في قلوبنا، ومتى ما شعرنا بقسوة قلوبنا، فهذه هي أولى خطوات العلاج وبداية تصحيح المسيرة.

 

المشكلة أن يسير الإنسان في حياته وتمضي عليه سنوات عمره وهو لا يشعر بمدى ضعف إيمانه ومدى قسوة قلبه، يحسب أنه على شيء وهو ليس على شيء، وإن من أهم ما يقوي الإيمان في القلوب التوجه بالدعاء إلى المولى -عز وجل- بأن يجدد الإيمان في قلوبنا، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب أن يبلى، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم".

 

ومن أبرز الأسباب التي تقوِّي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة والقربات النافعة، لكن ينبغي للمسلم أن يراعي في ذلك أمورًا منها المسارعة إلى الأعمال الصالحة وعدم التباطؤ والتثاقل والتسويف، يقول -عز وجل-: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) [آل عمران: 133]، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- "التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة".

 

ثم عليك أخي المسلم بالاستمرار على الأعمال الصالحة وربك -عز وجل- يقول: "وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه".

 

والمداومة على الأعمال الصالحة تقوي الإيمان، ولهذا كان أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، ومما ينبغي للعبد فعله الاجتهاد في الأعمال الصالحة، فقد يجد العبد في بعض الطاعات صعوبة على نفسه لكن عليه أن يجاهد نفسه حتى تعتاد الطاعة وتألف القربة.

 

ومن الأمور المهمة: الحرص على تنويع العبادة لئلا تمل النفس وتكسل.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن العمر والله قصير مهما طال، والموت يأتي بغتة، وإن من الخير كل الخير للعبد أن تحين منيته فيقدم على ربه، وقد امتلأ قلبه بالإيمان، وامتلأ صحائف عمله بالخير، وجد واجتهد في كل ما من شأنه رفعة منزلته وعلو درجته يوم القدوم على ربه -عز وجل-، ولئن فرط العبد في ذلك في الاستعداد للآخرة في الاستعداد لملاقاة الله، فوالله سيأتي عليه يوم يندم، ويتمنى أن يعود إلى الدنيا ليصحح من حاله ووضعه ويستكثر من أعماله الصالحة لكن هيهات هيهات.

 

قال الله -عز وجل-: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ) [سبأ:54]، نسأل الله -عز وجل- أن يحيي قلوبنا ويغيثها بالإيمان والعمل الصالح.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]..

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"..

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك...

 

 

المرفقات

على تقوية الإيمان وتجديده

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات