عناصر الخطبة
1/موعظة بليغة 2/تحذير من تقديم رضى المخلوق على رضى الخالق 3/خطورة الإعراض عن إنكار المنكر مجاملة لفاعله 4/وجوب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 6/خطورة السكوت عن انتشار المعاصي.اقتباس
ولعل ما يُلْحَظ من الشدة والبطالة، وتعسير أمر المعيشة، وقلة الغيث، وغير ذلك من المِحَن والأمراض المستعصية بسبب قلة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بين الناس، ولقد لعن الله بني إسرائيل على ما كان منهم من المعاصي وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله العليم القدير، أحمده -سبحانه- وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: يا عباد الله: فهذه موعظة بليغة من أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- جديرة بأن تعيها القلوب، وأن يتعرف إلى ما تهدف إليه؛ كتب معاوية -رضي الله عنه- لأم المؤمنين عائشة يقول: اكتبي لي كتابًا تُوصيني فيه ولا تكثري.
فكتبت إليه تقول: أما بعد: فقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن التمس رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عليه الناس. ومَن التمس رضى الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".
وليس من شك أن كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر حقًّا لا يُفضّل رضى أحد من الناس مهما ارتفع قدره وعلا شأنه على رضى الرب -جل جلاله-، غير أن بعض النفوس الدنيئة تغلب عليها الغفلة، وتأخذ بالهوى عن نهج الهدى، فتقدم رضى المخلوق على رضى الخالق.
ومن أمثلة ذلك: الإعراض عن إنكار المنكر مجاملة لفاعله وطلبًا لاسترضائه، إما لقرابة، أو صداقة، أو جوار، وإما خوفًا من بأسه، وسطوته، وحقده، وإيذائه أو غير ذلك، وليس ذلك بسبيل المؤمنين، ولا طريق الصالحين.
أيها المسلمون : لقد أوجب الله إنكار المنكر، والأخذ على يد فاعله قريبًا كان أو بعيدًا، عظيمًا كان أو صعلوكًا، لئلا ينتشر الفساد في المجتمع، واستصلاحاً لحال الغاوين، وقطعًا لدابر المفسدين، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم".
وقال أيضًا: "من رأى منكم منكرًا فلْيُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، لم يُفرِّق النبي -صلى الله عليه وسلم- في إنكار المنكر بين قريبٍ أو بعيدٍ، ولم يجعل الأمر والنهي مختصًّا بجماعات من الناس، بل جعله عامًّا في عنق كل مسلم بحسبه، فإذا أهمل الناس هذا الواجب الديني إرضاءً لفلان أو مجاملة لعلان، أو تأثرًا بأيِّ عامل من العوامل، عمَّ الفساد وانتشر البلاء، ووقع ما أخبر به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؛ "يدعو الأخيار الصالحون فلا يستجاب لهم"، وتحل النقمة بالجميع.
كما جاء في الحديث؛ "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن يُنكروه فلا ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة".
ولعل ما يُلْحَظ من الشدة والبطالة، وتعسير أمر المعيشة، وقلة الغيث، وغير ذلك من المِحَن والأمراض المستعصية بسبب قلة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بين الناس.
ولقد لعن الله بني إسرائيل على ما كان منهم من المعاصي وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقال -تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[سورة المائدة: 78- 79].
فاحذروا -عباد الله- من سبل الغاوين وطرق الضالين، واتقوا الله ربكم المطلع على سركم وعلانيتكم، ولا يمنعكم من إقرار العدل والأخذ على يد الظالم قرابة أو صداقة، أو مجاملة، أو مصانعة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[سورة النساء: 135].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ شرَّفه الله برسالته، وفضَّله على سائر العبيد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: صح من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "إنَّ مِن ضَعْف اليقين أن تُرضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رِزْق الله، وأن تذمّهم على ما لم يُؤْتِك الله، إنَّ رزق الله لا يجرّه حرص حريص، ولا يردّه كراهية كاره"، وفي هذا البيان الشافي ما يُحفِّز أرباب اليقين بالله أن يحرصوا كل الحرص على بلوغ رضاه، والتعلُّق به دون سواه، وحمده فهو المعطي المانع الضار النافع ولا يرزق الخلق إلا الله.
عباد الله: ليحرص كل منا على تقويم نفسه، واتباع مرضاة ربه، وعلى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تأخذنا في الله لومة لائم، حتى نحيا حياة طيبة، ونسلم من الآثام، بل ونحظى بالثواب الجزيل، ولا نغتر بكثرة الهالكين والمقصرين.
واعلموا -رحمكم الله- أن المعاصي يُرقِّق بعضها بعضًا، فتزداد ويعمّ الفساد، فلا بد من إنكارها والإلزام بتركها، كما أن الطاعات يجرّ بعضها بعضًا فتزداد، ويعم الخير فكونوا ممن يسارع إلى الخيرات ويباعد عن المنكرات.
هذا وصلوا على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم