الجوال حاصد الأرواح

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2023-09-08 - 1445/02/23 2023-09-20 - 1445/03/05
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/عظم نعم الله على الناس 2/من صور الاستهتار في قيادة السيارات 3/اتباع قواعد المرور أمر واجب 4/أكثر حوادث السيارات بسبب الجوالات 5/ما يترتب على حوادث القتل

اقتباس

فيا معشرَ الشبابِ: لا تروِّعوا والدِيكم بسببِ تهورِكم بقيادتِكم، أو انشغالِكم بجوالاتِكم، فإن رَوعةَ أحدِ الوالدينِ ولو لحادثٍ يسيرٍ لا يُعوِضُها فرحةٌ، وإن تعرُّضَك لإصابةٍ من حادثٍ تجعلُهما قلقَينِ عليك كلما خرجتَ أو سافرتَ مستقبلاً...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الذي افتتحَ خَلْقَه بالحمدِ فقالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[الأنعام: 1]، واختتمَه بالحمدِ فقالَ -بعدَ مآلِ أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ-: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الزمر: 75]، فلهُ الحمدُ في الأولَى والآخرةِ، أما بعدُ:

 

فيا عبادَ اللهِ: أوصيكُم ونفسيَ بتقوى اللهِ، وبأن نتفكرَ لنتعبرَ فنشكرَ ونتذكرَ، ففي تقلباتِ الدهرِ معتبرٌ، وفي طوارقِ الأيامِ مزدجرٌ.

 

عبادَ اللهِ: إن مما أنعمَ اللهُ به علينا في هذا العصرِ تلكَ السياراتِ التي قرّبِت البعيدَ، وسهّلتِ الشديدَ، واختصرتِ الأوقاتَ، وأعانت على الطاعاتِ؛ (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النحل: 7]، وما أجدرَنا ونحن نقودُ سياراتِنا بأن نتحلَى بصفةِ عبادِ الرحمنِ الذين قالَ اللهُ فيهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)[الفرقان: 63].

 

أيُها المسلمونَ: هذهِ السياراتُ استعملَها أناسٌ إما صغارُ سنٍ أو صغارُ عقولٍ، متهورينَ ومستهترينَ بالأرواحِ وبالأنظمةِ، سرعةٌ جنونيةٌ داخلَ البلدِ كسرعتِهم خارجَه، تجدُه يحاولُ أن يُجاوزَ مَن أمامَه، فيُوقعُ مَن حولَه بالحيرةِ والارتباكِ، وكثيرًا ما يتسببُ بحادثٍ، وهذا سَفهٌ فاعلُه متبعٌ للشيطانِ، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الأَنَاةُ مِنَ اللَّه وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَان"(رواه الترمذي وحسنه العراقي والألباني).

 

فإياكَ أن تجعلَ مقودَ سيارتِك في يدِ الشيطانِ، ومَن منا يرضَى أن يكونَ سببًا في تحوُّلِ أسرةٍ تَنعَمُ في ظلِ راعِيها بالسرورِ إلى أسرةٍ حزينةٍ ولسنينَ عديدةٍ؟! مَن منا يرضَى أن يكونَ سببًا في حفرِ ذكرياتٍ أليمةٍ في مهَجِ أطفالٍ صغارٍ، ينتظرونَ بشوقٍ عودةَ أبيهِم أو أخيهِم؟! مَن منا يرضَى أن يجعلَ السيارةَ التي هيَ وسيلةُ نقلٍ وسيلةَ قَتْلٍ؟!.

 

واعلمُوا أن اتباعَ قواعدِ المرورِ التي تحفظُ الأرواحَ، ليست من الأمورِ المستحبّةِ، بل هيَ من الواجباتِ، وكلُ مَن خالفَها فهوَ آثمٌ، هذه حقيقةٌ لا بدَ أن نعلمَها جميعًا، وبذلكَ أفتَى عامةُ علمائِنا كالشيخينِ ابنِ بازٍ وابنِ عثيمينَ -رحمهُما اللهُ-، وربُنا يقولُ: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195].

 

إخوةَ الإيمانِ: ما مِن أسبوعٍ ينقضَيْ إلا ونسمعُ أو نقرأُ عن حوادثَ مفجعةٍ؛ تحصدُ الأرواحَ أكثرَ مما تحصدُه بعضُ الحروبِ!، وإن لغةَ الأرقامِ حينَ تنطِقُ تُذهِلُ السامعَ وتُخرِسُ المجادِلَ، فهل تعلمونَ -يا عبادَ اللهِ- أن حوادثَ السياراتِ في بلادِنا وخلالَ عشرِ سنواتٍ ماضيةٍ أزهقتْ أرواحَ أكثرِ من أربعينَ ألفِ إنسانٍ، وأصيبَ فيها أكثرُ من ثلاثِ مئةِ ألفٍ آخرينَ بإصاباتٍ بالغةٍ، يا لَلهولِ! هل نحنُ في ميادينِ القتالِ؟!.

 

وتقولُ الإحصاءاتُ المروريةُ في السعوديةِ: إن كلَ ساعتينِ يموتُ إنسانٌ بحادثٍ مروريٍّ، وحوالَيْ ثمانيةُ مصابينَ خلالَ هاتينِ الساعتينِ.

 

هذهِ نتائجُ مؤسفةٌ قد أَعيَتِ المسؤولينَ، فكانوا حازمينَ في العقوباتِ، نعم لقد خففتِ الغراماتُ من الحوادثِ، ولكنَ الحلَ عندَنا -معاشرَ السائقينَ-، الحلُ أن نبدأَ بأنفسِنا فنُخَطّئَها، ونُلزمَ أنفسَنا باتباعِ قواعدِ المرور، واتخاذِ أسبابِ السلامةِ، ولنركزْ بطريقِنا، ولا ننشغلْ بجوالتِنا التي حصدتْ أرواحَ شبابِنا.

 

نعم المتهمُ الأولُ في كثيرٍ من هذهِ الحوادثِ القاتلةِ الفاجعةِ: هوَ هذا "ارفع الجوال"، نعم إنهُ الجوالُ، وربَما يشاهدُه لبضعِ ثوانٍ، فتقعُ الفواجعُ خلالَ ثوانٍ بسببِ الانهماكِ بمقطعٍ أو رسالةٍ.

 

فيا معشرَ الشبابِ: لا تروِّعوا والدِيكم بسببِ تهورِكم بقيادتِكم، أو انشغالِكم بجوالاتِكم، فإن رَوعةَ أحدِ الوالدينِ ولو لحادثٍ يسيرٍ لا يُعوِضُها فرحةٌ، وإن تعرُّضَك لإصابةٍ من حادثٍ تجعلُهما قلقَينِ عليك كلما خرجتَ أو سافرتَ مستقبلاً.

 

ألا إن في حوادثِ السياراتِ لعِبَراً ومدّكرًا؛ تجعلُ المرءَ يستعدُ للموتِ قبل أن يبغتَه، من خطأِ متهورٍ، ورحمَ اللهُ أمواتَنا وأمواتَ المسلمينَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ مصطفَى.

 

أما بعدُ: فإن النفسَ إذا فُقدتْ بحوادثِ السياراتِ ترتبَ على ذلكَ خمسةُ أمورٍ:

الأول: حرمانُ هذا الميتِ من التزودِ بالعملِ الصالحِ، والاستعتابِ من العملِ السيئِ.

الثاني: فقدُ أهلهِ وأصحابهِ بالتمتعِ معه في الحياةِ.

الثالث: إرمالُ زوجتهِ وإيتامُ أولادِه إن كان ذا زوجةٍ وعيالٍ.

الرابع: غرامةُ ديتهِ تُسلمُ إلى ورثتهِ.

الخامس: وجوبُ الكفارةِ عليه، حقًا للهِ -تعالى-.

 

فكلُ من قتلَ نفسًا خطأً أو شاركَ فيه فعليهِ الكفارةُ، فلو اشتركَ اثنانِ في حادثٍ وتلِفَ به شخصٌ فعلى كلِ واحدٍ منهما كفارةٌ كاملةٌ، والكفارةُ عتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ، فإن لم يجِدْ -كما في عصرِنا- فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، لا يُفطِرُ بينهما يومًا واحدًا، فإن أفطرَ قبلَ إتمامِها ولو بيومٍ واحدٍ من دونِ عذرٍ وجبَ استئنافُهما من جديدٍ، فإن ماتَ اثنانِ فأربعةُ أشهرٍ وإن ماتَ ثلاثةٌ فستةُ أشهرٍ وهكذا.

 

فاللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ، اللهم إنا نعوذُ بك وعثاءِ السفرِ وكآبةِ المنظرِ وسوءِ المنقلبِ، اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اَللَّهُمَّ وَفّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ.

 

اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.

 

المرفقات

الجوال حاصد الأرواح.pdf

الجوال حاصد الأرواح.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات