الجنة والنار في الكتاب والسنة

علي عبد الرحمن الحذيفي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ الجنة محفوفة بالمكاره والنار بالشهوات 2/ صفة الصراط 3/ الشفاعة العظمى 4/ الاستقامة في الدنيا ضمان ثبوت القدم على الصراط

اقتباس

والنفوس تقعُ في الغواية بالمُغريات والملذَّات المُحرَّمة، ومُجاهدة النفوس على الطاعات خيرٌ من اتباع الشهوات، فالتقوى سعادةٌ وخيرٌ، وعاقبةٌ حُسنى في الحال والمآل، ورِضوانٌ من الرحمن، والعِصيانُ شقاءٌ وخيبةٌ في الدنيا والآخرة، ووبالٌ وخُسرانٌ، قال الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83]، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20].

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله العزيز الغفور، الحليم الشكور، أحصَى على العباد أعمالَهم، وسيُوفِّيهم إياها: (لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].

 

أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بذات الصدور، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى كل عملٍ مبرور، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه صلاةً وسلامًا مُضاعفة الأجور.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله بطلب مرضاته، وهجر مُحرَّماته؛ يكتُب لكم رِضوانَه وجنَّاته، ويُجِركم من غضبه وعقوباته.

 

أيها المسلمون: إن بينكم وبين الجنة أهوالاً عِظامًا، وشدائد وكُرُبات، ولكن الله -سبحانه- يُسهِّلُها على المتقين، ويُهوِّنُها على الطائعين، وأما النار فسُبُلها الشهوات المُحرَّمات في هذه الدنيا واتباع الهوى.

 

والنفوس تقعُ في الغواية بالمُغريات والملذَّات المُحرَّمة، ومُجاهدة النفوس على الطاعات خيرٌ من اتباع الشهوات، فالتقوى سعادةٌ وخيرٌ، وعاقبةٌ حُسنى في الحال والمآل، ورِضوانٌ من الرحمن، والعِصيانُ شقاءٌ وخيبةٌ في الدنيا والآخرة، ووبالٌ وخُسرانٌ، قال الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83]، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20].

 

وقال -سبحانه-: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر: 15، 16].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "حُفَّت النارُ بالشهوات، وحُفَّت الجنةُ بالمكارِه". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أبي هريرة أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزَّتك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها. فحفَّها بالمكارِه، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزَّتك لخشيتُ ألا يدخلَها أحد، ولما خلق الله النار قال لجبريل: ذاهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزَّتك لا يسمع بها أحدٌ فيدخلها. فحفَّها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع قال: وعزَّتك لقد خشيتُ ألا يسلمُ منها أحدٌ إلا دخلها". رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي.

 

ولو تصوَّر العبدُ آخر كُربةٍ وأعظمَ عقبةٍ تعترِضُه دون الجنة، وتذكَّر ذلك دائمًا لأصلحَ حالَه، ولأحسنَ أعمالَه؛ لينجُو من نارٍ حرُّها شديد، وقعرُها بعيد، ومقامِعها حديد، ويفوزَ بجنَّةٍ لا يفنَى نعيمُها ولا يَبيد.

 

عباد الله: ألا إن العقبةَ الكَؤُود، والشدة العُظمى، والكربَ الأكبر هو الصراطُ المضروبُ على متن جهنَّم، قضى الله وحكَم ألا يدخل أحدٌ الجنة إلا أن يمُرَّ عليه ويجتازَه، والله يحكمُ ولا مُعقِّب لحُكمه وهو سريعُ الحساب، ولا يجُوزُه أحدٌ إلا بأعمالٍ صالحةٍ رضِيَها الله وقبِلَها، ومن حالَت أعمالُه السيئةُ بينه وبين جوازِه سقطَ في نار جهنَّم وبئس القرار، ولا يظلمُ ربُّك أحدًا.

 

هذا الصراطُ جسرٌ على جهنَّم، إذا وُضع عليها اشتدَّ الفزع، وطارَت القلوب، وشخصَت الأبصار، ونسِيَ كلُّ أحدٍ غيرَه، حتى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا يذكرُون ذلك الوقت أهلِيهم؛ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ذكرتُ النارَ فبكيتُ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُبكِيكِ؟!". قلتُ: ذكرتُ النار فبكيتُ، فهل تذكُرون أهلِيكم يوم القيامة؟! قال: "أما في ثلاثة مواطِن فلا يذكرُ أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتى يعلمَ أيخِفُّ ميزانُه أم يثقُل، وعند تطايُر الصُّحُف حتى يعلمَ أين يقع كتابُه في يمينِه أم في شِمالِه أم من وراء ظهرِه، وعند الصراط إذا وُضِع بين ظهرَي جهنَّم حتى يجوز". رواه أبو داود.

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويُضرب الصراطُ بين ظهرانَي جهنَّم، فأكون أول من يجوزُ من الرُّسُل بأمَّته، ولا يتكلَّم يومئذٍ أحدٌ إلا الرُّسُل، وكلامُ الرُّسل يومئذٍ: اللهم سلِّم سلِّم، وفي جهنَّم كلاليبُ مثلُ شوك السَّعدان، هل رأيتُم شوك السَّعدان؟!". قالوا: نعم، قال: "فإنها مثلُ شوك السَّعدان، غيرَ أنه لا يعلمُ قدرَ عِظَمها إلا الله، تخطِفُ الناسَ بأعمالهم؛ فمنهم من يُوبَق بعمله، ومنهم من يُخردَل، ثم ينجُو". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثم يُضربُ الجسرُ على جهنَّم، وتحِلُّ الشفاعة". قيل: يا رسول الله: وما الجسرُ؟! قال: "دحضٌ مزِلَّة، فيه خطاطيفُ وكلاليبُ وحسَكَة تكون بنجد، فيها شُويكةٌ يُقال لها: السَّعدان، فيمُرُّ المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، والرِّيح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والرِّكاب؛ فناجٍ مُسلَّم، ومخدوشٌ مُرسَل، ومكدوسٌ في نارِ جهنَّم". رواه البخاري ومسلم.

 

وعن حُذيفة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجمع الله -تبارك وتعالى- الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزدلِف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبانا: استفتِح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئةُ أبِيكم، لستُ بصاحب ذلك، اذهبُوا إلى ابنِي إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لستُ بصاحب ذلك، إنما كنتُ خليلاً من وراء وراء، اعمِدوا إلى موسى الذي كلَّمه الله تكليمًا. قال: فيأتون موسى، فيقول: لستُ بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله ورُوحِه، فيقول عيسى: لستُ بصاحب ذلك.

 

فيأتون محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، فيُؤذَن له، وتُرسلُ الأمانةُ والرَّحِم فتقومان جنَبَتي الصراط يمينًا وشِمالاً، فيمُرُّ أولُكم كالبرق". قال: قلتُ: بأبي وأمي! أيُّ شيءٍ كالبرق؟! قال: "ألم ترَوا إلى البرق كيف يمُرُّ ويرجِع في طرفة عين؟! ثم كمرِّ الرِّيح، ثم كمرِّ الطير، وشدِّ الرِّجال، تجري بهم أعمالُهم، ونبيُّكم قائمٌ على الصراط يقول: ربِّ سلِّم سلِّم. حتى تعجِز أعمالُ العباد، حتى يجِيءَ الرَّجُلُ فلا يستطيع السيرَ إلا زحفًا".

 

قال: "وفي حافَّتَي الصراط كلاليبُ مُعلَّقة مأمورة تأخذ من أُمِرت به؛ فمخدوشٌ ناجٍ، ومكدوسٌ في النار". والذي نفسُ أبي هريرة بيده؛ إن قعرَ جهنَّم لسبعين خريفًا. رواه مسلم.

 

وجاء في بعض ألفاظ الحديث: "وإن أحدَهم ليُسحبُ على الصِّراط سَحبًا".

 

وأما من كفر وأوبقَته أعمالُه السيِّئة فيتساقَطون في جهنَّم التي تُعرضُ لهم كأنها سرابٌ يحطِمُ بعضُها بعضًا، عِطاشًا جِياعًا كأشد ما يكون، كما ثبت في الصحيحين.

 

ويُؤذنُ لسيِّد البشر نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة العُظمى لفصل القضاء من ربِّ العباد بين العباد قبل ذلك، وله شفاعاتٌ أخرى، ويشفعُ في الموقف، وبعدَه الأنبياءُ -عليهم الصلاة والسلام بإذن الله تعالى-، وتشفعُ الملائكة، والمُؤمنون، وتنالُ الشفاعة كل من لا يُشرِك بالله أحدًا.

 

وأما المُشرك فلا تنفعه الشفاعة، قال الله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر: 48].

 

حتى إن أبانا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لا تُقبل شفاعتُه في أبيه؛ فإن الله -تبارك وتعالى- يقول له: "إنِّي حرَّمتُ الجنة على الكافرين". كما في صحيح البخاري.

 

فيا سعادة ويا فوز من دخل جنات النعيم! وما أعظم شقاوة من صار مأواه الجحيم!!

 

عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤتَى بأشدِّ الناس بُؤسًا من أهل الجنة، فيُصبَغ صبغةً في الجنة فيقال له: يا ابن آدم: هل رأيتَ بُؤسًا قطُّ؟! هل مرَّ بك من شدَّة قطُّ؟! فيقول: لا والله يا ربِّ، ما مرَّ بي بُؤسٌ قطُّ، ولا رأيتُ شدَّةً قطُّ، ويُؤتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيُصبَغ صبغةً في النار، ثم يقال: يا ابن آدم: هل رأيتَ خيرًا قطُّ؟! هل مرَّ بك من نعيمٍ قطُّ؟! فيقول: لا والله يا ربِّ". رواه مسلم.

 

يا غافلاً عما أمامَه.. ويا مُضيِّعًا أيامَه.. ويا مُغترًّا بدُنياه.. يا ناسيًا أُخراه.. يا من أسَرَته الملذَّات والشهوات: أما تستفيقُ قبل الممات؟! ألا تعتبر لمن مضَى من العقوبات؟! أما تتَّعِظُ لما ترى من الآيات؟!

 

اعلَم أن الاستقامة على الصراط المستقيم في الدنيا ضمانٌ لك على ثُبوت القدم على الصراط في الأُخرى، والجزاءُ من جِنس العمل، قال الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 55- 61].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله العزيز الحكيم، السميع العليم، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ العظيم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه شرحَ الله صدرَه، ورفع ذِكرَه في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ الناصِرين لهذا الدين القَويم.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.

 

عباد الله: اذكُروا نِعَم الله عليكم، واشكُروه عليها بالمُسارعة إلى الطاعات، وبُغض المُحرَّمات؛ فما أوسع فضل الله علينا وعلى الناس، وما أعظمَ رحمته وكرمَه وجُودَه.

 

وإن من رحمة الله بنا: أن علَّمَنا أعظم دعاءٍ وأنفعَه، وأوسعَه خيرًا وأجمعَه، وهو قولُه تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6]، وفرضَه علينا؛ فهو أجمعُ دعاءٍ للخير، وأفضلُ دعاءٍ للسلامة من الشرِّ تضمَّنَته الفاتحة.

 

وفُسِّر الصراط المستقيم بالصراط المضروب على متن جهنَّم، والهدايةُ إليه بالمُرور عليه بسلامةٍ وعافيةٍ من النار، وفُسِّر الصراط المستقيم بالإسلام، وفُسِّر بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولا مُنافاة بين هذه التفاسير، فكل واحدٍ منها يتضمَّنُ الآخر؛ فلا يُهدَى ويُثبَّت على جِسر جهنَّم ويتجاوزه بعافيةٍ وسلامةٍ إلا من اتَّبع النبيَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وآمن بدينِه الذي اتَّبع فيه من قبلَه بالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

 

قال الله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 123].

 

والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أرسلَه الله بدينٍ محفوظٍ لا يُغيَّر ولا يُبدَّل، وبيَّن الله في هذا الدين ما أدخلَه الناس في دين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من التحريف والتغيير والتبديل، قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

 

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ثبِّتنا والمسلمين على سُنَّة نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اجعلنا من أتباعه يا رب العالمين في الدنيا وفي الآخرة، إنك أنت الله ذو الفضل العظيم.

 

اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلَّ يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.

 

اللهم إنا نسألُك أن تغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.

 

اللهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين يا رب العالمين، اللهم يسِّر أمر كل مسلمٍ ومسلمةٍ، ويسِّر أمر كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ.

 

اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تُؤلِّف بين قلوب المسلمين، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام، نسألُك أن تغفِر لنا يا أرحم الراحمين.

 

 

 

 

المرفقات

والنار في الكتاب والسنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات