الجنة .. وأهلها

محمد بن عبدالرحمن محمد قاسم

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ شوق الجنة لأهلها 2/ وصف الجنة 3/ وصف أهلها 4/ أهل الجنة في الدنيا 5/نماذج دنيوية لما في الجنة.

اقتباس

وأهل البشرى بها هم أهل الإيمان والتقوى والعمل الخالص لله، الموافق للسنة، إخلاص في طاعة الله، وإحسان إلى خلقه، وهم أربعة أصناف من الرجاء والنساء، ذكَرهم الله تعالى في كتابه العزيز فقال: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النٍّساء:69].

 

 

 

 

الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نُزُلا، ويسَّرَهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شُغُلا، وسهل لهم طرقها فسلكوا السبل الموصلة إليها ذُلُلاَ، خلقها لهم قبل أن يخلقهم، وحفَّها بالمكاره، وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه، وضرَب مدة الحياة الفانية دونه أجلا، وبشَّرهم بأصناف النعيم التي أعد فيها، وكمَّل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها.

أحمده –سبحانه- بعث الرسل مبشرين ومنذرين، وعمَّر دارين، فهذه لمن أجاب الداعي، ولم يبغ سوى ربه الكريم بدلا، وتلك لمن لم يجب دعوته، ولم يرفع بها رأسًا، ولم يعلق بها أملا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من لا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى الله وإلى جنته. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه السالكين على أثره.

أما بعد: فيا عباد الله: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق الخَلق عبثًا، ولم يتركهم سدى؛ بل خلقهم لأمر عظيم، وخطْبٍ جسيم، عُرِضَ على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه، وقلن: ربنا إن أمرتنا فسمعًا وطاعة، وإن خيَّرتنا فعافيتك لا نبغي بها بدلا، وحمله الإنسانُ على ضعفه وعجزه عن حملِه، وباء به على جهله وظلمِه، فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لثقله، ولشدة مؤنته عليهم؛ فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم، ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدار، التي هي معبر وطريق إلى دار القرار، ولا يتفكرون في قلة مقامهم في الدنيا الفانية، وسرعة رحيلهم إلى الدار الباقية.

أما الموفقون -يا عباد الله- فلمَّا علموا ما خُلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا علَم الجنة قد رفع لهم فشمَّروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا بعين البصيرة مُلْكًا كبيرًا لا تعتريه الآفات، ولا يلحقه الزوال، ونعيمًا مقيمًا في جوار الكبير المتعال، في روضات الجنات يتقلبون، وعلى أسِرَّتِها يجلسون، وعلى الفرُش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتنعمون، وبأنواع الثمار يتفكهون.

سمعوا الرب الكريم -تبارك وتعالى- يدعو إلى دار السلام التي سلمت من كل بلية ومكروه فأجابوه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اطلبوا الجنة جَهْدَكم، واهربوا من النار جَهْدَكم؛ فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها" ويقول: "لا تنسَوا العظيمتين. قلنا: وما العظيمتان يا رسول الله؟ قال: الجنة والنار".

عبادَ الله: والجنةُ ذاتُها تسأل الله تعالى أن يعجل إليها بسكانها، وتذكُر شوقها إليهم، وتشفع فيهم إلى ربهم؛ ففي الحديث المرفوع: "ما من يوم إلا والجنة والنار يسألان، تقول الجنة: يا رب! قد طاب ثمري، واطَّرَدَتْ أنهاري، واشتقت إلى أوليائي، فعجِّل إلي بأهلي. وتقول النار: اشتد حري، وبعُد قعري، وعظم جمري، فعجل إلي بأهلي". وروى الحسن بن سفيان بسنده، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كثِّروا من مسألة الله الجنة، واستعيذوا به من النار، فإنهما شافعتان مشفعتان، وإن العبد إذا أكثر مسألة الله الجنة قالت الجنة: يا رب عبدك هذا سألنيك فأسكِنه إياي، وتقول النار: يا رب عبدك هذا استعاذ بك مني فأعذه".

والجنة -يا عباد الله- اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين، والمساكن، والقصور، وجميع ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ويشنف الأسماع، ويطيب المشام؛ وهي جنات كثيرة، ففي المسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام". وقال عفان: كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة. وفي لفظ: "إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله". وروى البخاري في صحيحه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أم حارثة بن سراقة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة؟ -وكان قتل يوم بدر- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهد في البكاء؟ قال: "يا أمَّ حارثة! إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".

والجنة نوعان، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأِشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وحليهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وحليهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن". وروى ابن ماجه في سننه، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا هل من مُشَمِّر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها -أي لا عوض لها ولا مثل-، هي -وربّ الكعبة!- نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبد، في دار سليمة، وفاكهة، وخضرة، وحبرة، ونعمة، في محلة عالية بهية. قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها. قال: قولوا: إن شاء الله. قال القوم: إن شاء الله".

ومن سعة الجنة أن عرض الباب الواحد من أبوابها كما بين مكة والأحساء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر" متفق عليه. وفي حديث آخر "وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام". وريحها يوجد من مسيرة مائة عام.
والجنة بعضها أعلى من بعض، في الصحيحين من حديث أبي سعيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".

وبعض الجنان غرسها الله بيده زيادة في كرامتها وتفضيل أهلها، روى ابن أبي الدنيا بسنده، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خلق الله جنة عدن بيده، لبِنَةً من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، بلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران"، ثم قال لها: انطقي. قالت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1] فقال الله عز وجل: "وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل". ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحَشر:9].

أما أدنى أهل الجنة منزلة، فروى مسلم في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سأل موسى -عليه السلام- ربه: "ما أدنى أهل الجنة منزلة؟" وفي رواية: "عن أخس أهل الجنة منها حظًّا؟". قال: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذَاتهم؟ فيقال له: ألا ترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب. فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله. فقال في الخامسة: رضيت رب. فيقول: لك هذا وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك. فيقول: رضيت رب" الحديث.

وروى الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر إلى أزواجه وسرُره وخدمه" الحديث، وفي الصحيحين عن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة: رجل يخرج من النار حبوًا، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة. قال: فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملآى. فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة. قال: فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملآى. فيقول له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها. قال: فيقول: أتسخر بي وتضحك بي وأنت الملِك؟ قال: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك حتى بدت نواجذه. قال: فكان يقول: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة".

وأهل الجنة يستوعبون كثيرًا مما أعد لهم من النعيم لكمال حياتهم، وضخامة أجسامهم، وتوافر قواهم؛ ومع ذلك لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يمنون. روى الحاكم بسنده في صحيحه قال: أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ من اليهود، فقال: يا أبا القاسم! ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون -ويقول لأصحابه إن أقر لي بهذا خصَمته- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بلى، والذي نفس محمد بيده، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع". فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حاجتهم عَرَقٌ يفيض من جلودهم مثل المسك، فإذا البطن قد ضمر"، وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يدخل أهل الجنة الجنة جردًا، مردًا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، وهم على خَلق آدم ستون ذراعًا".

ولأهل الجنة طرب ولذة حين يسمعون غناء الحور العين بالتسبيح والتمجيد والتقديس والثناء على الرب -عز وجل-، وأكملهم فيه أصونهم لنفسه في هذه الدار عن الحرام، روى الترمذي عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لمجتمعًا للحور العين يرفعن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له"، وروى ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير: "إن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة فيقلن: طال ما انتظرناكم، فنحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت، بأحسن أصوات سمعت. وتقول: أنت حبي وأنا حبك، ليس دونك مَقْصَرْ، ولا وراءك معدل"، وفي حديث أبي أمامة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمِعَته الإنس والجن، وليس بمزامير الشيطان"، وروى ابن أبي الدنيا بسنده، عن محمد بن المنكدر، قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكِنوهم رياض المسك، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي.

ولهم سماع أعلى من هذا يضمحل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب -جل جلاله-، وخطابه، وسلامه عليهم، ومحاضرته لهم، ويقرأ عليهم كلامه، فإذا سمعوه منه فكأنهم لم يسمعوه من قبل.

وأهل الجنة يتزاورون فيها، وبذلك تتم لذتهم وسرورهم؛ ولهذا قال حارثة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد سأله: "كيف أصبحت يا حارثة؟" قال: أصبحت مؤمنًا حقًا. قال: "إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟" قال: عزفَت نفسي عن الدنيا؛ فأسهرتُ ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يُعذبون فيها. فقال: "عبد نوَّر الله قلبه" وفي حديث أبي أيوب: "أنهم يتزاورون على النجائب".

ومُنتدَى أهلِ الجنة ومُتَحَدَّثُهم تحت شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها. ولهم زيارة أخرى أعلى من هذه وأجل، وذلك حين يزورون ربهم تبارك وتعالى فيريهم وجهه، ويسمعهم كلامه، ويحل عليهم رضوانه.

والجنة فوق السموات تحت العرش، عرضها كعرض السماء والأرض لو وصلت إحداهما بالأخرى.

عبادَ الله: هذا وصف الجنة التي جعلها الله مقرًا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهَّرها من كل عيب وآفة ونقص.

وأهل البشرى بها هم أهل الإيمان والتقوى والعمل الخالص لله، الموافق للسنة، إخلاص في طاعة الله، وإحسان إلى خلقه، وهم أربعة أصناف من الرجاء والنساء، ذكَرهم الله تعالى في كتابه العزيز فقال: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النٍّساء:69].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والصِّدِّيق في الجنة، والشهيد في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة. ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود، التي إذا غضب أو غضبَت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها، ثم تقول: لا أذوق غَمْضًا حتى ترضى" أخرجه النسائي وباقيه على شرطه.

فاتقوا الله عبادَ الله، وأكثِروا من سؤال الله الجنة، واعملوا لها أعمالها من واجب واجتناب محرم، واسألوه الفردوس منها، فإنه أعدل الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنة. واسألوه تعالى العون على أعمال أهل الجنة.

أعوذ بالله من الشطيان الرجيم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 37]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، أحمده سبحانه أفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دعا عباده إلى دار السلام، فعمَّهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة منه وفضلا. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بشَّر وأنذر، ودعا وحذَّر، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد: عباد الله: إن الله تبارك وتعالى الذي أخبر عما في الجنة من أنواع الأطعمة، والأشربة، والملاذ المتنوعة، قد أشهد عباده في هذه الدار من آثار الجنة أنموذجًا، منها: من الرائحة الطيبة، واللذات المشتهاة، والمناظر البهية، والفاكهة الحسنة، والنعيم، والسرور، وقرة العين. وقد روى أبو نعيم عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل للجنة: طِيبي لأهلك، فتزداد طيبًا، فذلك البرد الذي يجده الناس بالسَّحَر من ذلك".

كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها وغمومها وأحزانها تذكر بنار الآخرة. وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم: "أن شدة الحر والبرد من أنفاس جهنم" فلا بد أن يشهد عباده أنفاس جنته، وما يذكرهم بها، مع أنه ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء، وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر.

فاشكروه تعالى أن أوضح لكم الجنة وجَلاَّها، حتى كأنكم ترون نعيمها وحُلاها، واجتهدوا في العمل لها رجاءَ أن تكونوا من أهلها، واعلموا أنه ليس بعد الموت من دارٍ إلا الجنة أو النار.

إن أحسن الحديث كتاب الله ...

 

 

  

 

المرفقات

.. وأهلها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات