عناصر الخطبة
1/حكم صلاة الجمعة 2/فضائل يوم الجمعة وخصائصها 3/واجبات يوم الجمعة 4/مستحبات يوم الجمعة 5/محرمات يوم الجمعة 6/مكروهات يوم الجمعةاقتباس
أيها الإخوة المسلمون: إن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد من الله به على المسلمين كرما منه وفضلا، قال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد" [أخرجه البخاري]. والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 9-10].
صلاة الجمعة من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أفضل من صلاة الظهر بلا نزاع، وهي صلاة مستقلة ليست بدلا من الظهر، وإنما الظهر بدلا عنها إن فاتت.
أيها الإخوة المسلمون: إن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد من الله به على المسلمين كرما منه وفضلا، قال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد" [أخرجه البخاري].
والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة، هذا معنى قوله: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".
وقد جاء بيان ذلك صريحا في صحيح مسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق، بيد أنهم أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى أتوا الكتاب من قبلنا -أي التوراة والإنجيل- قال: ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه".
لأن المراد بهذا اليوم، أي الجمعة، وفرض عليهم، أي فرض عليهم تعظيمه.
إذاً فيوم الجمعة يوم خاص، له مكانته العبادية الخاصة، ليس في عصرنا هذا، بل على مدى العصور، ولا عجب فإنه اليوم الذي خلق فيه آدم، ولم يخلق الإنسان أصلا إلا للعبادة، فناسب أن يشتغل فيه العبد بالعبادة.
وعلى كل حال قد يكون أهل الكتاب أمروا به صريحا فاختلفوا كما هي عادتهم، فقالوا: هل يلزم تعينه أم يمكن إبداله بيوم آخر؛ فاجتهدوا فأخطؤوا، ويشهد لذلك ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ)[النحل: 124] قال: أراد الجمعة فأخطؤوا وأخذوا السبت مكانه.
قال عليه الصلاة والسلام: "فهدانا الله إليه" وكما في حديث كعب بن مالك: "كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أسعد بن زرارة".
قال ابن حجر: "ولا يمنع ذلك أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامته، ولذلك جمع بهم رسول الله، أي صلى بهم الجمعة أول ما قدم إلى المدينة".
قال صلى الله عليه وسلم: "فهدانا الله، فالناس فيه تبع اليهود غدا أيام السبت والنصارى بعد غد، أي الأحد".
فمن جملة ما يستفاد من هذا الحديث: أن أهل الكتاب قد فاتهم خير هذا اليوم العظيم، بينما منّ به على هذه الأمة.
ولذلك فإن من المؤسف حقا أن لا يلقى هذا اليوم تعظيما لا يليق به في بعض بلاد المسلمين، فلا هو محل اعتبار قدسي عند الجهات الرسمية في تلك البلاد، ولا رفعت مكانته كيوم عيد للمسلمين، بل شأنه شأن بقية أيام الأسبوع.
بينما يلقى يوم الأحد في البلاد ذاتها كل الاحترام والمراعاة، بل جعلوه عطلة رسمية، فسبحان الله كيف تبدل الحال فأصبح المتبوع تابعا!
أيها الإخوة: إن ليوم الجمعة الذي يسمى قبل الإسلام يوم: "العروبة" له فضائل:
قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" [خرجه البخاري].
وعند الترمذي: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفي ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة" [أخرجه ابن ماجة].
فيوم الجمعة يتذكر فيه المسلمون مبدئهم ومعادهم، ويوم القيامة، وما سيجري لهم فيه من حساب، وما سينالونه من ثواب وعقاب.
ها قد علمنا -أيها الإخوة - شيء من فضائل يوم الجمعة، فما الذي يجب ويستحب، ويحرم ويكره في هذا اليوم العظيم؟
نبدأ بالواجبات: إن من الواجبات اليومية الصلوات الخمس، وفي يوم الجمعة يجب على وجه الخصوص صلاة يوم الجمعة، وهي صلاة خاصة بهذا اليوم فريضة واجبة على كل مسلم ذكر بالغ لا عذر له، فإن فاتته لغير عذر آثم، وصلاها ظهرا.
وتدرك صلاة الجمعة بإدراك ركعة واحدة على الأقل فإن لم يدرك تلك الركعتان أتم مع جماعة باقي أركان الصلاة، ثم إذا سلم الإمام قام ليقضيها ظهرا أربع ركعات.
والذي يستهين بصلاة الجمعة ولا يحضرها على خطر كبير؛ فقد صح في سنن البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره".
أما الاغتسال لصلاة الجمعة فرأى بعض العلماء وجوبه على أن الصلاة تصح بدونه، ورجح الباقون كون الاغتسال سنة مؤكدة، وممن رأى هذا الرأي سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- وهو آكد الاغتسال المستحبة مطلقا، وقد أوجبه بعض أهل العلم على من كان به عرض واضح.
وعلى العموم ينبغي العناية بالاغتسال لصلاة الجمعة والتطيب، ولبس أحسن الثياب.
ومن الواجبات: الإنصات للخطبة والإنصات هو السكوت للاستماع والإصغاء، فليس كل مستمع منصتا، فقد يستمع الإنسان وقلبه بعيد، وفكره شارد، ولذلك عدد ابن القيم الخصائص العبادية ليوم الجمعة، فقال: "الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبا في أصح القولين، فإن ترك الإنصات كان لاغيا، ومن لغى فلا جمعة له".
ومن الواجبات كذلك: الصلاة ركعتين قبل الجلوس في المسجد، إذا قدم ودخل المسجد صلاة ركعتين قبل أن يجلس، حتى لو كان الخطيب قائما يخطب، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" [أخرجه البخاري].
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما" [أخرجه مسلم].
أما التنفل بين الخطبتين إذا جلس الإمام فلا يجوز.
المستحبات -أيها الأحبة-: منها التكبير في السعي للمسجد، قال عليه الصلاة والسلام: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبش أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وفي الصحيح أيضا قال: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر -أي الذي يأتي باكرا- كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طوى -أي الملائكة- يستمعون الذكر".
فالذين يأتون قبل دخول الإمام الأبكر فالأبكر لهم مقام خاص، وذكر خاص عند الله -تعالى-بحسب ساعة وصولهم، قال عليه الصلاة والسلام: "تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة.. " الحديث.
ومن المستحبات: المشي لصلاة الجمعة دون الركوب إن أمكن ذلك، والدنو من الإمام، قال صلى الله عليه وسلم: "من غسل يوم الجمعة وأغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام وهم الشاهدين هنا سمع ولم يلغو كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
ومن المستحبات: التنفل المطلق، أو قراءة القرآن قبل دخول الإمام، قال صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام" [رواه مسلم].
أما سنة الجمعة، فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد الجمعة ركعتين [متفق عليه].
وورد أنه عليه الصلاة والسلام أمر: "من كان مصليا بعد الجمعة أن يصلي أربعا" [رواه مسلم].
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "قال بعض العلماء: إن صلى الراتبة في المسجد صلى أربعا، وإن صلى في البيت صلى ركعتين؛ ليجمع بين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله".
ومما يستحب عمله يوم الجمعة: قراءة سورة الكهف، ففي السنن قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".
وكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تتأكد يوم الجمعة، فقد قال: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة" إلى قوله: "فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا: يا رسول الله فكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت، أي بليت، فقال: "إن الله -عز وجل- حرم على الأرض أجساد الأنبياء".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أستغفر الله وأتوب إليه، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فمن مستحبات يوم الجمعة: الإكثار من الدعاء لعله يستجاب له، لاسيما في الساعة الأخيرة قبل الغروب، فإنها ساعة إجابة.
في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة، فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -تعالى- شيئا إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها.
قال العلماء:" يقللها للترغيب فيها، والحض عليها، ليسارة وقتها، وغزارة وقتها، وغزارة فضلها" الساعة الأخيرة من الجمعة.
أما المحرمات يوم الجمعة: فمنها تخصيص صوم يوم الجمعة مفردا دون يوم قبله أو بعده؛ ففي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو يوما بعده".
وفيه أيضا من حديث جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "أصمتي أمس؟" قالت: لا، قال: "تريدين أن تصومي غدا؟" قالت: لا، قال: "أفطري".
لكن قال أهل العلم: إنه يستثنى من صيام يوم الجمعة، من كان له عادة من صيام يوم معين؛ كعرفة مثلا إذا وافق يوم الجمعة، أو صوم قضاء فوافق الجمعة، ولم يتمكن من قضاء صومه إلا في يوم الجمعة، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أنه له مزية في يوم الجمعة.
ومن المحرمات: السفر عند الزوال لمن وجبت عليه الجمعة إلا لضرورة.
ومن المحرمات: الكلام أثناء الخطبتين؛ لحديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت".
ومن المحرمات: البيع والشراء ونحوهما من بداية الشروع في الأذان ما قبل الخطبة إلى أن يسلم الإمام؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..)[الجمعة: 9].
ومما يكره يوم الجمعة: السفر بعد الفجر إلى الزوال لا قبل الفجر، ولكنه يحرم بعد الآذان كما ذكرنا أي بعد الزوال لغير ضرورة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "يحرم السفر على من تلزمه الجمعة؛ لقوله تعالى: (.. فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ.. ) فأمر الله -عز وجل- بالسعي للجمعة وترك البيع، فكذلك يترك السفر؛ لأن السفر مانع من حضور الصلاة كما أن البيع مانع من حضور الصلاة، لكن لو خاف فوات الرفقة وفوات غرضه لو تأخر فله السفر للضرورة، أما قبل النداء فهو جائز.
وقال بعض العلماء: بكراهته، لئلا يفوت على الإنسان فضل الجمعة، وأما إذا كان وقت إقلاع الطائرة بعد الأذان مباشرة، فإن كان لا يفوت غرضه لو تأخر فإنه يتأخر، كما لو كان فيه طائرة تقلع بعد الصلاة بزمن لا يفوت به غرضه، وإن لم يكن طائرة إلا بعد زمن يفوت به غرضه فله أن يسافر حينئذ؛ لأنه معذور".
ومما يكره كرها شديدا بل يحرم: تخطي رقاب الناس، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي يخطب -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "اجلس فقد آذيت وآنيت"[رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح].
ومعنى: "آنيت" أي تأخرت في المجيء "وآذيت" في تخطيك للرقاب، لاسيما إذا كان التخطي وقت الخطبة؛ لأن فيه أذية للناس، وإشغالا لهم عن سماع الخطبة، فتكون المضرة فيه واسعة.
وأخيرا: قال صلى الله عليه وسلم: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو، فذلك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء، فهو رجل دعا الله -عز وجل-، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاث أيام، وذلك أن الله يقول: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام: 160][رواه أبو داود وابن خزيمة وصححه الألباني].
أسأل الله -تعالى- أن يفقهنا في ديننا، وأن يتقبل منا أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم