الجمعة: فضلها وآدابها

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ اختصاص الله الأمة المحمدية بيوم الجمعة 2/ من خصائص يوم الجمعة 3/ تقصير الناس في التبكير إلى الصلاة
اهداف الخطبة
تنبيه الناس إلى أهمية تعظيم الجمعة والاستعداد لها
عنوان فرعي أول
كونوا من أبناء الآخرة
عنوان فرعي ثاني
العمل هو الصاحب في السفر إلى الآخرة
عنوان فرعي ثالث
السابقون قليل

اقتباس

تنافسوا -رحمني الله وإياكم- في هذا الخير العظيم، الذي جعله الله في يوم الجمعة لمن استن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنظفوا أبدانكم، والبسوا من أحسن ثيابكم، واستاكوا وتطيبوا من طيبكم، وبكروا إلى الجمعة بسكينة ووقار، وتنافسوا في الصف الأول، ثم الذي يليه دون أن تؤذوا أحداً من إخوانكم، وصلوا من النوافل ما كتب الله لكم

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: توبوا إلى الله تعالى قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذين بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له والصدقة، ابتغاء وجهه في السر والعلانية - ترزقوا وتنصروا وتجبروا، واغتنموا لحظات الزمن وفرص الحياة بالأعمال الصالحات قبل مضيها وانصرامها؛ فإن الليالي والأيام خزائن تستودع فيها الأعمال، ومطايا الأحياء إلى الآجال، وستمضي إلى ربها شاهدة لكم أو عليكم بما استودعتموها، حافظة لما ائتمنتموها، معاتبة لكم إن ضيعتموها ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) [الواقعة:10-11].

ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة قد ارتحلت مقبلة؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل؛ فاستبقوا الخيرات، وأقبلوا على جليل الطاعات وعظيم القربات، وسابقوا إلى المغفرة والجنات، وتنافسوا في الفوز بأعلى الدرجات قبل الممات؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ابن آدم فقد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: " ويتبع الميت ثلاث، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله ".

فالعمل -أيها المسلمون- هو الصاحب في السفر إلى الآخرة، والجليس في القبر دار الغربة، والشافع يوم الهول والكربة؛ فاعملوا صالحاً تجدوه، وأحسنوه تحمدوه، واتقوا ربكم واحذروه، فإنكم كادحون إليه كدحاً فملاقوه، فلا تغرنكم المهلة، فما أسرع النقلة، فكأنكم بملائكة الموت وقد حضرت، وبصحف الملائكة وقد طويت، وبالروح وقد غرغرت؛ فيا لهول المفاجأة، ويا لعظم المصيبة؛ فكم من محسن يود الزيادة من الإحسان، وكم من مسيء يود لو أمهل؛ ليصلح عمله ويتوب إلى ربه من الفسوق والعصيان.

أيها المسلمون: اشكروا نعم الله تصبحوا من المحبوبين لديه، واغتنموا فرص الحياة فيما يقربكم إليه، وتذكروا حالكم حين الوقوف بين يديه، واعلموا أن يوم الجمعة من نعم الله العظيمة ومنحه الكريمة التي اختص الله بها هذه الأمة المحمدية من بين الأمم، ومنحها مزاياه وفضائله؛ لما له سبحانه من جليل الحكم، فجعله تعالى عيداً لهذه الأمة المرحومة في كل أسبوع، يتنافس فيه العباد بأنواع العمل المشروع، ويفرحون بما ادّخر الله لهم فيه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ فكم فيه من نفيس القربات، وكم فيه من أسباب تكفير السيئات وزيادة الحسنات، وكم فيه من موجبات رفعة الدرجات وإجابة الدعوات ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) [الجمعة:4].

 

أيها المسلمون: صح في الحديث عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد؛ وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة؛ نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق، وأول من يدخل الجنة ".

ولقد نبه صلى الله عليه وسلم على شيء مما جرى في هذا اليوم العظيم من الحوادث المهمة وما اختصه الله به من الفضائل لهذه الأمة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها " وفي رواية أخرى: " لا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ".

وفيه أيضاً عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة واستاك ومس من طيب -إن كان عنده- ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء الله أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام، فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها " وفي رواية: " من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه -غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا ".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: " فيه ساعةٌ لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه " وأشار بيده يقللها.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله تعالى، وأعظم عند الله عزّ وجلّ من يوم الفطر ويوم الأضحى ".

أيها المسلمون: ولئن كان التبكير إلى المساجد يوم الجمعة سنة مهجورة من قبل الكثيرين من الناس هذه الأزمان - فلقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يحث عليها ويرغب فيها ويعدها من جليل الصدقات ونفيس القربات، وأسباب السبق إلى المنازل العالية في الجنات؛ ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح -يعني في الساعة الأولى- فكأنما قرّب بدنة -أي تصدق بها لله- ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون ".

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر -أي المبكر إلى الجمعة- كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم وجاءوا يستمعون الذكر ".

أيها المسلمون: حق لمن قرأن هذين الحديثين أن ينكس الرأس؛ خجلاً من الله، وحياءً من الملائكة الكرام، وشفقة على عباد الله، وخوفاً عليهم؛ إذ يفرط الكثير منهم بهذا الخير الكثير، فكم من الفرق الكبير بين من يهدي البدنة لتبكيره والذي لا يهدي شيئاً؛ لأنه جاء بعدما طوت الملائكة صحفها.

وكم من جمعة تطوي الملائكة فيها صحفها ولم تسجل فيه من السابقين إلا القليل، ومعظمهم ممن هو كمُهدي البيضة؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما هذا الزهد في الأجر؟ وما هذه الغفلة من أعظم الذخر؟ ألم يبلغهم قوله صلى الله عليه وسلم: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ -كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها "؟ ألم يعلموا قوله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم ما في النداء والصف والأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا "؟.

ألم يعلموا أن الناس في المنازل في الجنة على قدر تبكيرهم إلى الجمعة؛ فزيادة الفضل وعظيم الأجر ومزيد القرب من الله تعالى بحسب نصيبهم من الصفوف.

أيها المسلمون: تنافسوا -رحمني الله وإياكم- في هذا الخير العظيم، الذي جعله الله في يوم الجمعة لمن استن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنظفوا أبدانكم، والبسوا من أحسن ثيابكم، واستاكوا وتطيبوا من طيبكم، وبكروا إلى الجمعة بسكينة ووقار، وتنافسوا في الصف الأول، ثم الذي يليه دون أن تؤذوا أحداً من إخوانكم، وصلوا من النوافل ما كتب الله لكم، وأكثروا ذكر الله وتلاوة كلامه وأنواع ذكره، واسألوه سبحانه المزيد من فضله، والتزموا الأدب النبوي والنهج المحمدي -تكونوا من السابقين إلى الخيرات الفائزين بأعلى الدرجات ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الجمعة:4].

وإياكم والتخلف عن هذا الخير، والتهاون بتلك السنن، ففي الصحيح: " لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله ".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآَخِرِينَ ) [الواقعة:10-14].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

المرفقات

670

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات